الرئيسة \  تقارير  \  شي جينبينغ وبنادق أغسطس

شي جينبينغ وبنادق أغسطس

22.08.2022
ريتشارد هاس


ريتشارد هاس
الغد الاردنية
الاحد 21/8/2022
نيويورك- لقد تركّزت معظم النقاشات المتعلقة بالسياسة الخارجية في الولايات المتحدة الأميركية خلال الأسبوعين الماضيين على الحكمة من وراء زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لتايوان. يشير مؤيدوها إلى أنه كانت هناك سابقة لتلك الزيارة – لقد زار تايوان سابقاً رئيس مجلس نواب وأعضاء في مجلس الوزراء – وإن من المهم للمسؤولين أن يؤكدوا على التزام الولايات المتحدة الأميركية بتايوان في مواجهة الضغط الصيني المتزايد، ولكن المنتقدين يشيرون الى ان توقيت الزيارة كان غير موفق وذلك لأن الرئيس الصيني شي جينبينغ كان سيشعر بالحاجة للرد وإلا سيظهر كشخص ضعيف قبيل المؤتمر الحاسم للحزب في الخريف القادم. لقد كانت هناك مخاوف كذلك بأن الزيارة قد تؤدي لجعل شي جينبينغ يقدّم المزيد من الدعم للعدوان الروسي على أوكرانيا.
لكن التركيز على زيارة بيلوسي في غير محله فالسؤال المهم هو لماذا لم تكتف الصين في ردها على الزيارة بإدانتها فقط بدلاً من حظر الواردات والصادرات والهجمات السيبرانية والتمارين العسكرية والتي شكّلت تصعيداً كبيراَ مقارنة بالأفعال الصينية السابقة لمعاقبة وترهيب تايوان.
 إن التصرفات الصينية لم تكن من الأمور الحتمية فالقيادة الصينية كان لديها خيارات حيث كان من الممكن ان تتجاهل زيارة بيلوسي أو تقلل من أهميتها. ما رأيناه كان رد فعل اختياري وحتى نكون أكثر دقة رد فعل مبالغ فيه. يشير حجم الرد الصيني وتعقيده إلى أنه قد تم التخطيط له منذ فترة طويلة مما يوحي أنه حتى بدون زيارة بيلوسي، كانت الصين ستستغل ببعض التطورات الأخرى كذريعة “لتبرير” تصرفاتها.
 إن الوضع السياسي والاقتصادي الداخلي المشحون بشكل متزايد في الصين يفسّر الى حد كبير رد فعل شي جينبينغ فأولويته هو أن يتم تعيينه لفترة ثالثة غير مسبوقة كزعيم للحزب الشيوعي الصيني ولكن لم يعد بالإمكان الاعتماد على الأداء الاقتصادي للبلاد والذي كان لعقود المصدر الأساسي للشرعية بالنسبة للقادة الصينيين وذلك بسبب تباطؤ النمو وارتفاع البطالة وانفجار الفقاعات المالية. ان إصرار شي جينبينغ على التمسك بسياسة صفر كوفيد كانت محل انتقاد على الصعيد المحلي وساهمت في تخفيض النمو الاقتصادي.
 يبدو على نحو متزايد ان شي جينبينغ يلجأ للمشاعر القومية كبديل فعندما يتعلق الأمر باستحضار الدعم الشعبي في الصين فلا يوجد أمر يمكن ان ينافس التأكيد على سيادة الصين على تايوان.
إن استعداد الصين لتصعيد التوترات يعكس كذلك ارتياحها المتزايد لأخذ المخاطرة وعلاقاتها السيئة مع الولايات المتحدة الأميركية. لقد تحطمت الآمال في الصين بأن العلاقات قد تتحسن في أعقاب رئاسة دونالد ترامب وتولي إدارة الرئيس جو بايدن حيث قامت إدارة بايدن بشكل عام بتوسيع السياسة التي ورثتها والمتعلقة بالصين. لقد تكررت الاتهامات العلنية وأصبحت الحوارات الخاصة نادرة. ما تزال الرسوم الجمركية على الواردات من الصين سارية المفعول. وبالتالي، من المرجح أن شي جينبينغ قد استنتج أنه ليس لديه الكثير ليخسره في الرد على زيارة بيلوسي. ان قراره اللاحق بقطع العديد من الحوارات مع الولايات المتحدة الأميركية- بما في ذلك تلك المتعلقة بتغير المناخ وتهريب المخدرات – يدل على ارتياحه لتدهور العلاقات.
 ان الخطر واضح ومع الإشارات التي تأتي من الصين بأن نشاطاتها العسكرية بالقرب من تايوان هي الوضع الطبيعي الجديد، فإن هناك خطرا أكبر بوقوع حادث يخرج عن نطاق السيطرة، والأخطر من ذلك كله هو ان تقرر الصين بأن خيار “ إعادة التوحيد السلمي” يتلاشى كخيار حقيقي ولأسباب ليس أقلها ان الصين قد جعلت العديد من التايوانيين ينفرون منها وذلك عندما تخلت عن التزامها “ ببلد واحد ونظامين” بعد ان استعادت السيطرة على هونغ كونغ ، وفي مثل هذا السيناريو قد تقرر الصين انه يجب عليها استخدام القوة العسكرية ضد تايوان لإنهاء النموذج الديمقراطي في تايوان والذي يجعلها مثالاً يُحتذى به وتجنب أي تحرك ملموس نحو الاستقلال.
 إذن، ما العمل؟ أما الآن وقد أظهرت الصين الإرادة والقدرة على استخدام قوتها العسكرية التي تتزايد قدراتها في أماكن أبعد، فإنه يجب إعادة إرساء الردع وهذا يستوجب تعزيز قدرة تايوان على مقاومة أي استخدام صيني للقوة وزيادة الحضور والتنسيق العسكري الأميركي والياباني والتعهد بوضوح بالدفاع عن تايوان عند الضرورة. سوف يكون من المهم إظهار ان الولايات المتحدة الاميركية وشركاءها ليسوا منشغلين بروسيا لدرجة عدم تمكنهم من حماية تايوان أو عدم رغبتهم بعمل ذلك.
 
ثانياً، يجب إعادة صياغة العلاقات الاقتصادية مع الصين. لقد أصبحت تايوان وغيرها في آسيا بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية بالإضافة الى بلدان في أوروبا تعتمد بشكل متزايد على الوصول للسوق الصيني والواردات من الصين مما يعني أنه في حالة وقوع أزمة فإن العقوبات قد لا تكون أداة سياسية قابلة للتطبيق، والأسوأ من ذلك أن الصين قد تكون في موقع يؤهلها لاستخدام النفوذ الاقتصادي ضد الآخرين للتأثير على أفعالهم. لقد حان الوقت لتخفيض مستوى الاعتماد التجاري على الصين.
 
تحتاج الولايات المتحدة الأميركية كذلك الى سياسة منطقية ومنضبطة تتعلق بتايوان. يتوجب على الولايات المتحدة الأميركية الاستمرار في التمسك بسياستها المتعلقة بصين واحدة والتي ساهمت بشكل غير مباشر في نهاية المطاف بصياغة العلاقة بين الصين وتايوان. لا يوجد أي مجال للأعمال الأحادية سواء كانت عمل عدائي من قبل الصين أو التأكيد على الاستقلال من قبل تايوان، وبغض النظر عن الوضع النهائي لتايوان فإن ما يجب أن يكون مهمًا حسب المنظور الأميركي هو أن يتم تحديد ذلك الوضع بشكل سلمي وبموافقة الشعب التايواني.
 إن من الضروري أيضا وجود جهود حثيثة لبناء علاقة عصرية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين. إن السماح للعلاقة الثنائية الأكثر أهمية في هذه الحقبة، والتي سوف تساهم بشكل كبير في تحديد الجغرافيا السياسية لهذا القرن، بالاستمرار في التدهور يُعتبر إهمالاً دبلوماسياً أو حتى سوء تصرف. إن إقامة حوار خاص رفيع المستوى يعالج أهم القضايا الإقليمية والعالمية، سواء كانت مصدر للخلاف أو التعاون المحتمل، يجب أن يكون أولوية قصوى. ما لا ينبغي أن يكون أولوية قصوى هو محاولة إحداث تحول في السياسة الصينية وهو أمر قد يكون مستحيلاً ناهيك عن الإضرار بالعلاقات الثنائية.
 يقول المثل القديم لا تدعوا الأزمات تذهب سدى والأزمة الحالية حول تايوان ليست استثناء فهي عبارة عن جرس إنذار لواشنطن وتايبيه ولشركائهم الاستراتيجيين في أوروبا وآسيا يجب أن يأخذوه على محمل الجد بينما ما يزال هناك متسع من الوقت والفرصة لعمل ذلك.
 
ريتشارد هاس هو رئيس مجلس العلاقات الخارجية ومؤلف كتاب العالم: مقدمة مختصرة (مطبعة بينغوين ،2020 ).
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت.