الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سيّد واحد للكرملين إنّما بسياستين مسيحيّة وإسلاميّة

سيّد واحد للكرملين إنّما بسياستين مسيحيّة وإسلاميّة

17.10.2015
حسان القالش



الحياة
الخميس 15/10/2015
باحتلال روسيا سورية تتأكّد عودة "المسألة الشرقية" مجدّداً. فبينما تعزّز إيران وجودها العسكري هناك حماية لمشروعها المذهبي، تصرّ تركيا على أخذ ما تعتبره الحدّ الأدنى من حصّتها الكامنة في عمق الشّمال السّوري كخطوة باتّجاه طموحها لإحياء عثمانيّة جديدة تستعيد زعامة الإسلام السنيّ.
أما المشروع الروسيّ فيبدو أكثر تعقيداً، إذ يحاول بوتين ومُنظّروه المزجَ بين سياستين متناقضتين اعتمدتهما روسيا قبل الثورة البلشفيّة وبعدها، تقوم إحداهما على تعزيز الشعور القوميّ وشدّ العصَب الأورثوذكسي المترافق مع العداء للإسلام، بينما تميل الثانية إلى استيعاب نسبيّ للإسلام.
هكذا، يتوجّه الرّوس إلى المشرق، بسياسة ذات وجهَين، ساعين إلى تحقيق غايتين رئيسيّتين تتفرّع عنهما مكاسب كثيرة، تتمثّل أولاهما باستعادة الكنيسة المشرقيّة، ما يشكّل انتصاراً معنويّاً وقوميّاً. وهذا ما يفسّر تديين التدخّل في سورية، وحملة البروباغندا المرافقة له، فضلاً عن دعوات التطوّع للقتال هناك التي ظهرت في مواقع الإنترنت الروسيّة والهادفة إلى تشكيل ميليشيات سيكون طابعها الدينيّ أوضح ممّا كانته في شرق أوكرانيا، وستبدو أشبه بالميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية. بينما تتمثّل الثانية في تعميم نموذج العلاقة الروسية - الشيشانيّة الراهنة في ما يتعلّق بضبط الإسلام واستخدامه في ما يخدم مصالحها فقط، وهنا تحديداً تكمن ملامح سياسة بوتين الإسلاميّة.
وبعيداً من استحالة تطبيق هذه السياسة، لا شكّ في أنّها ستصطدم بالمشروعَين الآخرَين. فإذا صحّ أنّ روسيا ستعمّق حلفها مع إيران، ما يسمح بتوسيع عملياتها العسكريّة لتشمل العراق، فهذا ما لا يمكن أن تقبل به غالبية مسلمي روسيا والقوقاز التي ستعتبر الأمر نوعاً من الاستفزاز والتهديد لهويّتها الدينيّة. ذاك أنّ الإسلام السنّي، الصّوفي تحديداً، يشكّل منذ أواسط القرن التاسع عشر ملمَحاً أساسيّاً من ملامح الانتماء الوطني لمسلمي القوقاز، فضلاً عن الحجم الكبير الذي بات يحتله الإسلام السلفي منذ الحرب الشيشانية الأولى في 1994، وهذا عدا ارتباطه الروحي بالمشرق.
ومن جهة أخرى، سيكون الاصطدام مع الأتراك أكثر تعقيداً نظراً إلى تعقيد العلاقة نفسها. ذاك أنّ تركيا الحالية، التي استبدلت طموحها الأوروبيّ بحلمها العثماني، لن ترضى بأن تفرض روسيا رؤيتها الإسلاميّة على منطقة تعتبرها إرثها التاريخي ومجالها الحيويّ الواعد المرشّح للتوسّع في هذه الحالة، ما يعني تفعيل تركيا علاقاتها التاريخيّة بمسلمي القوقاز والبلقان، وقدرتها على كسبهم، بخاصّة أنّ روسيا لم تقدّر تهاون تركيا في مسألة ضمّها إلى شبه جزيرة القرم كنوع من تسوية تاريخيّة وسياسيّة غير معلنة ترسم حدود طموح كل منهما.
بهذا، ستغرق سورية أكثر في دماء المشرق وتضيع بين أرجُل المتصارعين على تركة "الرجل المريض".
* كاتب وصحافي سوري