الرئيسة \  واحة اللقاء  \  شرعية الرعب والموت!

شرعية الرعب والموت!

29.04.2013
منار الرشواني

الغد الاردنية
الاثنين 29/4/2013
في تحذيره، قبل أيام، من عودة "الفتنة الطائفية" إلى بلده "بعدما اشتعلت في منطقة أخرى من الإقليم"، يبدو رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، كما لو أنه اكتشف الآن فقط وجود ثورة في جارته سورية، نجح نظام بشار الأسد في تحويلها، بكل ما أوتي من جهد، إلى حرب أهلية تهدد العراق اليوم!
فعلى امتداد عمر الثورة السورية التي جاوزت العامين الآن، بقي المالكي مصراً على ممارسة ما بدأه من سياسات إقصاء وتهميش لأغلبية مكونات المجتمع العراقي. وإذ كان بإمكانه تصفية بعض خصومه سياسياً باتهامهم بالعمالة للبعث "البائد"، إن لم يكن جسدياً بتجريمهم، عبر القضاء، بتهمة رعاية الإرهاب "القاعدي" الذي يستدعي عقوبة الإعدام؛ فكيف يمكن تفسير مخاصمة المالكي واستعدائه للأكراد الذين لا يمكن اتهامهم لا بدعم "القاعدة" في العراق، ولا بكونهم بعثيين "مندسين" أو حتى سابقين؟!
لكن حتى وإن اكتشف رئيس الوزراء العراقي، ولو متأخراً، الثورة السورية والتداعيات الإقليمية للحل الأمني في مواجهتها، إلا أنه لا يقدم لدرء مخاطرها، وكما يظهر جلياً في تحذيره الأخير، إلا شيئاً واحداً لا غير: التخويف والترهيب من "الفتنة الطائفية"، وصولاً لاحقاً إلى الحرب الأهلية، ولربما تقسيم العراق مستقبلاً!
ومثل هذه المبادرة "السياسية" الوطنية!" لا بد وأن تذكر برئيس آخر، أقام ووالده حكماً جوهره الاستبداد والفساد والإفقار، مطمئنين إلى صمت الناس إلى الأبد فقط بفضل الخوف من أجهزة أمنية تحصي الأنفاس، وتنكل بالمعارضين، وليس المتمردين، جيلاً بعد جيل. وحتى عندما سقطت رهبة وحشية تلك الأجهزة، لم يكن من "سياسة" يمكن تنفيذها، وعرض يمكن تقديمه للمقهورين المفقرين، إلا التخويف والترهيب، تارة من صراع طائفي، وتارة من تقسيم سورية؛ فإما "الأسد أو لا أحد"! و"أنا أو أحرق البلد"! وبينهما "أنا أو حكم القاعدة". وهي "سياسة" تذكر بدورها بآخر أيام حكم معمر القذافي، والذي بعد أن فشل في تصوير الملايين من مواطنيه أعضاء في تنظيم القاعدة، فقد تعهد على لسان ابنه سيف الإسلام، بحرب أهلية في سبيل بقاء حكم العائلة.
وفي التخويف من "القاعدة" وأخواتها تحديداً، ثمة مفارقة تستدعي كثير توقف. إذ أيهما أكثر سوءاً، تنظيم يتخذ الإرهاب وسيلة لتحقيق مزاعم إقامة الدولة الإسلامية التي يفترض أن تحمل كل خير للإنسان، في دنياه وآخرته؛ أم أنظمة يقال إنها "علمانية"، وتجعل من إرهاب مواطنيها هو الإنجاز، فلا شيء قبله ولا شيء بعده إلا الموت؟!
ثمة الكثير مما يمكن تعلمه والاتعاظ به من ثورات الربيع العربي، لكن ليس من بينها أبداً استمرار صلاحية تجارة الإرهاب والموت أساساً لشرعية الأنظمة السياسية، فمثل هذه التجارة ما عادت تعني في أحسن الأحوال، بالنسبة للأنظمة تحديداً، إلا الدمار الشامل للجميع. وليكون الدرس المؤكد، على الجانب الآخر، هو أن استمرار الأنظمة لا يكون إلا بإعادة الدولة إلى مواطنيها، لتحقق لهم الأمن والكرامة والتنمية، وهي الوظائف التي لأجلها، ليس إلا، وجدت الدولة أصلاً.
manar.rachwani@alghad.jo