الرئيسة \  واحة اللقاء  \  شبح "الكيماوي" يطل برأسه على سوريا

شبح "الكيماوي" يطل برأسه على سوريا

28.04.2014
عريب الرنتاوي


الدستور
الاحد 27/4/2014
يعود الحديث عن “ترسانة سوريا الكيماوي” بقوة من جديد ... تقارير متواترة عن استخدام غازات سامة من قبل قوات النظام ضد قرى وبلدات تتحصن فيها المعارضة .... مطالبات بفتح تحقيق دولي حول استخدامات النظام لهذا السلاح ضد شعبه ... وأخيراً، تقارير منسوبة لمصادر استخبارية غربية، تقول، إن الأسد ما زال يحتفظ بجزء من ترسانته الكيماوية، وإنه ما زال قادراً على انتاج هذا السلاح.
الغريب في أمر هذه التسريبات من حيث مضمونها وتوقيتها أنها تأتي فيما الوكالة الدولية المختصة، تؤكد تعاون سوريا في مع بعثتها الأممية، وأنه جرى تدير كل أو معظم المخزون السوري من هذه المواد، وأن البقية الباقية منه، إن وجدت، في طريقها للتسليم والتدمير، ودائماً من ضمن المهل الزمنية التي جرى التوافق بشأنها في “جنيف الكيماوي”.
المفارقة التي تثيرها العودة الكثيفة لفتح هذا الملف، في ظل ظروف محلية وإقليمية لافتة، أهمها: (1) النظام يسعى في تجديد ولاية ثالثة لرئيسه في انتخابات سينظمها خلال أسابيع، فيما قواته تحقق تقدماً ملموساً على الأرض، في مناطق القلمون وحمص وبعض الجبهات الأخرى، وسط مؤشرات على اتساع رقعة دائرة المصالحات الوطنية في عديد المناطق السورية الملتهبة .... (2) التصعيد “الكيماوي” ضد سوريا، يأتي بعد أسابيع قلائل، من ارتفاع منسوب التدخل الإقليمي المباشر في مجريات الأزمة السورية، تجلى ذلك في انخراط تركيا المباشر على جبهة الجنوب، وفي التدخل الإسرائيلي الأكثر سفوراً على خطوط القتال في الجنوب (استخبارياً ولوجستيا وعسكرياً)... (3) انسداد خيار التفاوض ومسار “جنيف 2”، وسط تصاعد وتيرة التوتر في العلاقات الدولية، واتساع حدة الخلاف بين القطبين الدوليين (روسيا والولايات)؛ ما يحيل سوريا بدوره، إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.
لسنا نأخذ على محمل الجد، مثل هذه الادعاءات، وأحسب أن كثيرين غيرنا لا يولونها اهتماماً كبيراً لجهة التحقق من صدقيتها ... فالمطلوب من وراء تسريبها أصلاً، هو فتح جبهة جديدة من جبهات المواجهة مع النظام وحلفائه في الإقليم والعالم ... وفي ظني، أن هذه الصفحة ستستمر حتى نهاية العام الجاري على أقل تقدير، مصحوبة بتصعيد ميداني واسع النطاق، بدأت ملامحه تظهر في جبهتي الشمال (كسب ومحيطها) وصولاً إلى حلب وأريافها، والجنوب على امتداد محافظتي درعا والقنيطرة.
ونقول نهاية العام الجاري، لأننا نرى عمق الترابط بين مسارات الأزمة السورية من جهة، ومسارات الحوار الغربي – الإيراني من جهة ثانية ... نرى ظلالاً كثيفة للأزمة الأوكرانية تغطي أرض سوريا وفضائها، ليس متوقعاً لها أن تتقشع قريباً ... نرى أثراً بالغ الأهمية للانتخابات الأمريكية النصفية المقبلة، على قدرة واشنطن و”مرونتها” في اتخاذ مواقف وإطلاق مبادرات من حيال العديد من الأزمات الدولية، ومن ضمنها علاقات واشنطن مع حلفاء النظام: روسيا وإيران.
على أية حال، ليست الأزمة السورية مطروحة للحل أو الحسم في المدى المرئي المنظور ... لم نكن من ضمن الذين قضوا عامين أو ثلاثة أعوام، في “عدّ” الأيام الأخيرة للرئيس السوري بشار الأسد ... ولسنا اليوم من “المبشرين” بانتهاء المعارك الكبرى في سوريا قبل نهاية العام، كما يروّج لذلك معسكر النظام وحلفائه ... ونميل للتقديرات المتشائمة، التي تصدر عن مراكز ومؤسسات ذات صدقية، تجنح جميعها للتنبؤ بأن هذه الأزمة ستطول وتستطيل، ربما لعشرية سوداء قادمة.
وفي الحقيقة فإن تجارب “الجوار السوري” القريب منه والبعيد، ترجح مثل هذه النبوءات المتشائمة ... العراق (شرق سوريا) بعد 11 عاماً على سقوط نظام الرئيس صدام حسين، ما زال في قلب دائرة النار، وخسائر الحرب الأهلية في العراق، فاقت في عشريتها السوداء ما ألم بسوريا ... والحرب الأهلية في لبنان (غرب سوريا)، احتاجت إلى أكثر من مائة وخمسين ألف قتيل وخمسة عشر عاماً، وعشرات الاتفاقات وقرارات وقف النار، قبل أن تضع أوزارها، وهي مرشحة للإطلالة برأسها الكريه من جديد، لولا “شبكة الأمان الإقليمية والدولية” التي ما زالت تحمي لبنان وتحول دون عودته لفصول الحرب الأهلية السوداء.
أما الجزائر، بلد المليون ونصف المليون شهد، فقد قضى عشر سنوات في حرب أهلية ضروس، أكلت الأخضر واليابس، وأسقطت أكثر من مائة وخمسين ألف قتيل، وألحقت بالبلد الشقيق، إعاقة ديمقراطية عميقة، حالت دون التحاقه بقطار الإصلاح والتغيير الذي بدأ يتحرك في العالم العربي .
RTL�nl=�� �� gn:justify;text-justify:kashida; text-kashida:0%'>عكست الاستثمارات "الحديثة" التي نفذها النظام في دمشق، الطبيعة الاستغلالية لعلاقة النظام مع عاصمته، فأغلب هذه الاستثمارات اقتصرت على مجال العقارات والفنادق والمطاعم، أملا في الحصول على الربح السريع، إلى جانب بعض المشاريع "الاعلامية" و"الأهلية" التي تغطي على نمطية الاقتصاد "المافيوي" وصفقات الفساد وغسيل الاموال.
ما يمكن قوله إن البعثيين ونظامهم، لم يضيفوا على مخطط المصمم الفرنسي لمدينة دمشق / ميشيل إيكوشار/ عام 1936، إلا العشوائيات باعتبارها تحقق أهدافاً سياسية، كرشوة اجتماعية لابناء الريف القادمين إلى المدينة. أولئك الذين دفعهم احساس الاغتراب، النابع من هواجس طائفية (سواء العلوية أو السنية)، أمام وحشة المدينة "النيوليبرالية" الهجينة، إلى النكوص، وقد لفظتهم الفئات المدنية لعدم توفر الفضاء المدني العام، القادر على إحداث الإختلاط والتجانس مع عجز الدولة في إعادة انتاج ذاتها اجتماعياً.
عسكت حالة دمشق وريفها خلال السنوات الأخيرة، طبيعة التناقض الذي تعيشه سوريا، حيث قوة الاستبداد الكفيلة باحتواء التناقضات الاجتماعية والاقتصادية وحتى المذهبية، فمن جهة تبتلع الدولة "البعثية" بعض الفئات وتذيبها في جوفها الاقتصادي الوحشي، وفي المقابل تلفظ بعض الفئات إلى الهامش وتستثمر في رأس مالهم الديني، وتجعل منهم وقودا في استغلالها السياسي لكل ما يتعلق بالارهاب ومكافحته في المنطقة، بينما تبقى الغالبية تبحث عن طريق يوصلها إلى الحياة الكريمة. لذا لم يكن مستغرباً خروج مظاهرات كبيرة من تلك الأحياء مطالبة بالحرية والكرامة، كذلك خروج بعض المتطرفين والأصوليين، بينما أخرجت أحياء فقيرة أخرى أفواجاً من "الشبيحة" لقمع التظاهرات، من منطلق إيماني عميق بدورهم الوظيفي في قمع أي تحرك يطالب بتغيير النظام أو قلبه.
جاء ذلك نتيجة ارتهان الواقع المعيشي ومعه الرؤية الاقتصادية، لنوازع وهواجس أمنية بشكل واضح، تحكمها مصالح رجالات العسكر والمخابرات كأقطاعيين جدد، بدت دمشق خلالها، وكأنها تعيش من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، على إيقاع الاستغلال والاستلاب على يد أبناء المسؤولين، كأقلية اقتصادية تتحكم بالمال والمصائر، حيث الإنشغال الأكبر بعوالم السلطة وبنيتها، وقد ألحقت بنفسها طبقات هشة، من برجوازية هجينة شكلتها سنوات الحكم البعثي، و"طبقة تجار" متحالفة مع العسكر والقوى الأمنية، وفقراء طائفيين مستلبي الإرادة والمصير، طبقات تتناسب وتناسب حالة الإفساد العام، بربط ميكانيكية تطورها وتحركاتها مع النظام بشكل وثيق، فتحولت في زمن الثورة وتداخلت مصالحها لتشكل |طبقة السلطة العمياء|.
لكن، ومع كل ما لاقته دمشق على يد حكامها، إلا أن العابرين بافكارهم ووجدانهم للطوائف، والروابط التقليدية لمجتمعاتهم المنغلقة في كل المحافظات، وجدوا في الهامش الدمشقي المدني روح تجددهم والفسحة الأكبر للتعبير الوطني والإنساني. من وسط هؤلاء إنساب الحراك الثوري الذي أكد على أن سيطرة النظام و"بعثه" على دمشق اقتصرت على إناس يشبهون رجالات السلطة في الجشع والابتزاز، وأن دمشق اليوم تتجدد بحكايتها مع الثورة وما تبعها.