الرئيسة \  واحة اللقاء  \  شمال سوريا ليس شمال العراق

شمال سوريا ليس شمال العراق

22.03.2016
محمد كعوش


الرأي الاردنية
الاثنين 21-3-2016
اذا اردت أن تعرف ماذا يحدث في شمال سوريا يجب أن تعيد قراءة ما حدث في شمال العراق ، منذ حل المسألة الكردية باقامة الحكم الذاتي حتى اليوم ، لتكتشف أن شمال سوريا ليس شمال العراق ، بسبب اختلاف الظروف التاريخية والحقائق الديمغرافية.
في شمال العراق ، لم يتوقف المشروع الكردي عند حدود الحكم الذاتي ، الذي اقام لهم كيانهم بسلطتيه التشريعية والتنفيذية  و"رئيس دولة"، ولهم لغتهم وتراثهم وثقافتهم وعلمهم ونشيدهم.منذ ذلك التاريخ ، سعت الاحزاب الكردية الحاكمة في كردستان العراق الى استغلال الاحداث الدائرة في المنطقة لصالحهم ، وعلى امتداد عقود ، منذ فرض الحصار على العراق ، الى قطف ثمار الاحتلال الاميركي لبغداد ، وثم استثمار الخلافات بين طوائف واطياف مكونات الشعب العراقي ، الى مرحلة التلويح بأجراء استفتاء حول الانفصال الكامل تحت عنوان "الاستقلال".
يبدو أن العراق دخل في حرب المئة عام ، بسبب تكريس ثقافة العنف والانتقام ورفض الآخر، وعدم القبول بالتسامح والتصالح. هذا الواقع جر بلاد الرافدين الى حافة الهاوية ووضعه على خارطة التقسيم الطائفي والعرقي اكثر من مرة ، وهو الواقع الذي فتح شهية الاكراد ، وهم من مكونات الشعب العراقي ، لاقامة دولة في كردستان العراق غير معلنة ، أوغير معترف بها دوليا ، حتى الان ، الا أن حكامها يمارسون الدور الانفصالي كاملا ، يصدرون النفط ، ويستقبلون وزراء خارجية اجانب في اربيل ، ويقيمون علاقات خارجية مع دول واحزاب ، ويعقدون صفقات اسلحة ، كلها خارج نطاق صلاحيات حكومة بغداد ، التي لهم فيها نصيب كبيرايضا.
وبسبب الصراع داخل سوريا ، والتدخل الاقليمي والدولي ، هناك من اعتقد واهما أن الفرصة قد لاحت لتطبيق السيناريو العراقي في سوريا ، عبر اشعال الصراع الطائفي والعرقي بهدف تفكيك الدولة وتقسيمها ، أو فرض "الفدرلة "على الاقل ، لاضعاف الحكم المركزي في دمشق. الا أن الصمود السوري على الصعيدين السياسي والعسكري ، وتدخل الطيران الروسي غير المعادلة وبدد الاوهام.
ولكن ما حدث مؤخرا في اجتماع " الرميلان " يقودنا الى الاعتقاد بأن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المتواجد في شمال سوريا ، ووحدات حماية الشعب الكردي ، وكل من قاتل داعش والنصرة ، بدعم اميركي وتعاطف وتعاون روسي ، اعتقدوا ان الفرصة سانحة للرد على منعهم من الاشتراك في مؤتمر جنيف ، باقامة منطقة حكم ذاتي في الشمال السوري ، على غرار كردستان العراق ، تحت عنوان الفدرالية ، وهو اعلان تجاهل الاكثرية العشائرية العربية في منطقة الجزيرة ، رغم أن الاحزاب الكردية حاولت تغطية مقاصدها واهدافها بعباءة بعض شيوخ العشائر الذين شاركوا في اجتماع الرميلان.
اعلان الفدرالية كان قفزة في الظلام ، وخطوة غير مدروسة فاقدة الشرعية ، ومرفوضة سوريا واقليميا ودوليا ، كما انها اقلقت الحكومة التركية ، غير القادرة على التحرك ضد هذا "الجيب" الكردي القابع على حدودها ، والمؤيد لحزب العمال ، وذلك بسبب خلافاتها مع الادارة الاميركية المنحازة للاكراد. والحقيقة أن "تركيا اردوغان " وجدت نفسها غارقة في محيط من العداء بسبب خلافاتها مع روسيا ، وعلاقاتها بالغة السوء مع مصر وتدخلها في سوريا بدعم الارهاب ، وبسبب ممارستها لعبة الابتزاز مع الدول الاوروبية في قضية اللاجئين ، وكذلك التضييق على الحريات العامة وانتهاك حقوق الانسان علنا.
هذا المشهد التركي المقلق الطافح بالعنف والفوضى لوّح باقتراب حراك الربيع التركي والنزول الى الشارع واعلان فشل حكم حزب العدالة والتنمية. ولكن يبدو أن اردوغان ادرك تداعيات هذه التطورات ، فقام بخطوة استباقية ، وقرر التراجع خطوة الى الوراء ، بدأت بزيارة اوغلو الى طهران ، لتطبيع العلاقات مع ايران ، وهي الخطوة التي قادت الى زيارة وزير خارجية ايران الى انقرة.
هذا الحراك من المتوقع ان ينعش جهود التوصل الى الحل السياسي في سوريا ، وبالتالي افشال مشروع الفدرالية ، المقلق لتركيا والمرفوض من ايران ، ومن المحتمل ان التطورات تفرض اجراء بعض التعديل على التحالفات في المنطقة.. من أجل التقاسم الجديد !!