الرئيسة \  واحة اللقاء  \  شريح جنيف السوري: ساعة الحقيقة

شريح جنيف السوري: ساعة الحقيقة

29.01.2014
علي العبدالله


الحياة
الثلاثاء 28/1/2014
مع انطلاق المؤتمر الدولي حول سورية المسمى بـ "جنيف 2" يكون العالم قد دخل ساعة الحقيقة: المعارضة السورية والدول الداعمة لها لكشف مدى صدقها وإخلاصها للشعب السوري وثورة الحرية والكرامة، والمجتمع الدولي ومدى جاهزيته لإنهاء معاناة السوريين ووقف عمليات البطش والقتل الوحشي الذي ينفذه النظام وحلفاؤه، منذ قرابة ثلاث سنوات، وبكل صنوف الأسلحة بما فيها سلاحا الجوع والبرد.
افتتح المؤتمر وقد تجنبت المعارضة السورية بحضورها تحمل مسؤولية عدم عقد المؤتمر الذي سعى إليه النظام وحلفاؤه الإيرانيون والروس عبر الضغط على المعارضة في مسألة "الشروط المسبقة"، والدعوة إلى تحويل مهمته من حل القضية بتنفيذ بيان "جنيف 1" إلى اتحاد النظام والمعارضة لمواجهة الإرهاب، ونجحت في تسجيل نقاط لصالحها عبر الحضور كند للنظام في هذا المحفل الدولي، وهذا كرس حضورها في المعادلة السورية، وعبر نص خطابها وتركيزه على جوهر مهمة المؤتمر وربط موقفها بقرار مجلس الأمن الرقم 2118، وهو الخطاب الذي عانى من نقص حيث لم يتضمن فقرة، ولو قصيرة، عن سورية التي تدعو إليها فتعرج على دولة المواطنة والحقوق المتساوية للمواطنين بغض النظر عن الدين أو المذهب أو العرق أو الجنس. لكن خطاب المعلم الهجومي والخالي من مضمون إيجابي أعطاه فرصة التميز والتفوق، كما لم تؤثر قراءة الجربا الفاترة على قوة مضمونه.
لم يكن موقف دول أصدقاء الشعب السوري، ما يوصف بـ "النواة الصلبة" المكونة من 11 دولة، بعيداً عن ذات المضمون ما أفشل مساعي حرف المؤتمر عن مهمته الأصلية: تنفيذ بيان جنيف 1، الذي سعى إليه النظام والروس من دون نجاح. فقد ركزت كلمات معظم رؤساء الوفود على وقف حمام الدم وتنفيذ بيان جنيف 1، وزاد البعض فدعا إلى خروج القوات الإيرانية وميليشيا حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية من سورية، واستبعاد أي دور لرئيس النظام في المرحلة الانتقالية مع تحميله مسؤولية خلق الإرهاب، ونفي كيري وجود تنسيق بين واشنطن والنظام السوري بخصوص الإرهاب.
لقد برز شبه إجماع على تحديد جدول أعمال المؤتمر في نقطتين: تنفيذ بيان جنيف 1 وإخراج المقاتلين الأجانب من سورية.
غير أن هذا النجاح المبدئي بتكريس المعارضة وتثبيت مرجعية المؤتمر لا يقطع باستمرار عملية التفاوض بسلاسة والتقدم في تذليل العقبات والاتفاق على خطوات عملية على طريق تنفيذ بيان جنيف 1، حيث برزت إلى العلن تباينات بين راعيي المؤتمر الأميركيين والروس. فقد استاء الروس من النبرة العالية والحادة التي طبعت خطاب جون كيري وجزمه بأن لا مكان للأسد والمحيطين به في المرحلة الانتقالية، وهذا ظهّر خلافاً كامناً حول جوهر بيان جنيف 1 استمر بين الطرفين منذ التوقيع عليه في جنيف يوم 30/6/2012، ما ينذر بتعثر المؤتمر عبر عدم قيام الروس بالدور المنوط بهم: الضغط على النظام لتذليل العقبات التي قد تبرز خلال التفاوض، أشارت وسائل الإعلام في تغطيتها للافتتاح إلى مغادرة الطاقم الروسي المختص بالشأن السوري مع لافروف إلى موسكو. وهذا سيفتح مجدداً باب السجال حول قراءة نص بيان جنيف 1 وقد يفتح ثغرات في مرجعية المؤتمر ويخلق تعقيدات إضافية، بخاصة في ضوء غموض الموقف الروسي من بيان جنيف1 ومراهنته على عدم عقد المؤتمر بدفع المعارضة إلى عدم الحضور عبر مهاجمتها واتهامها بالإرهاب ورفض كل مطالبها تحت ذريعة لا شروط مسبقة، والمراهنة على انقساماتها، كما ورفضه البدء بعملية سياسية من نقطة هيئة حاكمة كاملة الصلاحيات تنحي الأسد جانباً، سبق وتحدثت عن كافة الصلاحيات وليس كاملة الصلاحيات، وتحدثت عن قطار المفاوضات والتبدلات التي ستطرأ عليه في المحطات المختلفة، وتهربها من إعطاء جواب محدد حول مصير الأسد.
أما العقبة الثانية فتتمثل في الأولويات، حيث لم ينه الاتفاق على مرجعية المؤتمر الخلاف على نقطة البداية، فالنظام الذي أقر بمرجعية جنيف 1 يتحدث عن تطبيق البيان كرزمة واحدة وأولها وقف تمويل وتسليح الكتائب المسلحة وإغلاق الحدود في وجهها، بينما يتحدث الائتلاف عن بنود كوفي أنان الستة وتشكيل هيئة حاكمة كاملة الصلاحيات.
وهذا ما وضع الإبراهيمي في موقف حرج لأن أي خطوة خاطئة قد تطيح بالعملية التي طال انتظارها، وقد سعى إلى اجتراح مخرج بالطلب من الطرفين تقديم تصوره عن البداية التي يراها وسيحاول إيجاد قاسم مشترك ويطرحه كبداية. وهذا، على وجاهته من الناحية العملية، سيثير خطر تجزئة الملفات والغرق في قضايا صغيرة واللعب على الوقت في انتظار تطورات ميدانية أو تغيرات سياسية إقليمية ودولية.
والعقبة الثالثة، والتي ستعطي وفد النظام فرصاً لاستثمارها، هي عدم شمول وفد المعارضة لأطراف في المعارضة، وقد ألمح وفد النظام إلى ما يسميه معارضة الداخل، وتلميحه إلى تشكيل حكومة موسعة وإشراكها فيها. وهي نقطة لم يحسن الائتلاف التعامل معها. صحيح أنه نجح في احتلال مقعد المعارضة، لكنه قصر في السعي لجذب أطراف معارضة أخرى، وبخاصة هيئة التنسيق، للمشاركة في الوفد.
يبقى الدور الذي ستلعبه إيران في العملية السياسية وهل سيكون إيجابياً ويخدم تسهيل تنفيذ بيان جنيف 1 أم سلبياً يعرقل حصول اتفاق ريثما يتحدد مستقبل اتفاقها النووي. إنها معنية الآن بتحسين صورتها في الغرب، وجذب استثمارات وشركات نفط للعمل في أراضيها علها تطور حقولها وتزيد إنتاجها إلى 4 مليون برميل في اليوم، لذا فإن أولويتها الآن اكتساب سمعة الرجل الطيب، ولهذا لم تبد رد فعل حاداً على استبعادها من جنيف 2 بل دعت، على لسان وزير خارجيتها، إلى خروج القوات الأجنبية من سورية، علماً أن صوت روحاني وظريف ليس صوت إيران الوحيد حيث تحدث رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني عن "تبلور الشرق الأوسط الجديد"، واستبعد حسين عبد اللهيان التخلي عن الأسد ورفض مبدأ الانتقال السياسي في سورية.
لقد أقر الجميع بأن المفاوضات ستكون صعبة وشاقة، وربما طويلة، لكنهم يدركون أيضاً أن استمرار الصراع سيفاقم الأزمة ويعمق دور القوى الأصولية السنية والشيعية، مع خطر تمدد الصراع المذهبي إلى دول الجوار بشكل أوسع، وهذا يفرض العمل الجاد من أجل بلوغ حل سياسي مقبول.
* كاتب سوري