الرئيسة \  تقارير  \  سيناريو الشيشان قد يتكرر: 9 سيناريوهات محتملة للحرب الروسية الأوكرانية

سيناريو الشيشان قد يتكرر: 9 سيناريوهات محتملة للحرب الروسية الأوكرانية

10.03.2022
زهراء أبو العنين


زهراء أبو العنين
ساسة بوست
الاربعاء 9-3-2022
بعد ما يقرب من أسبوعين على بداية الحرب الروسية الأوكرانية، يتابع كثيرون ما يحدث على الساحة لحظة بلحظة، ويرصدون كيفية مواجهة القوات الأوكرانية للتقدم الروسي، وما تفرضه الدول الأخرى من عقوبات على موسكو، ولأنه من المهم بالقدر نفسه التنبؤ بالمسارات والنتائج المحتملة المتعددة لهذه الحرب، فقد وضع المحللون السياسيون والمخططون العسكريون عددًا من السيناريوهات المحتملة التي قد تؤول إليها هذه الحرب، وفي التقرير التالي نقدم تسعة سيناريوهات محتملة قد تسير الحرب الروسية الأوكرانية وفقها.
1- سقوط كييف وفرض الهيمنة الروسية سريعًا
يشير هذا السيناريو إلى تصعيد روسيا أعمالها العسكرية، المتمثلة في القصف المدفعي والصواريخ والغارات الجوية على جميع أنحاء أوكرانيا، كذلك استهداف البنية التحتية الرئيسية بالهجمات الإلكترونية.
يتوقع هذا السيناريو سقوط كييف السريع نتيجة قطع إمدادات الطاقة وشبكات الاتصالات، وبعدها، تُستبدل بالحكومة الأوكرانية حكومة أخرى موالية لروسيا، أما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فمن المتوقع تعرضه للاغتيال أو هروبه وتشكيل حكومة أخرى في الخارج.
في هذا السيناريو المُحتمل، يسحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعض قواته من أوكرانيا بعد إعلان الانتصار، تاركًا البعض الآخر لضمان فرض السيطرة، في حين يستمر اللاجئون في الفرار إلى الغرب. لكن هذا السيناريو يتوقف على أداء القوات الروسية وتقدمها ونشر المزيد من قواتها داخل أوكرانيا، مع تراجع الروح القتالية للأوكرانيين.
ويشير ألين سينس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا البريطانية، إلى أنه على الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها القوات الأوكرانية، فإن افتقارها إلى الأسلحة والقوى البشرية سوف يلحق بها الهزيمة سريعًا.
مع أن انتهاء الحرب بهذه الطريقة أمر وارد، فإن تشكيل حكومة موالية لروسيا يظل عرضة للتمرد، مما يسبب حالة من عدم الاستقرار، مع احتمالية اندلاع الحرب مرة أخرى.
2- هل يفعل بوتين في “كييف” ما فعله في “جروزني”؟
يتطابق هذا السيناريو مع التوقع السابق في فرض روسيا سيطرتها سريعًا على العاصمة الأوكرانية والمدن الأخرى، وتنصيب حكومة موالية، لكن فيه تستمر دول الناتو في تقديم مساعدات للمقاومة الأوكرانية، وتستمر القوات الدفاعية الأوكرانية في شن هجمات واسعة ضد الروس في جميع المدن الأوكرانية، وينضم المحليون إلى المقاومة والقتال، مما يكبد روسيا خسائر باهظة (بشرية ومالية). وعليه قد تحتاج روسيا إلى المثابرة من أجل الحفاظ على سيطرتها على بعض المدن الأوكرانية التي تتمكن من دخولها، وقد لا تتمكن من توفير قوات روسية للانتشار في المدن الأوكرانية كافة.
ويميل لوكا واي، المدير المشارك لبرنامج دراسة أوكرانيا في كلية مونك للشؤون العالمية والسياسة العامة في كندا، إلى هذا السيناريو، ويرى أن الروح المعنوية التي أظهرها الأوكرانيون أثناء الرد على الغزو بشجاعة، مع انخفاض الروح المعنوية للجنود الروس، قد يطيلان من أمد الحرب، خاصة وأن بوتين لم يُظهر أي ميل للتراجع.
هنا، يظهر إلى السطح ما حدث في الماضي مع أفغانستان، وما حدث بعدها في الشيشان، فيذهب الرأي الأول إلى أن عناء سنوات طويلة في الحرب يدفع بوتين إلى الانسحاب، أو أن القيادة الروسية نفسها تتغير، وتفضل القيادة الجيدة مغادرة أراضي أوكرانيا. والانسحاب في النهاية وفقًا لهذا السيناريو يتشابه مع نهاية الحرب الروسية الأفغانية التي استمرت مدة 10 سنوات (1979- 1989)، اضطرت روسيا بعدها إلى الانسحاب ومغادرة قواتها أراضي أفغانستان.
ووفقًا لما قاله فلوريان جاسنر، كبير المدرسين في الدراسات الألمانية ودراسات أوروبا الوسطى والشرقية والشمالية في الجامعة البريطانية كولومبيا، لشبكة “سي تي في” الكندية، فإن النهج الذي تسلكه روسيا في غزو أوكرانيا الحالي، مشابه للتكتيك الروسي في الشيشان، علمًا بأن روسيا قد حاولت بشكل وحشي الاستيلاء على العاصمة الشيشانية جروزني في التسعينيات، وألحقت بها دمارًا واسعًا، ودمرتها وتسببت في موت الكثير من المدنيين والعسكريين من أجل إخضاعها في النهاية.
لكن على صعيد آخر، يرى جاسنر أنه من الصعب أن تُلحق روسيا الأذى بالعاصمة الأوكرانية كييف كما ألحقته بالعاصمة الشيشانية جروزني، وذلك لتمتع كييف بمكانة خاصة لدى الروس إذ يرون أن أصل العاصمة كييف كانت “كييف روس”، وهي مجموعة من الإمارات الكونفيدرالية الواقعة في أوروبا الشرقية، نشأت في القرن التاسع الميلادي بعد وصول المغيرين الإسكندنافيين إلى المنطقة، واستمرت حتى سقوطها على أيدي المغول في القرن الخامس عشر، ويرى الروس أن أصولهم بدأت في تلك المنطقة، ولذا وجهت روسيا ضربات عسكرية مدمرة لمدينة خاركيف، بدلًا من توجيهها للعاصمة كييف.
بينما يرى جاك واتلينج، الخبير في الحرب البرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، كما جاء في “نيويورك تايمز”،  أن الحرب الروسية في الشيشان كانت وحشية بشكل خاص، وساعدت بوتين ( الذي كان رئيس وزراء روسيا آنذاك) على إثبات صلابته، فقد اعتمد على قتل الآلاف من الشيشانيين قبل أن تستعيد روسيا سيطرتها على الشيشان وتضمها إلى الاتحاد الفيدرالي.
3- سيطرة القوات الأوكرانية بدعم من “الناتو”
من السيناريوهات المحتملة، وقوع معجزة -على حد تعبير “أتلانتيك كاونسل”- تتغلب فيها القوات الأوكرانية على روسيا في ساحة المعركة بدعم من أعضاء الناتو، وتوقف القوات الروسية المستمر نحو البلاد، ومن ثم لا يتمكن بوتين من إطاحة حكومة كييف وإقامة حكومة موالية.
هنا، لن يكون أمام بوتين سوى سحب قواته من أوكرانيا، فيزداد الاستياء الشعبي الروسي تجاهه، وهو ما يُعد هزيمة سياسية واضحة، ولن يتمكن من الترويج لنفسه مرة أخرى على أنه المدافع عن روسيا ضد الغرب العدواني والمخلص للعرقية الروسية.
حينئذ، تتزايد التهديدات الداخلية على سلطة بوتين، ويصل المشهد السياسي الروسي إلى نقطة تحول، فإما أن يستمر بوتين بسياساته المضادة للغرب، وإما يتمكن شخص آخر من تولي زمام الأمور، وقد تكون سببًا لتغير تصرف روسيا تجاه العالم، أما بالنسبة لأوكرانيا في هذا السيناريو، فإنها تظل دولة ذات سيادة، وتتقرب بصورة أكبر من الغرب وحلف الناتو.
4- “موت الدولة الأوكرانية” وعودة الإمبراطورية الروسية!
وفقًا لما جاء في مجلة “ذي أتلانتك”، يرى بول بواست، أستاذ السياسة الخارجية والحرب في جامعة شيكاغو أن “سيناريو موت الدولة” يظل احتمالًا مطروحًا، ويقصد هنا أن روسيا تسعى إلى فرض السيطرة الكاملة على أوكرانيا، وجعلها جزءًا من روسيا، وهذا ما يذكره بوتين في خطاباته.
وقد يزداد طموح الرئيس الروسي بوتين في السيطرة على الأراضي التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي، لتحقيق حلم الإمبراطورية الروسية، فبعد السيطرة على أوكرانيا، ينتقل إلى دولتي مولدوفا وجورجيا، فهما ليستا ضمن أعضاء حلف الناتو، ولكن قد يتسبب هذا السيناريو في نشوب حرب القوى العظمى.
5- روسيا في مواجهة حلف الناتو
من الممكن أن يلجأ بوتين إلى التصعيد ويعلن أن إرسال إمدادات الأسلحة الغربية للقوات الأوكرانية عمل عدواني يستحق الرد الانتقامي، وعليه يُرسل بوتين قوات إلى دول البلطيق (إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا) وجميعها أعضاء في حلف الناتو، وبموجب المادة 5 من ميثاق التحالف العسكري، فإن الهجوم على عضو واحد من أعضاء حلف الناتو، يعد هجومًا على باقي أعضاء الحلف، أي إن مخاطرة بوتين بإرسال قواته إلى أي من هذه الدول الأعضاء، لن يكون محمود العواقب، لكن هذا الخيار قد يكون آخر ما في جعبة بوتين في حال لاقى مواجهة حاسمة من أوكرانيا، إن لن يكون أمامه سوى التصعيد، فيشتعل النزاع العسكري المباشر بين روسيا والناتو.
قد يبدأ الصراع بين روسيا والناتو بطريقة أخرى، فقد يضطر الحلف إلى تطبيق منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا في استمرار القصف الروسي للمدنيين، وهو ما يعد شكلًا من أشكال التدخل المباشر للحلف، ويتبنى فلوريان جاسنر هذا الاحتمال، في هذه الحالة، إما أن روسيا ستتخذ قرارًا بالتراجع والانسحاب، وإما أنها ستلجأ إلى الاشتباك مع قوات الناتو العسكرية.
من ناحية أخرى، يرى لوكا واي أن روسيا ستتردد في غزو حلفاء الناتو عن عمد، لكن مع بدء تضاؤل مخزون روسيا من الذخائر دقيقة التوجيه، قد تضرب روسيا عن غير قصد أراضي أحد أعضاء حلف الناتو، وفي هذه الحالة، سيبدأ الصراع بين روسيا ودول الناتو.
6- التصعيد من أجل التهدئة.. السلاح النووي سيتكلم!
هدد بوتين باللجوء إلى الخيار النووي، بدعوى أن الناتو والاتحاد الأوروبي يحاصرانه من خلال دعم أوكرانيا بالأسلحة، وبرغم مأساوية هذا الخيار وما سينتج منه من دمار واسع المدى، فإنه يظل واحدًا ضمن سيناريوهات محتملة وقائمة.
بدأت روسيا منذ عام 1999 بمحاكاة أول استخدام للأسلحة النووية في مناورات حرب مسرحية كبيرة، وتضمنت جميع التدريبات العسكرية الروسية واسعة النطاق فيما بعد محاكاة لضربات نووية روسية محدودة.
وفي حال استخدم بوتين السلاح النووي بالفعل، فلن يكون أمام أوكرانيا سوى الاستسلام، وهو ما يعرف بإستراتيجية “التصعيد من أجل التهدئة”.
7- الحل الدبلوماسي.. ترك الأسلحة والجلوس إلى طاولة المفاوضات
وفقًا لتصريح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، فإن طريق الحوار يجب أن يظل مفتوحًا دائمًا، وبالفعل تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرئيس بوتين عبر الهاتف، فيما التقى المسؤولون الروس والأوكرانيون لإجراء محادثات على الحدود مع بيلاروسيا، ورغم عدم إحراز أي تقدم، فإن هذه إشارة إلى إمكانية الوصول على قرارات عن طريق التفاوض.
على جانب آخر، قد يزيد الوصول إلى حلول عن طريق التفاوض، العقوبات المفروضة على روسيا، وزيادة أعداد المعارضين الروسيين لبوتين من جراء ما عانته منذ بدء الحرب، وموت مئات أو آلاف من الجنود الروس.
وهذا الحل الدبلوماسي، قد يسير في أحد اتجاهين؛ تقبل أوكرانيا السيادة الروسية على شبه جزيرة القرم وأجزاء من دونباس، أو قبول بوتين باستقلال أوكرانيا وحقها في تعميق العلاقات مع أوروبا، ورغم أن كلا الخيارين يبدوان بعيدين عن العقل، فإن أحدهما قد يكون الملاذ الأخير للخروج من هذه الحرب الدموية.
8- هل تطيح الحرب الأوكرانية القيصر الروسي؟
“نحن مستعدون لأي نتيجة”، هكذا صرح الرئيس الروسي عقب إعلانه الحرب على أوكرانيا، ولكن هل من الممكن أن تكون إطاحته هي النتيجة لهذه الخطوة الدموية؟
وفقًا لتقرير على موقع “بي بي سي”، فقد كتب البروفيسور سير لورانس فريدمان، الأستاذ الفخري لدراسات الحرب في كينجز كوليدج بلندن، “من المرجح الآن أن يكون هناك تغيير في النظام في موسكو كما في كييف”.
ومنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، يتساقط الضحايا من الجنود الروس، كما تتابع العقوبات المفروضة على روسيا، مما يساهم في فقدان بوتين الدعم الشعبي شيئًا فشيئًا، وهو ما ينبئ باندلاع ثورة ضد بوتين.
وربما قد تشهد روسيا انقلابًا لإطاحة بوتين بعد توضيح الغرب أنه إذا ذهب بوتين وحل محله زعيم أكثر اعتدالًا، فإن روسيا ستشهد رفع بعض العقوبات واستعادة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية.
9- والصين قد تنهي هذه الحرب!
خلال انعقاد الجلسة الطارئة يوم الأربعاء الماضي 2 مارس (آذار)، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يشجب العدوان الروسي على أوكرانيا، صوتت 141 دولة لصالح القرار، وصوتت خمس دول ضد القرار، بينما امتنعت 35 أخرى عن التصويت.
كانت الصين من بين الدول الممتنعة عن التصويت، وذلك لوقوعها في صراع عميق ما بين إدانة ما فعله بوتين أو قبوله، فبوتين ينتهك السيادة الوطنية لدولة أخرى، وهو ما ستلجأ إليه الصين إذا أرادت ضم تايوان لأراضيها، لكن، من ناحية أخرى، تمتلك الصين ترسانة نووية لا تزال صغيرة رغم سرعة نموها، ومن ثم فلن تقبل استخدام الأسلحة النووية المتطورة، وما قد ينتج منها عالميًّا، ولهذه الأسباب، وبحسب موقع “بلومبرج”، فإن للصين القدرة على كبح جماح بوتين إذا أرادت فعل ذلك، من خلال التضييق الاقتصادي والدبلوماسي على روسيا، فهل تفعلها الصين؟