الرئيسة \  واحة اللقاء  \  شرط إيران بعد جنيف: تعويم نظام الأسد!

شرط إيران بعد جنيف: تعويم نظام الأسد!

08.12.2013
سليم نصار


الحياة
السبت 7/12/2013
"إذا كانت السفينة تواجه العواصف والأنواء العاتية، فليس من الحكمة أن يقفز الربان منها، ويترك مَنْ على متنها إلى قدرهم".
هذا ما قاله الرئيس بشار الأسد عندما سأله صحافي أرجنتيني عن مدى صحة الإشاعات التي تتحدث عن تنحيه عن الحكم. ومع أن جواب الأسد نُشِر قبل ستة أشهر تقريباً، إلا أن نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، كرره حرفياً عندما وجه اليه مراسل "سي ان ان" السؤال ذاته. وأتبع المقداد تعليقه بإظهار الأسباب التي تمنع الدولة من تقبل تنحي الأسد قبل مؤتمر جنيف-2 فقال: "نحن جاهزون للحوار عن أي موضوع. وإنما لا يمكننا خلق فراغ في سورية قد يؤدي الى تفكك البلاد وانتشار الفوضى فيها. لذلك قررنا أن نضع كل ما نتفق عليه للاستفتاء أمام الشعب السوري، باعتباره صاحب القرار للعملية برمتها."
وفي تعقيبه على كلام المقداد، قال أحمد الجربا، رئيس الائتلاف السوري المعارض، أن الأسد يجب ألا يقوم بأي دور يتعلق بمستقبل البلاد. لأنه من غير المنطقي أن يكون الشخص المسؤول عن تدمير سورية، هو المسؤول عن بنائها أيضاً.
أما أمين عام الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة ، بدر جاموس، فقد ذهب في تعليقه الى حد وصف انهاء حكم الأسد بأنه مفتاح الحل السياسي لمعاناة الشعب السوري. وعليه يرى أن الذين يطمحون عبر جنيف-2 الى بناء سورية دولة آمنة ومسالمة وحرة... يعجزون عن تحقيق طموحهم في ظل دكتاتورية بشار الأسد!
وبينما كانت العواصم الكبرى تنشط لتهيئة الأجواء استعداداً لمؤتمر جنيف-2، عقدت مفوضة الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان، نافي بيلاي، مؤتمراً صحافياً اتهمت فيه النظام السوري بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، شاملة بالمسؤولية رئيس الدولة بشار الأسد.
وكانت المدعية الدولية السابقة في لجنة التحقيق، كارلا ديل بونتي، قد اتهمت مسلحي المعارضة السورية ومسؤولين كباراً في النظام بارتكاب جرائم، ولكن من دون تسميتهم.
وفي غضون ذلك، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، يوم الاثنين الماضي، بأن عدد قتلى النزاع السوري المستمر منذ منتصف آذار (مارس) 2011 ارتفع الى 126 ألف نسمة.
ومن المؤكد أن هذه الاتهامات المفاجئة قد أقلقت المبعوث الخاص الأخضر الإبراهيمي، خصوصاً أن مؤتمر جنيف الأول لم ينجح في تنفيذ أي من التزاماته الخمسة الداعية الى: وقف العنف... وعودة الجيش الى الثكنات... وإطلاق سراح المعتقلين... والسماح بحق التظاهر... وتشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات واسعة.
وكان الإبراهيمي قد حدد 22 كانون الثاني (يناير) موعداً لعقد جلسة الحوار الأولى، على أمل إقناع جميع أطراف النزاع بضرورة المشاركة. ولكن تقرير نافي بيلاي أحدث صدمة غير متوقعة أربكت الدول المعنية، ولو أن فيصل المقداد اعتبره: "كلاماً فارغاً لا يعيره النظام أي اهتمام." علماً أن مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قررت إحالة الملف السوري على محكمة الجنايات الدولية باعتبارها الجهة الوحيدة المخولة النظر في مثل هذه الاتهامات. ولكن خبراء القانون يؤكدون أن إحالة الملف تتطلب قراراً من مجلس الأمن، الأمر الذي سيُقابل بالفيتو الروسي-الصيني. وهذا معناه تأجيل موعد جنيف-2، بانتظار ما ستُسفر عنه هذه القضية الشائكة.
المتتبعون للشأن السوري يميلون الى الاعتقاد بأن توقيت إعلان اتهام بشار الأسد بارتكاب جرائم حرب يتزامن مع التحضيرات الجارية لإعادة انتخابه في الربيع المقبل. والشاهد على ذلك المشروع الذي رفعته وزارة الداخلية الى مجلس الشعب بخصوص اصدار بطاقات شخصية للسوريين. علماً أن هناك أكثر من عشرة ملايين مواطن يستحيل تزويدهم بالهويات المطلوبة لمشاركتهم في انتخابات الرئاسة. والسبب أن بعضهم انخرط في صفوف الأحزاب المعارضة، بينما نزح بعضهم الآخر الى خارج البلاد، أو الى خارج مدينته أو قريته. إضافة الى الحرب المستعرة في كل مكان، الأمر الذي يجعل عملية التنقل باتجاه دمشق من الأمور الخطرة والمستبعدة.
مقابل الاتهامات المحرجة حول جرائم الحرب، تلقى بشار الأسد من الرئيس الإيراني حسن روحاني اتصالاً هاتفياً، أعرب فيه عن أمله بانتصار سورية على الإرهاب والتطرف. وأشار روحاني في اتصاله الى أهمية انتشار الاستقرار والأمن في سورية بحيث تتوافر الأرضية لعودة آلاف النازحين.
وكان الرئيس الإيراني، عبر اتصاله المختصر، يريد نقل موقفه السياسي الى الرأي العام، معتبراً أنه يتماثل كلياً مع موقف النظام السوري الذي يرى في حشود المعارضة مجموعات ارهابية مأجورة من الخارج.
وفي تصور بعض خبراء الأمم المتحدة، فإن التنازل الذي قدمه وزير الخارجية محمد جواد ظريف في جنيف، ما كان ليحدث لولا خوف طهران من انهيار النظام السوري. والثابت أن هذا الاحتمال كان متوقعاً لولا الدعم العسكري واللوجستي الذي قدمته ايران وعراق المالكي و "حزب الله".
ويرى مرشد النظام علي خامنئي أن نفوذ بلاده في سورية يمثل حلقة مركزية في سياسة ايران الإقليمية. لهذا السبب انتقلت وحدات خاصة من "الحرس الثوري" بقيادة الجنرال قاسم سليماني لحماية نظام الأسد. كذلك انتشرت شبكات استخباراتية واسعة لرصد تحركات القوات الإسرائيلية التي تهدد بضرب المفاعلات النووية الإيرانية. لهذه الأسباب وسواها تبقى سورية، في نظر ايران، جسراً ضرورياً لعبور شيعة ايران والعراق الى "حزب الله" والعكس صحيح أيضاً.
عندما حدد الأخضر الابراهيمي موعد عقد جنيف-2، سارع أعضاء الائتلاف السوري المعارض الى عقد اجتماعات في اسطنبول بحثوا خلالها شروط المشاركة. وبعد مناقشات مطولة استمرت يومين أصدر المجتمعون بياناً ذكروا فيه اتفاقهم على: نقل السلطة الى هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات بما فيها الصلاحيات الرئاسية والعسكرية والأمنية. كما ركزوا في البيان أيضاً: "على ألا يكون لبشار الأسد وأعوانه الملطخة أيديهم بدماء السوريين أي دور في المرحلة الانتقالية ومستقبل سورية."
وقد أرسلت نسخة من هذا البيان الى أمين عام الجامعة العربية. كما أرسلت اليه أيضاً تركيبة الحكومة برئاسة الدكتور أحمد طعمة تحت عنوان: حكومة الاستقلال الثانية. وجاء في مقدم ثوابتها: إسقاط نظام الأسد والانتقال الى دولة مدنية ديموقراطية، تعددية، تمثل الاستقلال الثاني لسورية.
عقب النجاح الذي حققه وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف في مؤتمر جنيف، بدأت صورة بشار الأسد تتغير في الإعلام الأميركي. كما تغير في الوقت ذاته سلوك السفراء الأجانب المعتمدين لدى سورية حيال النظام أيضاً. علماً أن عدداً كبيراً من الديبلوماسيين الأجانب انتقل الى بيروت منذ سنة تقريباً، وظل يتردد على دمشق مرة في الشهر، وإنما بطريقة سرية. في حين حافظ سفراء آخرون على مراكزهم في العاصمة السورية مثل سفراء النمسا ورومانيا وإسبانيا والسويد والدنمارك والقائم بأعمال بعثة الاتحاد الأوروبي وسفيرة جمهورية تشيخيا ايفا فيلبي.
وكانت بوابة وزارة الخارجية مفتوحة للسفراء الذين يودون مقابلة نائب الوزير فيصل المقداد. بينما بقيت أبواب 179 شخصية، وضعها الاتحاد الأوروبي على لائحة العقوبات، ممنوعة من لقاء الديبلوماسيين.
ويقول المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، إن "مجموعة أصدقاء سورية" الممثلة بالمعارضة هي التي اقترحت تصنيف الأسماء المحظورة.
والملفت أن رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، اللواء علي المملوك، يستقبل يومياً عناصر تابعة لأجهزة استخبارات غربية. والغرض من قدوم هذه العناصر البحث عن آلاف المجاهدين الأجانب الذين يقاتلون ضد النظام.
وذكر تقرير "المعهد البريطاني للدفاع" في الشهر الماضي أن عدد المسلحين الذين يقاتلون ضد النظام يقدّر بنحو مئة ألف مقاتل، يتوزعون على ألف مجموعة مسلحة. ووفقاً لتقديرات الخبراء فإن عشرة آلاف من هؤلاء يقاتلون باسم "القاعدة." في حين ترتبط مجموعات مسلحة أخرى، لا يزيد عددها على ثلاثين ألفاً، بأجهزة استخبارات النظام. وهو يستفيد من أعمالها الوحشية لإيهام الدول الغربية بأنه يحارب الإرهابيين، وأن المعارضة السياسية غير موجودة.
ونقل نشطاء نقابيون عن الأسد قوله، بعد مداخلة لأحد المحامين الأردنيين عبّر فيها عن مخاوفه من المؤامرة على سورية: "أقدّر مشاعركم. ولكن لا تقلقوا لأن لدي حلفاء ومقاتلين يعملون لمصلتحي حتى داخل أجنحة المعارضة."
وفي المعركة التي دارت يوم الثلثاء الماضي في محيط بلدة معلولا المسيحية، استفاد الأسد من الحملات الإعلامية الغربية التي هاجمت "جبهة النصرة" واتهمتها باحتجاز رئيسة الدير وعدد من الراهبات. وكانت هذه العملية الغامضة سبباً في اثارة الفاتيكان والمرجعيات المسيحية العالمية التي طالبت بتحييد مراكز العبادة، إسلامية كانت أم مسيحية.
وكان بشار الأسد قد أبلغ في وقت سابق القيادي الفلسطيني عباس زكي بأنه أصدر أوامره بالعفو عن عشرات العسكريين المغرَّر بهم الذين انضموا في بداية الأحداث للمعارضة، لكنهم عادوا الى صفوف الجيش النظامي.
والمؤكد أن قرار العفو الرئاسي عن الجنود الفارين كان الحافز الى عودة أكثر من ألفي ضابط وجندي، قاموا بتسليم أنفسهم للسلطات الرسمية. وقد برروا انشقاقهم في السابق بالقول إن "الجيش الحر" أقنعهم بأن المعركة محسومة لمصلحة المعارضة، ولكنهم تبينوا، بعد سنتين من الانتظار، أن الخاسر الأكبر هو الشعب.
في حديث إلى شبكة التلفزيون السويسرية، قال المبعوث الدولي-العربي، الأخضر الإبراهيمي، إن الوضع في سورية متجه نحو "الصوملة" إذا استمر زعماء الحرب وأمراء الأحياء في تمزيق وحدة البلاد. وقال إنه لا يتوقع حضور بشار الأسد مؤتمر جنيف-2، ولكنه يتمنى مشاركة ايران والسعودية لأن ذلك يسهّل تليين المواقف المتعارضة.
ويبدو أن مقترحاته لم تجد آذاناً صاغية بدليل أن العلويين (3 ملايين) رفضوا التنازل عن مكاسبهم ونفوذهم واقترحوا بديلاً من الأسد العلوي علي حبيب، رئيس الأركان السابق.
ولكن النظام رفض كل البدائل بدليل أن وزير الإعلام، عمران الزعبي، حسم شروط المشاركة في جنيف-2 بالقول: "في حال التوصل الى اتفاق خلال جنيف-2، فإن الأسد يبقى رئيس المرحلة الانتقالية... كما سيبقى رئيساً لسورية."
ويُستَدَل من كلام الوزير الزعبي أن معركة الرئاسة قد فتحت في سورية بعدما نجحت ايران في استمالة الأسرة الدولية. بما أن تدخّل ايران العسكري والسياسي قد منع عن سورية خطر الانهيار الكامل... فإن الجولة المقبلة ستشهد أيضاً تدخل ايران من أجل انقاذ حليفتها الاستراتيجية من الأخطار المحدقة بها. وهذا يقتضي بالضرورة إلهاء الولايات المتحدة بالقضية التي شغلتها مدة ستين سنة. لهذا السبب جاء وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري الى اسرائيل... بينما وصل نظيره الإيراني الى دولة الإمارات في بداية جولات لا تنتهي إلا بمصالحة كل دول الجوار.
وهذا ما أعلنه الرئيس روحاني قبل أن تحمله هذه السياسة إلى سدة الرئاسة.
* كاتب وصحافي لبناني