الرئيسة \  واحة اللقاء  \  شرق اوسط ضعيف

شرق اوسط ضعيف

09.08.2013
نتان ليفسون

القدس العربي
الجمعة 9/8/2013
محمد البوعزيزي حاول بيأس ان يجد لنفسه عملا. معدل البطالة في البلدة التي يسكن فيها، سيدي بوزيد في تونس كان نحو 30 في المئة بحيث أن فرصه هزيلة. حاول الدخول الى الجيش فرفض، وهكذا كان ايضا في أماكن عمل اخرى. في صباح 17 كانون الاول/ديسمبر 2010 انفجر الاحباط الذي تراكم لديه على مدى السنين، فأحرق نفسه ومات.
البوعزيزي لم يعرف بان فعله اليائس سيحرك موجة احتجاج غير مسبوقة ستسمى لاحقا ‘الربيع العربي’. ففي غضون شهر أدت المظاهرات الجماهيرية الى سقوط حاكم تونس زين العابدين بن علي، ولاحقا أدت الى الاطاحة بحاكمي ليبيا ومصر واهتزاز كثيرين آخرين. في اليمن، في البحرين وفي الاردن اندلعت اضطرابات كبيرة، وعمليا لم تكن دولة واحدة في المجال الاقليمي العربي، من موريتانيا غربا وحتى العراق شرقا، لم يصل الربيع العربي اليها.
في ضوء هذه التطورات فان كل من تربى على رواية الدولة الصغيرة المحوطة بالاعداء ملزم بان يسأل نفسه ما هو تأثير هذا على اسرائيل، على مكانها في المنطقة وعلى التهديدات التي تقف أمامها. هل يحتمل أن يكون التهديد من جانب الدول المجاورة الصغيرة مثلما كان في الماضي بل وربما اكبر بكثير؟
منذ قيام الدولة يتمتع الجيش الاسرائيلي وجهاز الامن بسيطرة هائلة على النقاش الجماهيري في هذا الموضوع سواء بسبب سريته أم لان الجيش حدد نفسه بصفته الجسم الوحيد الذي يغذي اصحاب القرار في الحكومة بالمعطيات وبالتحليلات حول التهديدات الامنية على اسرائيل. اذا قرر الجيش بانه توجد تهديدات وأنها تتسع، لا يتبقى امام وزارة المالية، الحكومة والكنيست والجمهور غير التكيف مع الخط الرسمي بقدر ما يتعلق الامر بالاجهزة السرية التي ارتفعت ميزانياتها منذ 2006 من 4.3 مليار شيكل الى 6 مليارات شيكل، لا يجري نقاش جماهيري على الاطلاق. ولكن اذا كان الجيش موجودا كي يدافع عن اسرائيل، فان مدى التهديد يجب أن يشكل عاملا مركزيا في اعتبارات الميزانية. واذا كان هكذا، فلا مفر من أن يدرج في اطار الاعتبارات ايضا الوضع الاقتصادي للدول العربية.
عشرات ملايين البوعزيزيين
لم يكن جعل البوعزيزي رمز حركة الربيع العربي ومصدر الهامه صدفة. فمنذ سنوات عديدة و’عقب أخيل’ العديد من الدول العربية هو الاعداد المتزايدة من الشباب الذين لا يتمكنون من دخول دائرة العمل، ويصطدمون بحواجز المنظومة الاقتصادية المشوهة، التدخل العميق من جانب الحكم ومقربيه في الاعمال التجارية، الفساد السلطوي والتعسف. في كل الدول العربية ينتشر عشرات ملايين البوعزيزيين الاخرين محبطين وغاضبين، وكل سنة، بسبب النمو الطبيعي في عدد السكان، ينضم اليهم المزيد من الشباب بلا مستقبل. ولم تكن هذه على ما يبدو سوى مسألة وقت الى أن يخرجوا الى الشوارع ويطالبون بتغييرات كبيرة.
فحص اقتصاد كل الدول المحيطة باسرائيل مصر، الاردن، سورية، لبنان، السلطة الفلسطينية وغزة وكذا العراق وايران يشهد على عمق المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها هذه الدول.
منذ العام 1965، السنة الاولى التي توجد حولها معطيات مقارنة لدى البنك الدولي، كان الناتج المحلي الخام للفرد في الدول العربية أدنى منه في اسرائيل: ففي الاردن كان في تلك السنة نحو 37 في المئة منه في اسرائيل، وفي سورية كان نحو 19 في المئة منه في اسرائيل. وبعد نحو 44 سنة، في 2009، كانت الفجوة أوسع بكثير. في سورية كان الناتج للفرد نحو 10 في المئة من الناتج الاسرائيلي وفي مصر كان نحو 15 في المئة.
ليس مثلما في اسرائيل التي منذ منتصف السبعينيات انتقلت الى نمو يميل الى التصدير المتواصل، الى هذا الحد او ذاك، حتى اليوم، في الدول العربية حصل هذا متأخرا بين منتصف الثمانينيات وبداية التسعينيات. كما أن تركيبة النشاط الاقتصادي والتصدير الاسرائيلي ساهمت في التقدم السريع لاقتصادها مقارنة بجيرانها. بينما في اسرائيل قسم هام من القيمة المضافة الاقتصادية تنبع من الرأسمال البشري، ففي معظم الاقتصادات العربية تعتمد فروع النشاط الاكبر على المقدرات الطبيعية ولا سيما الطاقة او على القوة البشرية الرخيصة.
كما أن أسواق المقصد للتصدير للدول العربية ليست متنوعة. ففي سورية، في الاردن وفي لبنان هذه هي الدول المجاورة اليها، الامر الذي يدل على ما يبدو على قيمة مضافة منخفضة كلفة النقل الى المقاصد البعيدة اكبر منها. اسواق المقصد لمصر، العراق وايران اكثر تنوعا، ولكنها تصدر اساسا النفط، الغاز او مواد التنقيب المنتجات التي قيمتها المضافة ذات حراك وتتقرر في الاسواق الدولية.
ان التعلق بمقدرات الطاقة لغرض التصدير يكشف ضعفا آخر للاقتصادات العربية: فكلما يجد العالم مصادر طاقة بديلة أكثر، هكذا يصبح تعلق هذه الدول بالنفط اكثر اشكالية. كما أن الدول العربية التي لا تنتج النفط بنفسها، وتعتمد على دعم الدول الغنية بالنفط، من شأنها أن تتضرر من الانخفاض في الطلب على النفط ومصادر الدعم لها ستقل.
ان المفتاح للقفزة الاقتصادية يوجد في التعليم. ففي اسرائيل، معدل المواصلين الى التعليم العالي بعد انهاء المدرسة الثانوية عالٍ جدا، نحو الثلثين. في مصر المعدل اقل بنحو النصف. وفي سورية أدنى من ذلك. الدولة الوحيدة التي يوجد فيها معدل استمرار للتعليم عالٍ يقترب منه في اسرائيل هي لبنان، مع نحو 58 في المئة من خريجي المدارس الثانوية. كلما واصلت اقتصادات الدول العربية الاستناد الى كلفة عمل متدنية وأهملت التعليم العالي، هكذا تكون امكانية النمو الكامنة فيها أدنى. كما أنه كلما اعتمدت على المقدرات الطبيعية هكذا سيعاني انتاجها من الحراك.
صعوبة اخرى في الدول العربية تكمن في الدور الهائل لكبار المسؤولين في الحكم ومقربيهم في النشاط الاقتصادي وفي الانقسام الواضح الذي لا يسمح بخلق اقتصاد واحد. هكذا مثلا، في ايران يحوز الحرس الثوري القوة العسكرية التابعة مباشرة للحكومة الاسلامية بنحو ثلث النشاط الاقتصادي. سلسلة من منظمات الرفاه، التابعة هي ايضا الى الحكم، تحوز بنحو خُمس آخر. وحسب أحد التقديرات، ففي مصر نصيب الجيش في الاقتصاد هو نحو 40 في المئة. في دول مثل العراق ولبنان، الممزقة بين القوميات والاديان المختلفة التي تقاتل الواحدة الاخرى، توجد احيانا فوارق اقتصادية هائلة بين المناطق المختلفة.
اقتصادات في حالة اختناق
ولكن أم كل المشاكل في الدول العربية هي البطالة. في اسرائيل ارتفع معدل البطالة من نحو 5.5 في المئة في2011 الى نحو 7 في المئة الان معدل يطابق الركود الذي يعيشه الاقتصاد. في أوساط الشباب ابناء 15 24، معدل البطالة في اوساط الرجال والنساء مشابه، ويتراوح بين 11 12 في المئة. وبالمقابل، في الدول العربية الوضع مختلف جوهريا. بينما معدلات البطالة العامة عالية ولكن لا يمكن اعتبارها شاذة، البطالة في اوساط الشباب عالية جدا. فالنساء الشابات يعانين من ذلك على نحو خاص: حسب معطيات من 2010، في مصر نحو 54 في المئة منهن بلا عمل، وفي الاردن وفي سورية هو 47 و 40 في المئة، على التوالي. وفي اوساط الرجال كان معدل البطالة في الاردن نحو 24 في المئة في 2010، وفي سورية وفي مصر نحو 15 في المئة. معنى الامر هو أنه في العديد من الدول العربية يكاد يكون كل شاب رابع عاطل عن العمل، والكثيرون منهم عاطلون عن العمل على نحو عضال. هذه قنبلة اجتماعية موقوتة هي الاخطر. في بعض الدول انفجرت منذ الان، وفي مصر حصل هذا مرتين.
ويضاف الى المشاكل الاقتصادية القاسية في البلدان العربية في السنتين الاخيرتين الاضطرابات التي وقعت وجبت ثمنا باهظا. فعدم الاستقرار الداخلي في الدول العربية يحطم الثقة الاساس الحيوية لوجود اقتصادات نامية، يقلص التصدير والاستيراد ويبعد المستثمرين الاجانب. وحتى لو تمت اعادة بناء هذه الثقة، فسيتطلب الامر وقتا طويلا لاصلاح الدمار، وستمر سنوات عديدة الى أن تنجح الدول العربية، ربما، في العودة الى المسار السليم.
جهاز الامن الاسرائيلي ناضج
شيء واحد يبدو مؤكدا هو أن الدول العربية لا ترى في اسرائيل تهديدا. فحسب معطيات المعهد الدولي لبحوث السلام في ستوكهولم (SIPRI)، فان الانفاق العسكري لاسرائيل بالنسبة للناتج المحلي الخام اعلى بكثير من المعطى الموازي في الدول العربية. ففي العام 2012 أنفقت اسرائيل نحو 6.2 في المئة من الناتج المحلي الخام على الامن. ومن بين الدول العربية كان الاردن هو الذي كرس المعدل الاكبر من الناتج المحلي الخام لنفقات الامن (4.6 في المئة)، اما مصر فقد وجهت لهذا المجال المعدل الادنى من ناتجها المحلي الخام (1.7 في المئة).
باعداد مطلقة، الفوارق تتأكد أكثر فأكثر: فحسب معطيات SIPRIانفقت اسرائيل في 2012 نحو 15.5 مليار دولار على الامن، اما مصر فأنفقت نحو 4.2 مليار دولار وسورية انفقت 2.5 مليار دولار. ايران، التي ليس لها حدود مع اسرائيل، أنفقت مبلغا اكبر بكثير نحو 10 مليارات دولار ولكن لا يزال نحو الثلث أقل من اسرائيل.
وفضلا عن ذلك: كونه منذ الان تضطر دول عربية كثيرة وعلى رأسها مصر وسورية ان تقطع في معدل الانفاق العسكري بسبب وضعها الاقتصادي، فمن المتوقع للفجوة بينها وبين اسرائيل أن تتسع أكثر فأكثر. يحتمل حتى انه في 2013 سيكون معدل الانفاق في اسرائيل ضعف انفاق الدول العربية.
هذه المعطيات عن نفقات الامن لدى الدول العربية المحاذية لاسرائيل لا توفر اسبابا للافتراض بانها تستعد لحرب تقليدية. فوضعها الاقتصادي الحالي يبعد مثل هذه الامكانية أكثر فأكثر، والوضع الداخلي للدولتين الاكبر فيها، مصر وسورية، بالتأكيد لا يسمح لها بالخروج الى مثل هذه الحرب. حرب الصواريخ بعيدة المدى لا يزال خيارا قائما، كما أظهر في الماضي الرئيس العراقي صدام حسين وزعيم حزب الله حسن نصرالله، ولكن أي منهم لم يجرب على اي حال لم ينجح في تحقيق الحسم حيال اسرائيل. في غياب قوات برية ذات مغزى، نصرالله لا يمكنه على الاطلاق أن يحقق مثل هذا الحسم، وبالتأكيد ليس في ضوء قوة الجيش الاسرائيلي ومن دون دعم سوري.
ومع أن الهجوم الصاروخي يمكنه أن يلحق ضررا معنويا مهما باسرائيل ويشوش الحياة المدنية، الا ان قدرته على ان يوجه ضربة مهمة لاقتصادها متدنية، وبالتأكيد في ضوء الرد المتوقع من الجيش الاسرائيلي. هكذا حصل في حرب لبنان الثانية، حيث كان لهجوم حزب الله ولـ34 يوما من القتال جاء بعده تأثير قليل فقط على اقتصاد اسرائيل.
حتى الدول الفقيرة يمكنها أن تشكل خطرا على السلام العالمي. كوريا الشمالية وباكستان مثلا اختارتا حل الدول الفقيرة: نيل سلاح استراتيجي غير تقليدي، وبتعبير آخر، سلاح نووي. هذا حل مناسب للدول الفقيرة لانه يسمح لها بتحقيق ردع مهم لزمن طويل والحاجة الى تجديده أقل من الحاجة الى تجديد السلاح التقليدي. ومع ذلك، فان احتمال ان تختار الدول العربية التزويد بسلاح نووي ليس عاليا، وذلك لان شراء سلاح كهذا يكاد يكون متعذرا.
لم يسبق أن كان اقتصاد الدول العربية جزءا من النقاش الامني الجماهيري في اسرائيل. وبدلا من ذلك يتركز النقاش اساسا على تصريحات كفاحية من كل الاطراف وعلى احصاء متبادل للجنود، الدبابات والطائرات. ولكن الشيك الذي يفترض أن يصرف كل هذا هو شيك اقتصادي، ومدى التهديد الذي ضده على اسرائيل أن تسلح وتدرب جيشها يستخلص مباشرة من القدرة الاقتصادية للدول التي توجد في مواجهة معها.
هذه القوة ضعفت جدا في السنوات الاخيرة. فمصر على شفا الافلاس؛ الحرب الاهلية في سورية تدفع اقتصادها الى الوراء بعقد من الزمان على الاقل. الاردن، يتدحرج من أزمة الى أزمة؛ العراق منشغل اساسا بالانتعاش وممزق بين الكتل المتخاصمة. وايران؟ مع أنها لم تتخل عن برنامجها النووي، ولكن اقتصادها يختنق تحت عبء العقوبات، وانتخاب الرئيس الجديد روحاني كفيل بان يبشر بتغييرات ايجابية في علاقاتها مع الغرب.
في كل الاحوال، ايران ليست فقط مشكلة لاسرائيل. فهي توجد في مكان عالٍ جدا في اجندة أمم العالم، وعلى رأسه الدول الغربية. هذه الميول يجب أن تؤخذ بالحسبان كعامل مركزي في اعتبارات الميزانية.
هآرتس/ذي ماركر 6/8/2013