الرئيسة \  واحة اللقاء  \  شهداء التعذيب ليسوا أرقاماً فحسب

شهداء التعذيب ليسوا أرقاماً فحسب

12.07.2016
براء موسى


الحياة
الاثنين 11/7/2016
بُعيد انتصاره في حطين، عفا صلاح الدين الأيوبي عن أسراه سوى واحد منهم اسمه أرناط، وكان قد أقسم أن يقتله بيده، وفعل، ذلك لأنه لم يحفظ العهود وقواعد الحرب والسلم، فكان يقتل الأسرى، ويُغير على قوافل التجارة والحج المحمية بموجب معاهدات متفق عليها. وفي الحالة السورية فإنّ معظم مقاتلي المعارضة يخوضون الحروب كخيار شخصي، وبذلك يكونون إذا قُتلوا في المعارك قد اختاروا موتهم وطريقتهم في الموت، السجناء ليس لديهم هذا الخيار ولا غيره، لأنّ معظمهم من المدنيين الذين لم يحملوا سلاحاً.
لم تشهد البشرية جريمة من هذا النوع بهذا الحجم، 12679 شهيداً تحت التعذيب وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بينهم 163 طفلاً و53 سيدة، وبالنسبة إلى جهة الفاعل في الجريمة فإن النظام الأسدي قتل 99 في المئة من الضحايا، يتوزعون كالتالي: 12596 شخصاً، بينهم 160طفلاً، و38 سيدة، بينما سجل التقرير مقتل 29 شخصاً، بينهم 13 سيدة وطفل واحد على يد داعش، وأمّا قوات الإدارة الذاتية (ب ي د) فقتلوا 18 شخصاً بينهم طفل واحد وسيدة واحدة، وهناك 15 شخصاً قتلهم تنظيم جبهة النصرة، فيما قتلت فصائل في المعارضة المسلحة 19 شخصاً.
في بداية التظاهرات في آذار (مارس) 2011 كان النظام يركز في اعتقالاته على النشطاء فحسب، وبالفعل واجه الناشطون ضغوطات هائلة، واعتقل بعضهم وفرّ الآخرون. كان النظام آنذاك ضائعاً وتائهاً ولا يصدق أن الشعب قام، وتلك هي طبيعته بأيّة حال، وأمّا بعد تلك المرحلة فجنّ جنونه، وغدت التوقعات أصعب، فهو يعتقل الجميع، بل يقتل الجميع، وإذا كنا نستغرب حينها استهداف النشطاء المدنيين فضلاً عن غيرهم، فقد زالت الشكوك حول الأمر. وحتى يومنا هذا، بعد 5 سنوات ونيف من اندلاع الثورة، ما زال النظام يُفضّل المسلحين على المدنيين في معارضته، كي يتفنن بمظلوميته كضحية للإرهاب أمام العالم. وفي كل الأحوال قُتل الكثير من الناشطين المدنيين تحت التعذيب في السجن، والمسلحين في المعارك والسجن أيضاً، ونعم التجارة الرابحة أبداً، بقتل جميع المعارضين!.
التنكيل بالسجناء يأتي في أسفل بشاعات التاريخ الحديث، ليس من وجهة نظر دينية فحسب، فقيمة الجسد البشري تتربع أسمى موقع بين الكائنات، وهي مقدّسة لذاتها، من دون النظر في صفاتها ومهماتها، وهي إذ تموت تحت التعذيب تتحوّل إلى قضيّة لا تسقط بالتقادم، وبذلك تكون قانونيّاً من أقوى القضايا التي يُفترض أن تهزّ الضمير العالمي، النائم، وهي من أصعب أنواع الموت، والقصص الموثقة توثيقاً دقيقاً تكفي لإدانة القاتل بأحكام لا تنتهي أيضاً يوم القيامة، ومنذ أكثر من 5 سنوات والدهشة تعتري السوريين وغيرهم بجمل كُتب لها أن تكون ممجوجة لكثرة تردادها عندما تفقد المعنى والغاية العادلة: "أين حقوق الإنسان في هذا العالم؟"، بل "أين المنظمات السورية التي تهتم بهذه القضايا لتوصلها إلى مآلها الطبيعي؟" وأين المكتب القانوني؟ وأين وأين وأين؟
الجريمة واضحة، بل يُعاد تمثيلها كل يوم بضحايا جدد، والأدلة متوافرة بكثرة، وما صور "القيصر" سوى جزء من الأدلة، فأين العدالة التي نقرأ عنها ونسمع بها؟
* كاتب سوري