الرئيسة \  تقارير  \  شتاء نووي طويل.. من ينتصر إذا قامت حرب جديدة بين الهند وباكستان؟

شتاء نووي طويل.. من ينتصر إذا قامت حرب جديدة بين الهند وباكستان؟

13.03.2022
نهاد زكي


نهاد زكي
ساسة بوست
السبت 12/3/2022
اندلاع حرب بين الهند وباكستان أمر ليس بجديد ولا مستبعد، فقد دخلت الجارتان في حروبٍ عدة في السابق بسبب النزاع على إقليم كشمير، إذ وقعت الحرب الأولى عام 1947، والثانية عام 1965، أما الثالثة فقد اشتعلت عام 1971، وكان من نتائجها انفصال باكستان الشرقية عن الغربية وقيام جمهورية بنجلاديش، وذلك بعدما كبّدت الهند باكستان خسائر فادحة.
وعلى الرغم من انتهاء الحروب الكبرى بين الهند وباكستات، فإن المناوشات على الحدود ظلت مستمرة طوال السنوات الفائتة، إلى الدرجة التي انتشرت معها مخاوف من اندلاع حرب نووية بين الدولتين، وهو ما ينذر بنتائج كارثية على العالم في حالة تجدد الصراع بينهما، كما يجعلنا نتساءل عن القوة النووية الحقيقية للدولتين، وأي منهما قد ينتصر في حالة قيام حرب رابعة بينهما؟
هكذا دشّن النزاع على كشمير سباق تسلّح محموم
تقع منطقة كشمير، سببُ النزاع بين الهند وباكستان، في موقعٍ إستراتيجي هام بالنسبةِ إلى البلدين، فهي تطلُ على كلٍ من الهند وباكستان من موقع مرتفع، يعطي من يسيطر عليه الأفضلية في حالة مواجهة الطرفِ الآخر، هذا فضلًا عن كونها المصدر الأساسي للمياه في المنطقة، إذ تنبع منها أغلبية أنهار باكستان، وجزء مهم من أنهار الهند، وبالتالي تعد شريان الحياة للبلدين، كما أنها تقع على طريق الحرير، الذي يمتد من شمال غرب الصين إلى باقي آسيا؛ وهو ما يزيد من أهميتها الجيوسياسية.
فبسبب تلك المنطقة الصغيرة اندلعت ثلاثة حروب بين الهند وباكستان على مدار العقود السابقة كان آخرها حرب عام 1971، وقد كانت باكستان دائمًا الخاسر الأكبر في الحروب الثلاثة، لكن الصراع لم ينته بانتهاء الحرب، فقد شهدت السنوات الفائتة مناوشات كثيرة بين البلدين، والتي أدت في النهاية إلى زيادة الإنفاق العسكري بطرقٍ غير مسبوقة في الهند وباكستان، ليتحول النزاع على الإقليم إلى سباق تسلُّح بين الدولتين.
فقد ارتفع حجم الإنفاق العسكري للهند بين عامي 2002 و2011، حتى وصل إلى 48 مليار دولار بحسب ورقة بحثية نشرت عام 2012، بمركز كارنيجي للأبحاث تحت عنوان “سباق التسلح في آسيا”، وقد توقعت الدراسة زيادة معدلات الإنفاق العسكري في السنوات التالية؛ وهو ما تحقق بالفعل.
فوفقًا لآخر التقديرات، وصل الإنفاق العسكري في الهند حتى بداية عام 2022 إلى 67 مليار دولار، وذلك مقابل 10 مليارات دولار للإنفاق العسكري في باكستان، وهو ما يجعل الإنفاق العسكري للهند أكبر ستة مرات عن نظيرتها، وفيما يلي نستعرض القوة العسكرية لكلٍ من الهند وباكستان.
“القوة العسكرية”.. سباق لا يهدأ بين الهند وباكستان
تعد الهند سابع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، والثانية من ناحية عدد السكان، كما أنها أصبحت في العقود الأخيرة من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم، مع إمكانية لتصبح قوى عظمى في المستقبل، خاصةً وأن جيشها تقييمه الرابع بين أقوى جيوش العالم، في حين تحتل باكستان المرتبة الرابعة والثلاثين من حيث المساحة، وجيشها التاسع في ترتيب جيوش العالم.
وبالتالي تمتلك الهند واحدةً من أكبر القوى العسكرية في المنطقة، مع قوة جيش عاملة تصل لـ 1.4 مليون فرد، مقابل 630 ألف مقدار القوة العسكرية العاملة في باكستان، مما يجعل الجيش الهندي أكبر مرتين من نظيره الباكستاني، وبالنسبة للتحالفات الإقليمية؛ فإذا كانت الولايات المتحدة قد اتخذت نهجًا داعمًا للهند في العقود الأخيرة؛ فإن الصين تقف على الجانب الآخر، داعمة للقوة العسكرية في باكستان بكلِ قوتها.
1- الأنظمة الدفاعية
تمتلك الهند أنظمة دفاعية متقدمة، وهي وفقًا لمصادر الأخبار الهندية تعد من الدول القليلة في العالم التي تمتلك الصواريخ المضادة للأقمار الصناعية إلى جانب الولايات المتحدة والصين وروسيا، وهي أسلحة مصممة لتعطيل أو تدمير الأقمار الصناعية لأسبابٍ تكتيكية، كما تعد الهند الرابعة بين دول العالم في بناء أنظمة صواريخ مضادة للصواريخ الباليستية، وهو سلاح مصمم لاكتشاف الصواريخ الباليستية وتحييدها.
كما تمكنت الهند من تطوير غواصات يمكنها ضرب الصواريخ الباليستية، ويصل مداها لـ 3500 كيلومتر، وهو ما قد يمكنها في المستقبل من إطلاق الصواريخ النووية من مسافة آمنة، وتملك الهند أيضًا صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات، يصل مداه من 5000 إلى 8000 كيلومتر.
وبالنسبة إلى الأنظمة الدفاعية في باكستان؛ فقد أثمر التعاون بين الصين وباكستان، عن دعم بكين للأخيرة اقتصاديًا ودبلوماسيًا وعسكريًا، إذ عملت بكين على بيع بعض من أقوى أسلحتها إلى باكستان، كان منها تقديم المساعدة النووية واليورانيوم عالي التخصيب وأُسس تصميم الرؤوس النووية، وهو ما ساعد باكستان على الصمود في الصراع الإقليمي الدائر مع الهند.
وتمتلك باكستان المقاتلة “JF-17”، وهي مقاتلة متعددة المهام مع رادار نشط لرصد الصواريخ الجو – جو. هذا فضلًا عن قاذفة الصواريخ “A-100”، والتي تعد أحد أنظمة المدفعية الأكثر فتكًا، ويبلغ مداها الأقصى 120 كيلومترًا، إلى جانب الصاروخ الصيني “HQ-16”، وهو نموذج هندسي عكسي من طراز الصواريخ الروسية “Buk-M2”، والذي يستهدف الصواريخ كروز والصواريخ البالستية قصيرة وطويلة المدى.
2-الأسلحة البرية
بالنسبةِ إلى معدات الحرب البرية، فالهند تتفوق على باكستان في العتاد؛ إذ تمتلك أكثر من 4600 دبابة قتال، و2500 من مركبات المشاة، ومدفعية تقدر بحوالي 2700؛ هذا إلى جانب 8600 مركبة مصفحة، و100 مدفعية ذاتية الدفع، و960 مدفعية صواريخ.
يأتي ذلك في مقابل 2700 دبابة قتال تمتلكها باكستان، و3000 مركبة مصفحة، ومدفعية تقدر بحوالي 3700، و325 مدفعية ذاتية الدفع، و134 من مدفعية الصواريخ، وهو ما يرجح كفة الهند نظريًا في أي صراع محتمل خلال السنوات القادمة.
القوات الجوية والبحرية
تتفوق الترسانة الجوية للهند على باكستان أيضًا؛ إذ تمتلك حوالي 2263 طائرة، بين طائرات مقاتلة وهجومية وهليكوبتر، وذلك في مقابل 1241 طائرة، هي حجم الترسانة الجوية للجيش الباكستاني.
أما القوات البحرية فتمتلك الهند أسطولًا مكونًا من 267 قطعة، ويحتوى على حاملة طائرات و11 مدمرة و16 غواصة، وذلك في مقابل الأسطول الباكستاني الذي يتكون من 231 قطعة تخلو من حاملات الطائرات والمدمرات، ويمتلك خمس غواصات فقط.
شبح “التسلح النووي”.. ما الذي قد يؤدي إليه الصراع؟
في العقود الماضية ازدادت المناوشات بين الهند وباكستان، حتى أنها كادت أن تفضي إلى حربٍ كبرى أكثر من مرة، ففي أعقاب الهجوم الإرهابي الكبير على مدينة بومباي في الهند عام 2008 جرى ربط الهجوم بمنظمة إرهابية مقرها في باكستان، مما تسبب في بدء إطلاق النار بين البلدين؛ ولولا تدخل الولايات المتحدة من أجل وقف إطلاق النار، لاندلعت الحرب حينها.
رغم الهدنة، تصاعد التوتر على مدار السنوات، ووصل إلى ذروته بعدما ألغت الهند الوضع الخاص لولاية كشمير عام 2019، مما كان ينذر ببداية جديدة للصراع، وكان إلغاء الوضع الخاص لكشمير السبب وراء أكثر من 5000 انتهاك لوقف إطلاق النار في عام 2020 وحده، وهو ما جعل البعض يتخوف من إمكانية تطور الصراع لحربٍ بين البلدين؛ قد تشمل هذه المرة استخدام الأسلحة النووية.
وفقًا للتقديرات الأخيرة، فإن باكستان تمتلك عددًا أكبر من الرؤوس النووية بالمقارنة مع الهند، إذ يبلغ عدد الرؤوس النووية الباكستانية نحو 165 رأسًا نوويًا، فيما تمتلك الهند حوالي 156 رأسًا.
ففي الوقت الذي تمكنت فيه الهند على مدار العقود الماضية من وضع قوتها العسكرية بين مصاف الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، كانت باكستان تواصل هي الأخرى تطوير ترسانتها النووية، على أمل خلق معادلة ردع بينها وبين الهند.
وشملت ترسانة باكستان النووية كلاً من الصواريخ بعيدة المدى وطائرات المهام الإستراتيجية، إلى جانبِ عدد من أنظمة الأسلحة النووية قصيرة المدى وذات القوة المنخفضة، والتي تعرف باسم “الأسلحة النووية التكتيكية”، وهي قنابل نووية محدودة المجال، قد تدخل في الفترات القادمة حيز الاستخدام الحربي لمواجهة التهديدات العسكرية دون المستوى الاستراتيجي.
في الحروب النووية ..لن ينتصر أحد
شهد العامان الماضيان تهديدات واضحة بين الهند وباكستان باستخدام الأسلحة النووية في حالة هجوم الطرف الآخر، فقد حذرت باكستان الهند في ديسمبر (كانون الأول) 2020 من أن أية هجوم على الأراضي الباكستانية، سيتبعه “معركة نهائية” قد تكون مدمرة للطرفين، وهو ما ينذر باحتمالية تبادل قصف نووي في حالة نشوب حرب بين البلدين، وجاء هذا التهديد بعدما انتشرت مزاعم عن شروع نيودلهي في التخطيط لشنِ هجوم عبر الحدود، الأمر الذي يجعلنا نتساءل ما الذي يمكن أن يحدث إن اندلعت حرب نووية في هذا الجزء من آسيا؟
تشير بعض التقارير إلى أنه في حالة اندلاع حرب نووية بين الهند وباكستان، واستخدم الطرفان نصف ترسانتهما النووية فقط والتي تعادل حوالي 100 رأس نووي، سينتج عن ذلك مقتل 21 مليون شخص مباشرة نتيجة للانفجارات والحروق الإشعاعية، وذلك وفقًا لدراسة أجراها باحثون من ثلاثة جامعات أمريكية منها جامعة كاليفورنيا عام 2007، عن التأثيرات المحتملة لحربٍ نووية بين الهند وباكستان.
لن يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ يشير الباحثون إلى أن التأثيرات بعيدة المدى لتلك الانفجارات قد تترك أثرًا مدمرًا على كوكب الأرض كله يبقى لسنواتٍ طويلة. وذلك نتيجة السحابة الإشعاعية الناجمة عن التفجير والتي ستساهم في تكوين “شتاء نووي” يحجب حرارة الشمس وبإمكانه أن يقضي على العديد من المحاصيل، الأمر الذي لن يطول مدن الهند وباكستان وحدهما، بل سينتج عنه أزمة غذاء حول العالم قد يروح ضحيتها حوالي ملياري شخص.
لذا إذا حدث الأسوأ واندلعت حربٌ نووية بين البلدين، فلن يهم حينها من يمتلك العدد الأكبر من الرؤوس النووية، إذ ستعتمد الدولتان على تكنيك “التدمير المتبادل”، وهو ما سيجعل تلك الحرب في النهايةِ بلا فائز، لكنها ستتسبب في المقابل بمعاناة الجميع.
لكن الجانب المطمئن للعالم في الأمر أنه على الرغم من التوترات بين البلدين في الخمس سنوات الفائتة، فإن تقرير موقع “فورين بوليسي” لعام 2021 يتوقع اتجاه البلدين تدريجيًا مرةً أخرى ناحية وقف إطلاق النار، لأن ذلك يمثل مصلحة كبرى لكل من الهند وباكستان.