الرئيسة \  واحة اللقاء  \  شرق أوسط لا ينتظر بايدن! 

شرق أوسط لا ينتظر بايدن! 

12.12.2020
محمد قواص


النهار العربي 
الخميس 10/12/2020 
حين مالت إدارة باراك أوباما إلى خيارات، بعضها إسلامي الهوى، لمقاربة ما أسمي "ربيعا" عربيا، خيّل أن قرار واشنطن هو قضاء وقدر. بيد أن ذلك لم يحدث. اكتشفت عواصم المنطقة خلال العقود الأخيرة، وخصوصا بعد الحملة العسكرية الأميركية لإسقاط نظام صدام حسين في العراق (وحتى قبل ذلك) أن الولايات المتحدة ما زالت تجهل المنطقة، وأن ما تملكه مؤسساتها الاستراتيجية من معطيات هو تبسيطي متعجل  على النحو الذي أظهره التخبط بعد ذلك في العراق وأفغانستان مثلا، كما في الهرولة إلى تسطير اتفاق نووي مع إيران ستعمل واشنطن والعواصم الكبرى على ترميمه وتصويبه وجعله، مع اتفاقات أخرى، أكثر اتساقا مع شروط الأمن الدولي. 
 الولايات المتحدة هي الدولة الأولى في تقرير مصير ملفات كثيرة في المنطقة، لكنها لم تعد تملك وحدها سلطة الأمر بقرار يصدر عن البيت الأبيض أو الكونغرس أو البنتاغون. يكفي تأمل الملفات الساخنة في سوريا وليبيا واليمن والعراق ولبنان وفلسطين، لاستنتاج مستويات الارتباك التي أظهرتها إدارات واشنطن، بما في ذلك إدارة دونالد ترامب، والتي ما زال من غير الواضح ما إذا كانت إدارة جو بايدن ستكون قادرة على إصلاح ما أفسده العطارون، وخصوصا في سوق واشنطن نفسها. 
ليس مهما كيف ستقارب إدارة بايدن مسائل المنطقة بقدر ما هو مهم أن يعترف الرئيس الجديد وفريقه الحاكم بأن العالم تغير. بات على واشنطن أن تأخذ علماً بالهوامش التكتيكية والاستراتيجية التي اكتسبتها دول مثل إسرائيل وتركيا وإيران ومصر ودول الخليج بسبب رمادية مواقف الإدارات الأميركية خلال العقود الأخيرة.  
 بات لإسرائيل ميدان مناورة تمارس من خلاله، في سوريا والعراق وإيران، ضربات وصولات وجولات. وبات لتركيا، برعاية أميركية أو غياب المانع في واشنطن، سياسات تدخلية خطيرة في العراق وسوريا وليبيا، ناهيك بمناوراتها شرق المتوسط وفي أذربيجان. 
ورغم الصخب الذي أثاره انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وعقوباته "التاريخية" ضد إيران، ورغم الضربات النوعية التي تلقتها إيران في الداخل والخارج، فإن طهران استمرت في أن تبقى مزعزعة لاستقرار المنطقة داخل "هلالها" الشهير وصولا إلى الخليج واليمن، واستمرت في استدراج شهية مصالح دول كبرى وإبقاء شبكة تحالفات ومصالح لها شرقا وغربا. 
 سيجد بايدن أن مصر لم تعد تعول على حصرية تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة ولم تعد قلقة على مصير "المعونة" الأميركية. تجاوزت القاهرة عقائد كامب دايفيد وباتت لها خرائط دولية أخرى تفسر تنوع خيوط علاقاتها مع روسيا وفرنسا واليونان وقبرص وغيرها، كما تنشيطها لمحاور إقليمية تجمعها مع دول الخليج وتجمعها أيضا مع العراق والأردن، من دون الحديث عن تلك الأفريقية منها. وسيجد بايدن أن الدينامية الأميركية التي حركت الملف الليبي ما زالت قاصرة عن إنتاج تسوية لا تشارك بها دول الجوار كما دول المصالح القريبة والبعيدة. 
روسيا بوتين باتت في قلب المنطقة، تنسج مع إيران وتركيا داخل "آستانا" تحالفا معقداً سرياليا متعدد المنافع والتناقضات. باتت موسكو رقما مهما في ليبيا البعيدة ورقما مفصليا في سوريا. صحيح أن لا حل روسيا في سوريا من دون بركة واشنطن ورعاية أوروبا، لكن الصحيح أيضا أن لا تسوية في سوريا من دون التسليم بالواقع الروسي في هذا البلد.  
سيكون على جو بايدن الذي تولت تصريحاته قصف الصين وروسيا وتركيا، ووعد إيران بسياسات أخرى، والغمز من قناة مصر وبعض دول الخليج، أن يقرأ جيدا ما طرأ على سطور هذا العالم، وأن يتأمل مليا ما تبنيه عواصم المنطقة من خنادق وأسوار، لكن أيضا ما تدفع به من وصل بيني لافت، ربما كانت اتفاقات السلم مع إسرائيل واجهة دلالاته. 
ولئن كان  لكل عاصمة في المنطقة مرشحها المفضل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن تلك العواصم، المتفائلة منها والمتوجسة من القادم الجديد إلى البيت الأبيض، أعادت التبشير بولايات متحدة لها مصالحها وثوابتها التي يفترض (نظريا) أن لا تنقلب وفق مزاج شخص الرئيس.  
لن يكون سهلا على بايدن العبث كثيرا برقعة لعب في المنطقة اجتهد اللاعبون في رسم قواعدها. سيكون الرئيس الأميركي الجديد مضطرا لمخاطبة بلدان المنطقة وفق رؤى جديدة تقر بالقلق المتنامي من طموحات "السلطان" في تركيا و "ثورة" الولي الفقيه المستمرة إنتاجا وتصديرا في إيران، وتقر أيضا بفشل صفقة ترامب الوهمية في فرض تسوية تاريخية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو الأكثر تعقيدا في العالم. 
حين قررت إدارة باراك أوباما تشجيع ارتقاء "الإخوان المسلمين" ودوائر الإسلام السياسي إلى السلطة في بلدان عصفت بها القلاقل، وحين قررت الإدارة نفسها رعاية اتفاق مع إيران يتجاهل مصالح بلدان المنطقة وهواجسها، وحين استفادت أنقرة من رمادية لدى إدارة ترامب في التعامل مع الحالة الاردوغانية فراحت تعبث في شؤون الإقليم، لم تنتظر المنطقة تبدل مزاج أميركا وأهواء رئيسها، بل أقامت دفاعاتها الذاتية مستحدثة خرائط تحالفات باتت ثوابت تكافح أي متغير في واشنطن.