الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سيرة شبّان حيّ حمصي وموتهم كتيبة شهداء البيّاضة

سيرة شبّان حيّ حمصي وموتهم كتيبة شهداء البيّاضة

10.02.2014
عارف حمزة


المستقبل
9/2/2014
صور كثيرة يمكن شرحها بألم عن كتيبة شهداء البياضة، التي استشهد جميع أفرادها تقريباً مؤخراً في حمص، وعن حيّ البيّاضة نفسه كمكان كان يعيش فيه على الأقل مائة ألف نسمة. علينا أن نعرف كم هو كبير هذا الحيّ الحمصيّ. وعلينا أن نعرف أين ذهب أولئك المائة ألف من البشر، وما هي المصائر التي تجرّعوها. أكثر سكانه كانوا من البدو، ولكن هذا لا يعني أنّهم طووا خيامهم ورحلوا لمكان آخر؛ فالصور والأخبار التي كانت تأتينا من ذلك الحيّ تكشف حجم زلازل الوحشيّة التي ضربت هناك؛ صرنا نرى الشوارع المحروثة بحقد بين الحارات، بعدما كانت تحجبها الأبنية بعلوّها. بنايات مالت على نفسها وتدمّرت. وبنايات مالت كي تقع في حضن بنايات أخرى. وبنايات بقي هيكلها العظميّ من الحديد الملبوس بقطع من اللحم فقط. وهكذا سنعرف، من أحوال تلك الأبنية ودمارها، أنواع الأسلحة التي حظيت بها لتلقين ساكنيها معنى الخضوع.
بقي من سكان ذلك الحيّ، إضافة للأحياء المحاصرة الأخرى، ما يُقارب من 1500 شخص فقط من المدنييّن، بينهم نساء وأطفال . وهم محاصرون منذ أكثر من ستمائة يوم. وما عدنا نعرف شيئاً عنهم، وعن أحوالهم. وهذا يعني أنّه اعتقل وقتل وهجّر أكثر من ثمانية وتسعين ألف شخص!
تشكيل كتيبة شهداء البيّاضة
جميع مقاتلي شهداء البيّاضة كانوا في بداية الأمر مجموعة صغيرة من الشباب الذين آمنوا بالثورة. ما يُقارب من عشرين شخصاً كانوا ينظّمون المظاهرات في الحيّ، ويشاركون في تظاهرات الأحياء الأخرى. وكان عبد الباسط الساروت، حارس مرمى منتخب شباب سوريّا لكرة القدم وحارس مرمى نادي الكرامة الحمصيّ، هو المغنّي ومؤدّي ومؤلف الكثير من شعارات تظاهرات الثورة هناك. وكان من بينهم من يدقّ على الطبل. وآخر يوزّع الأعلام. وآخر يكتب اللافتات. وآخران يُصوّران تلك الأيام التي كان فيها سكان في ذلك الحيّ المدمّر... وهكذا كانوا مجموعة من أبناء الحيّ الأصدقاء الذين آمنوا بثورة الشعب السوريّ على الاستبداد منذ بدايتها. وشاركوا في جميع التظاهرات، إلى الوقت الذي فكّروا فيه بحمل السلاح الخفيف بعدما تعرضّ المتظاهرون للإعتقال والقتل.
نصف تلك المجموعة التي تشكّلت في البداية لاقت حتفها طوال عامين ونصف تقريباً في المعارك الصغيرة التي خاضوها ضد قوّات النظام والأمن والشبّيحة، لفكّ الحصار عن المناطق المحاصرة، وهي قسم من حيّ القصور وقسم من حيّ جورة الشيّاح وحمص القديمة، من خلال حرب الشوارع.
كانت تلك الكتيبة التي حاربت خصوصاً على "جبهة شارع القاهرة" في حيّ الخالديّة يزداد عدد مقاتليها ببطء كلّما استشهد عدد منهم. وقد وصل عدد شهداء تلك الكتيبة، إلى ما قبل العمليّة الأخيرة، إلى استشهاد /75/ مقاتلاً من مقاتلي كتيبة شهداء البيّاضة وحدهم.
ومن المعروف أنّ عبد الباسط ساروت، الذي استشهد أخوه محمد وليد الساروت على جبهة الخالديّة بتاريخ 11/11/2011، كان يشترط للحصول على التمويل اللازم في عدم أخذ الأوامر من الجهة، أو الأشخاص، التي تريد تمويل مقاتليه بالأسلحة والذخيرة، بل كانوا أحراراً في عملهم هناك.
ومن المعروف أيضاً أنّ الكتيبة حقّقت انتصارات صغيرة طوال عمليّاتها ضد مقاتلي جيش النظام؛ فالنظام لم ينتصر سوى في المعركة الأخيرة التي سمّيت بمعركة المطاحن.
عمليّات فك الحصار
في شهر أغسطس/آب من عام 2012 سيخرج الساروت من قلب الحصار، من خلال مجرور صحي، نحو الريف الشماليّ لمحافظة حمص؛ ليؤمّن مقاتلين وذخيرة لزيادة الضغط على النظام؛ لفكّ حصاره الحديديّ عليها. وهناك سينصدم بقلّة الحماسة لدى ثوار الريف الشماليّ بالذهاب إلى حمص. وهذا ما يمكن لمسه في جميع الأرياف المحيطة بحمص وحماه، حيث لم تأت سوى نجدة واحدة من ثوّار حلب تكسّرت عند مشارف القصير. فالنظام حشد قوّات هائلة هناك؛ ومن خيرة مقاتليه من المغاوير والحرس الجمهوريّ والمظلييّن، فيما عدا ما يُعرف "بجيش الدفاع الوطنيّ" المكوّن من شبّان وشابات من الطائفة الحاكمة. وهذا الجيش الوطنيّ يستخدمه النظام كدروع بشريّة إذا صحّ التعبير؛ فهم ذوو خبرة قتاليّة محدودة، ويقودهم في ذهابهم لمقتلهم بسهولة، في الاقتحامات العديدة الفاشلة، خبرتهم في الضغينة، والأحقاد الطائفيّة التي زرعها فيهم النظام، وحسب.
المجرور الصحيّ الذي سلكه الساروت إلى الريف الشماليّ سيكشف النظام أمره في اليوم التالي، وبالتالي صارت عودته من الطريق ذاتها مستحيلة. وهو الطريق الوحيد الذي كان يأمنه الساروت هناك، بالرغم من كثرة الأنفاق التي حفرها المقاتلون هناك في حمص، وخاصة في الخالدية وباباعمرو والبيّاضة، إلا أنّها كانت قد اكتشفت من قبل النظام وتمّ تدميرها، أو أصبحت غير مأمونة على الإطلاق.
العمليّة الأولى لفكّ الحصار كانت بالاتفاق والتنسيق مع المجلس العسكري لجبهة حمص، وكانت الخطة تقتضي بالتسلل إلى حي دير بعلبة وتكوين خلايا نائمة هناك، لحين بدء العمليّة. وكان عدد مقاتلي كتيبة شهداء البيّاضة /47/ مقاتلاً فقط.
في بداية شهر اكتوبر/تشرين الأول من عام 2012 دخلت مجموعة من المقاتلين (مجموعة الحاج حسن ومجموعة زياد العفنان بالإضافة لكتيبة شهداء البيّاضة) إلى حي دير بعلبة. وقاموا بحفر الأنفاق على طول جبهة شارع "الستين" للوصول من خلالها إلى حيّ البيّاضة أولاً، ومن ثمّ إكمال العمليّة إلى باقي الأحياء المحاصرة. وكان على المجلس العسكريّ، وفق الاتفاق، أن يدخل حي دير بعلبة للاشتباك مع قوات النظام المتمركزة عند كليّة الكيميا، وبالتالي تصبح عمليّة تسلل الكتائب الأخرى من الأنفاق للوصول إلى البياضة سهلة، ولا يمكن كشفها من النظام، في الوقت نفسه تكون عناصر الجيش الحرّ قد تحرّكت من جبهة شارع القاهرة باتجاه الحيّ أيضاً. أي أن بداية العمليّة، وإشارتها السريّة، ستكون بتحرّك المجلس العسكريّ للاشتباك مع قوات النظام داخل حي دير بعلبة. وانتظر الجميع لأسابيع من دون أن يتحرّك المجلس العسكريّ!
في نهاية شهر تشرين الأول المذكور قرّرت الكتائب المتواجدة في حي دير بعلبة، والكتائب المتواجدة في حيّ الخالديّة، التوجّه إلى حيّ البيّاضة، وفتح طريق، سيكون وسيلة إمداد بالأسلحة والذخيرة والأغذية والأدوية، لفك الحصار. وبالفعل تحرّك الطرفان بقوّة نحو الحيّ المحاصر، وزادت وتيرة وقوّة الاشتباكات، وشعر النظام بخطورة الوضع، وخطورة وصول مقاتلي الكتائب إلى حيّ البيّاضة، وخطورة إمكانيّة فك الحصار هناك، وتفكيرهم بالتوجّه لتحرير حمص كلّها؛ فقام باستخدام صواريخ برؤوس كيميائيّة، غاز الأعصاب، في ضرب حيّ البيّاضة والمقاتلين. استشهد قائد العمليّة "أبو أسعد الشركسيّ" مع سبعة من مقاتليه، بالإضافة لاستشهاد مقاتل من كتيبة شهداء البيّاضة، مع كثير من الإصابات للمقاتلين الآخرين، منها تلف عين أحد المقاتلين.
انسحب المقاتلون من المكان باتجاه الريف الشماليّ، بعد اشتباكات كبيرة مع قوّات النظام، ومقاتلي حزب الله اللبناني.
في شهر مارس/آذار من عام 2013 جاءت الأخبار بتحرير حيّ الخالديّة من قبل مقاتليّ الجيش الحرّ، وجاءت بذلك فرصة محاولة الاقتحام الثانية التي فشلت أيضاً بعد سماعهم، وهم في الطريق لمساندة إخوتهم، خبر استعادة قوّات النظام لحيّ الخالديّة بعد ثمان وأربعين ساعة فقط من تحريره.
في شهر حزيران من عام 2013 استطاع مقاتلو الكتيبة إيجاد ثغرة في منطقة البساتين ليصلوا إلى حيّ الخالديّة، واشتبكوا مع قوّات النظام هناك حتى سقوط حيّ الخالديّة في شهر تموز للعام نفسه، فانسحب مَن بقي من المقاتلين حيّاً باتجاه مناطق الحصار الأخرى.
معركة المطاحن واستشهاد كتيبة شهداء البيّاضة
طوال هذه الأشهر كانت العائلات الباقية في حمص، وكذلك مقاتلو "لواء الحق"، ويتراوح عددهم بين سبعمائة إلى ألف مقاتل، وهم من خيرة المقاتلين في الاقتحامات، ويعتبر أكبر لواء أعلن تأييده للجبهة الإسلاميّة، كانت تعاني من انعدام كلّ شيء.
بعد انقطاع كل سبل الإمداد لتلك العائلات، وأيضاً لكتيبة شهداء البيّاضة والمقاتلين من بعض الكتائب الأخرى، قرّروا مهاجمة النظام، وتحديداً في منطقة المطاحن، لتأمين الطحين والحليب والمواد الغذائيّة من مناطق النظام المحيطة بالمناطق المحاصرة.
كانت الخطة تقتضي بتسلل ثلاثمائة مقاتل، على دفعتين، عبر أحد الأنفاق، (مجرور صحي)، من حيّ جورة الشيّاح إلى حي "التأمينات"، وذلك للمرّة الأولى، التي توجد فيها مطاحن تحت سيطرة قوّات النظام والجيش الوطنيّ. وكانت العمليّة تهدف إلى أخذ أسرى، بغية التفاوض عليهم لإدخال مساعدات غذائيّة وطبيّة وإطلاق سراح المعتقلين، وسلاح وذخيرة. ولكن كان المطلوب بالدرجة الأولى أن يكونوا قريبين من أماكن النظام، وتأمين غذاء للعائلات المحاصرة منذ أكثر من ستمائة يوم.
في ذلك الوقت كان قد بقي من كتيبة البيّاضة خمسون مقاتلاً شاركوا في المعركة الأخيرة، وكلّهم من الشبّان الذين لا تزيد أعمارهم عن ثلاثين عاماً، مع مقاتلين تنقص أعمارهم عن الثمانية عشر عاماً.
المجموعة الأولى التي تسلّلت كانت مؤلّفة من /150/ مقاتلاً، وكانت تتقدّم تلك المجموعة كتيبة شهداء البيّاضة كاملة. واستطاعت الوصول إلى مكان قريب جداً من قوّات النظام التي استطاعت كشف تلك المجموعة، إما عن طريق تجسسّها على شبكات الاتصال أو من خلال كاميرات المراقبة الحراريّة المنتشرة بكثرة حول أماكن تواجدها أو، وهو احتمال ضعيف، من خلال وشاية أحد ما بالعمليّة، ومحاصرة المجموعة في مكان معين والاشتباك معها لأكثر من عشر ساعات؛ حيث بدأ الاشتباك الساعة الثانية من فجر الخميس 9/9/2013 واستمر حتى الرابعة قبل مغيب الشمس، وفي الوقت الذي كان مقاتلو المجموعة، الذين حمل كل واحد منهم معه "تمرتين" فقط كطعام، يقاتلون بالبي كي سي والكلاشينكوف وقذائف الآربي جي، استخدمت قوّات النظام الدبابات والهاون والرشاشات..
خسائر كبيرة للطرفين
قوّات النظام بدت مستعدة للقتال، وكأنّها كانت تعلم بكلّ التحرّكات، والمفاجأة التي أرادت المجموعة تفجيرها في أوصال قوّات النظام انقلبت على المجموعة نفسها، وجعلت المجموعة المقاتلة تتحصّن في كتل بنائيّة والاشتباك منها مع قوّات النظام. ويبدو أنّ قوّات النظام استطاعت تحديد أماكنها بدقة من خلال الكاميرات الحراريّة. ولعدم قدرتها على اقتحام ذلك المكان؛ قامت بتفجير الكتلة البنائيّة تلك باسطوانة مملوءة بمادة "تي إن تي" الشديدة الانفجار.
تلك الإسطوانة كان يبدو مفعولها مثل مفعول القنبلة الفراغيّة حيث لم يبق من الكتل البنائيّة سوى الأعمدة فقط، أي تمّ تهديم البناء من الداخل مع بقاء العوارض فقط.
عدد مقاتلي كتيبة شهداء البيّاضة في هذه المعركة كان خمسين مقاتلاً، وهو جميع مقاتليها هناك، واستشهد منهم /45/ مقاتلاً، بينما نجا خمسة مقاتلين فقط، منهم قائد الكتيبة عبد الباسط الساروت، الذي حمل أحد الجرحى وعاد به لإسعافه، وكذلك المسعف أبو علاء والمقاتل أبو سفيان ومقاتلان آخران كانا مصابين.
المجموعة الأولى إذن، والتي كانت مكوّنة من 150 مقاتلاً، منهم المقاتلون الخمسون لكتيبة شهداء البيّاضة، استشهد منهم /63/ مقاتلاً، بينما المجموعة الثانية لم تلتحق بالقتال بسبب كثافة النيران، واكتشاف مكان التسلل بعد انسحاب بقيّة مقاتلي المجموعة الأولى من خلاله.
بعد انتهاء المعركة بيومين عاد ثلاثة مقاتلين من تلك المجموعة الأولى، كانوا قد استطاعوا الاختباء في سقيفة أحد الأبنية من دون طعام وماء، إلى المناطق المحاصرة منهكين من الألم والحزن.
النظام كعادته في كلّ المعارك التي خاضها في حمص بالذات لم يعلن عن خسائره. إلا أنّ تسريبات وصلتنا من شهود عيان بأنّهم رأوا شاحنتين مملوءتين بالجثث عائدة لقوّات النظام.
وكعادته أسرف النظام في فرحه بالقضاء على أولئك المقاتلين الشرسين والإرهابييّن الذي جاؤوا لفكّ الحصار عن المدنييّن المحاصرين، وأخذ الغذاء والأدوية وحليب الأطفال لهم.
كان الأمل كبيراً في أن يجدوا بين القتلى عبد الباسط الساروت، ولكنّ الذي داوم على قتال النظام هناك منذ أكثر من عامين ونصف لم يكن بينهم. وفي التصوير التلفزيونيّ بدا جنود النظام مندهشين وصامتين وهم ينظرون إلى جثث أولئك الأبطال الذين لم يكن هناك من طريقة أخرى لقتلهم سوى بتفجير المكان وتدميره، وليس مواجهتهم بشجاعة يعرفون بأنّهم يفتقدونها.
 
أسماء الشهداء
 
1 الشهيد أحمد الساروت.
2 الشهيد عبد الله الساروت.
3 الشهيد عبد الناصر أحمد المغربل.
4 الشهيد مهند الدروبي.
5 الشهيد محمود رسلان.
6 الشهيد بشير البابا.
7 الشهيد أيمن ياسر عبد الهادي.
8 الشهيد أحمد النجار.
9 الشهيد بلال خضرو أبو عبد الله .
10 الشهيد أيمن الجندي.
11 الشهيد وليد الحسن الملقب بأبي خالد السعن.
12 الشهيد أبو محمد شام.
13 الشهيد طارق مريحاوي.
14 الشهيد أحمد عبد المجيد المجاور.
15 الشهيد شريف عبد الحكيم الرفاعي.
16 الشهيد عمر نوّاف الصالح.
17 الشهيد زكريا مصطفى الصويص.
18 الشهيد محمد فرحان شرف الدين.
19 الشهيد حسام المصري.
20 الشهيد أمير داغستاني.
21 الشهيد منذر الحلاق.
22 الشهيد حمزة المصري.
23 الشهيد أيهم عبد الله المكحل.
24 الشهيد عبد الوارث البيطار.
25 الشهيد محمد الزعبي أبو حسام.
26 الشهيد عصام الراجح.
27 الشهيد محمد أيمن الرفاعي.
28 الشهيد فرحان عز الدين.
29 الشهيد عبد الغني النجّار أبو محمد شام.
30 الشهيد علي النعيمي.
31 الشهيد طاهر الصغير.
32 الشهيد يحيى الصغير.
33 الشهيد طه الصغير.
34 الشهيد عبد المالك المظلوم.
35 الشهيد عبد الناصر الصالح.
36 الشهيد عبد العزيز حجّو.
37 الشهيد عبد القادر فاضل.
38 الشهيد حازم العابد.
39 الشهيد وليد الشيخ الملقب أبي خالد.
40 الشهيد عبد الفتاح محمد فتحي دبدوب.