الرئيسة \  واحة اللقاء  \  شعوب نبيلة.. وحكومات انتهازية!

شعوب نبيلة.. وحكومات انتهازية!

21.09.2015
صدقة يحي فاضل



عكاظ
الاحد 20/9/2015
تعتبر مأساة الشعب العربي السوري الحالية، والتي أوشكت أن تكمل سنتها الخامسة على التوالي، أسوأ مأساة انسانية يتعرض لها أي شعب في العصر الحالي. انها كارثة.. لحقت بهذا الشعب الكريم دون ذنب اقترفه سوى أن غالبيته أرادت التحرر من نظام سياسي استبدادي، تمثل في تحكم قلة قليلة من ابناء الشعب السوري في غالبية ذلك الشعب، وسلبه حريته وكرامته، وتسيير الامور في بلاده بما يخدم مصالح هذه القلة أولا، وقبل أي شيء آخر.
بدأت هذه المأساة بتظاهرة سلمية، قام بها نفر من أبناء الشعب السوري.. مطالبين نظام بشار الاسد الديكتاتوري البغيض باحترام حقوقهم في الحرية والعدالة والمساواة، وبحقهم الاساس والرئيس في حكم أنفسهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، وتحقق المصلحة العامة السورية، لا المصلحة الخاصة بفئة محدودة فقط من هذا الشعب.
****
واجه النظام الأسدي هذه المطالب المشروعة بالقوة والقمع والتنكيل. فاشتعلت ثورة شعبية شاملة في كل سوريا.. ما زال النظام الأسدي يواجهها بالقتل والتدمير، والتآمر، والعمالة لإيران وغيرها، اضافة الى المناورات التي تستهدف «إبقاء» النظام، لأطول فترة ممكنة، ولو على جثث وجماجم الشعب. وخلطت الاوراق من قبل النظام السوري، وبعض القوى الاقليمية (ايران، واسرائيل بخاصة) والقوى الغربية المتنفذة، اضافة الى روسيا والصين. كل من هذه القوى يستغل المأساة السورية بما يضمن ما يسميه مصالحه.. والنتيجة هي: تدمير الشعب السوري، وتدمير بلاده الجميلة.
وقد بلغ عدد القتلى من الشعب السوري حتى تاريخه حوالى 240 ألفا. أما الجرحى والمصابون، فيقال إن عددهم قارب الثمانمائة ألف. ونسبة كبيرة من القتلى والجرحى هم من الاطفال والنساء والمدنيين غير المحاربين. كما تم تشريد ما يقدر بسبعة ملايين سوري، داخل وخارج سوريا. هذا، اضافة الى تقسيم البلاد، وتدمير مقدراتها ومواردها، وتحطيم اقتصادها، واعادة الحياة فيها لقرون خلت. حتى آثارها وتراثها لم تسلم من التدمير والتخريب.
****
إنها كارثة كبرى.. أحاقت بهذا القطر العربي العزيز، وبالأمة العربية بأسرها. وربما من أخطر وأسوأ مؤشراتها هي: مغادرة آلاف السوريين اضطرارا لبلادهم، بأطفالهم وذويهم، هربا من جحيم الحرب.. مخاطرين بأنفسهم وأطفالهم ونسائهم، في رحلة عذاب لا تحمد عواقبها، عبر البراري والبحار.. قاصدين لأى مكان يؤويهم، غير سوريا. هكذا يهربون من بلادهم التي كانت، قبل سنوات قليلة، مقصدا للسياح الباحثين عن جمال الطبيعة، وحسن الوفادة، والكرم والإباء، والعراقة التاريخية.
ومن ذلك توجه أعداد من السوريين لاجئين الى أوروبا، قاطعة البر والبحر، في مراكب متهالكة.. لا تكاد تصل لمرفأ الا بعد هلاك وغرق ما يقارب نصف ركابها. ومما يبشر أن الدنيا ما تزال بخير، وكثير من البشر ما يزالون بشرا، هو: استقبال معظم شعوب الدول التي لجأ اليها هؤلاء الإخوة، بالترحاب والود ومد يد العون. فذلك سلوك إنساني نبيل، ومرهف الشعور، يحسب لهذه الشعوب الطيبة. وهو أيضا ينكأ الجرح العربي، ويذكر بالموقف العربي، العاجز عموما، مقارنة بكثير من الشعوب الاوروبية.
****
ولكن، وقبل أن نسترسل في شكر هذه الشعوب الغربية، والاشادة بها، يجب أن نذكر أن أغلب حكومات الغرب المتنفذ هي المسؤول (غير المباشر) عما حدث بسوريا، وغيرها من الدول التي مرت (وتمر) بمآس مشابهة. اذ يمكننا القول إن تلك الحكومات أسهمت -أيما إسهام- في خلق تلك المآسي ابتداء، أو ساهمت في تفاقمها لاحقا، بالتخاذل المقصود، وتجاهل معاناة الشعوب.. بل والتعتيم أحيانا على هذه المعاناة.. بهدف تحقيق «مصالح» لها، أو نفوذ هنا، أو هناك. وهذه السياسة تسمى أحيانا بـ«أسلوب توني بلير»!
ويكفي هنا، ولضيق الحيز، أن نذكر أن معظم حكومات الغرب المتنفذ تعارض قيام «جهاز» متخصص بالأمم المتحدة، يضمن نزاهة الانتخابات، وبخاصة في الدول النامية، ويحول دون قيام انظمة مستبدة، تسوم شعوبها سوء العذاب، حال نظام بشار الاسد. يعارضون ذلك، ويتباكون على ما تعاني منه بعض الشعوب من استبداد وقهر... ولكن، طالما كان ذلك القهر يصب في ما يعتبرونه مصالح لهم، فليكن... ولتذهب المشاعر والاعتبارات الانسانية، و«حقوق الانسان»، للجحيم... فضلا، تنبهوا... ليس كل الغرب إنساني النزعة.