الرئيسة \  واحة اللقاء  \  فشل المفاوضات ومستقبل سورية

فشل المفاوضات ومستقبل سورية

18.02.2014
سعود البلوي


الوطن السعودية
الاثنين 17/2/2014
الأزمة السورية لا تحتاج اليوم إلى التدخل العسكري بقدر احتياجها إلى تدخل سياسي جاد من قبل هيئة الأمم المتحدة ليعيد الأمور ولو إلى القليل من نصابها
لم تسفر مفاوضات "جنيف2" عن أي تقدم بين وفدي المعارضة والنظام، فكلاهما متصلّب على موقفه تجاه الآخر، ولم يستطع المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي إلا أن يعرب عن خيبة الأمل، دون تحديد لموعد جديد لمفاوضات أخرى، والضحية هنا هو الشعب السوري الذي خاض هذه الحرب مجبراً تحت عدة عناوين كبيرة منها "التسلط" و"الطائفية" و"الإرهاب"، غير أنه لم يخرج حتى الآن بأي نتائج سوى سقوط حاجز الخوف من جهة، وافتقاد الأمن وتدمير التنمية من جهة أخرى، فقد أثبتت المسألة السورية على أن من بنى قادر على أن يدمّر.
وما حصل قبل انعقاد مؤتمر جنيف (الأول والثاني) أن النظام تعامل بشراسة مع الثورة التي بدأت سلمية وداعية للإصلاح لا التدمير، إلا أنها تطورت لا بل تضخمت حتى رُفع فيها السلاح، وبغض النظر عمّن حمل السلاح أو حرّض على حمله وسهّله، لذا فإن المسألة السورية قد اتسمت بالتدويل والطائفية، ولم تنجح فيها كل المفاوضات والحلول السياسية.
إن مستقبل المسألة السورية هو حل مظلم ومأساوي لا يمكن معه الاستقرار، وهو استمرار الصراع بين النظام والشعب السوري حتى يصل أقصى مداه، وأظنه قد وصل الآن مداه الأقصى فعلياً في ظل الأشلاء والدماء المراقة، ووجود العديد من القوى المتحاربة على الأرض، منها جيش النظام والجيش السوري الحر الذي أنشأه منشقون عن مؤسسة الجيش السوري، بالإضافة إلى القوى السياسية الإقليمية ومنها أذرعتها العسكرية، حزب الله اللبناني، وفيلق بدر الإيراني، في ظل وجود عدد من الجماعات المقاتلة تحت مسميات دينية إسلامية، مثل جبهة "النصرة" والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وغيرهما.
النظام السوري كان واضحاً في موقفه من الثورة السورية من خلال تعامله معها بالحديد والنار، ولذلك من الطبيعي ألا تسفر المفاوضات عن حل سلمي سياسي بوجود هذا النظام في الحكم، ولكن الظاهر في المسألة أنه يمكن لهرم النظام أن يزول مع بقاء المؤسسات، كما حدث في اليمن التي تحولت مؤخراً إلى دولة فيدرالية تتكون من ستة أقاليم.
وفي المقابل يمكن أن تصل الجمهورية العربية السورية إلى الحل نفسه الذي حدث في اليمن، أخذاً بقاعدة أخف الأضرار، ولكن لا بد أولاً وقبل كل شيء أن يرحل الرئيس الحالي وعائلته وبقايا نظامه ويجتمع السوريون ليتفقوا على شكل النظام والدولة التي يريدون، في ظل وجود حكومة انتقالية تحافظ على بقاء الدولة والمجتمع في مأمن من انتشار السلاح وحمله، إلا أن هذا الحل المثالي ربما لن يتوفر في ظل وجود اتفاق دولي أولاً، فروسيا وأميركا إذا ما اتفقتا على مثل الحل فإن الخطوة الأولى هي وقف نشاط الجماعات المتطرفة.
أما إذا كانت الحلول مجرد "آمال" و"تمنيات" ليس لها وجود على الأرض، فإن هذا الأمر من قبيل الحلول الوهمية التي ليس لها جدول أعمال وخطط مرسومة ومحددة بتاريخ معين ليعم السلام المنطقة، فالمسألة السورية حقيقة هي قطب الرحى بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، وإذا ما استمرت فيها الفوضى بهذا الشكل، فإن المتأمل في الأحداث السياسية قبل عقدين يتذكر المسألة اليوغسلافية التي تم حلها- بعد مقابر جماعية عديدة - بالتدخل العسكري من قبل حلف الناتو، والأمر ذاته حدث لاحقاً في أفغانستان والعراق بتدخل دولي مباشر تقوده أميركا وبريطانيا.
بالنسبة للمسألة السورية لا تحتاج اليوم إلى التدخل العسكري-ولو كان شعاره المعلن فرض الديموقراطية- بقدر احتياجها إلى تدخل سياسي جاد من قبل هيئة الأمم المتحدة ليعيد الأمور ولو إلى القليل من نصابها، فمهما كنا نعلم مرارة الحلول المتاحة إلا أن الثقة في الشعب السوري تجعله قادراً على تجاوز كل الظروف المأساوية، بنسيان الماضي وفتح صفحة جديدة، وخاصة أنه شعب مؤهل لإعادة بناء الدولة والمجتمع من جديد.