الرئيسة \  مشاركات  \  صالح العلي أمام القاضي الفرنسي

صالح العلي أمام القاضي الفرنسي

21.04.2013
د. يوحنا أبو حرب


تقول الرواية الموثقة ان الجنرال (بيلوت) سأل صالح العلي إثر إعلان المستعمر عفواً عاماً عن سبب تأخره بالقدوم إليهم فأجاب وكان عليه آيات من المهابة والجلال:
" تسألني عن تأخري عن الاستسلام؟ بل سلني، لماذا افعل ذلك. فوالله لو بقي معي عشرة رجال مجهزين بالسلاح لما تركت ساحة القتال ".
سأله الجنرال مستهزءا: "أبعشرة مقاتلين يمكنك أن تعمل عملا عسكريا؟"
أجاب المجاهد: " نعم, لأن كل واحد من هؤلاء العشرة يعرف السبب الذي من أجله يحارب ، وهو يؤمن بأن الموت حق، وانه على حق، وانه لا خير في حياة مع ذل، وحسب الحر أن يموت نبيلا او يحيا ليبني مجدا أثيلا. ان الثورات كالحروب تكسب بهمة الرجال وبتصبرهم واعتمادا على ايمانهم بحقهم أكثر مما تكسب اعتمادا على وفرة السلاح وكثرة الجيوش وما أسرع ما تتحرك الضمائر وتنتفض المشاعر ويجتمع الأحرار من جديد لاستعادة الحقوق "
فقال الجنرال: معنى هذا انه لو توفر لك السلاح تعود للقتال ؟!
فأجابه المجاهد البطل شعرا:
 
أحلامنا تزن الجبال رزانة      ويزيد جاهلنا على الجهال
 
قال له الجنرال: " إننا نبذل المال والدم لنحميكم "
قال المجاهد: " من لنا بمن يحمينا منكم ؟!
 الوطن يدافع عنه قاطنوه ؛ والتاريخ شاهد ان ما من أمة رضيت أن يدافع عنها غيرها لحماية بلدها، إلا ندمت لعاقبة أمرها، وتردت في مهواة تفريقها "
قال الجنرال: إن نيتنا تجاهكم طيبة ومبادئ فرنسا بالحرية والمساواة والعدالة معروفة.
رد المجاهد: "نعم، نشعر بالحرية وقد كممتم أفواهنا، ونعيش حياة نيابية وقد وأدتموها، نعيشها عن طريق تدميركم لبيوتنا وانتهاكم لحرماتها وترويع نسائنا وأطفالنا، وعن طريق محاكمكم العسكرية الميدانية، وانتهاك حرمة القضاء. ان العبرة في الاخلاص للمبادئ والشعارات لا الاتجار بها ."
غضب الجنرال من المجاهد ولكنه في الوقت ذاته أبدى اعجابا بصرامته وقوة بيانه وسعة علمه فقال له:
 ( اني وجدتك اعظم من اجتمعت به معرفة واسماهم ادراكا واني على يقين بانك أقوى الأهلين سلطانا على نفوس الشعب ومقدرة لحكم البلاد فلما لا تكون في منصب حاكمية جبال العلويين )
. فأبى المجاهد بشمم. ولما سأله الجنرال عن السبب. أجاب:
 " الامة بحاجة إلى كمجاهد ؛ وهي لا تحتاج إلي كعون لتحكموها. فهنالك غيري يوطد لكم الحكم من الذين لا يؤمنون بقوله تعالى:
( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) .// بالمناسبة ؛ ربما لم يكونوا قد تعرفوا بعد على جد حافظ الأسد //
فانتفض الجنرال من الغيض وصرخ: هل نحن ظالمون؟
فقال المجاهد الورع بكل رصانة علم:
" … الظالم من تستفحل فيه شهواته وتتنمر أهواؤه ليكون سبب شقاء غيره فيسلبه ملكه أو حياته أو أمنه أو سلامته أو يتعدى على حقوقه. وان من الظلم أن يعتز بجبروت ويتعالى باستكبار، وان تجعل القوة التي باليد اسواط عذاب تمزق به الأجسام وتستنزف الدماء. فهل تفعلون شيئا من هذا؟!
 سكت المجاهد لبرهة وتابع:
" قد يعفو من يُعتدى على ماله، وقد يغفر من يُقال بحقه سوء، ولكن من يُتعدى على رزقه ويهان ويُسرق ويُدمر بيته ويقتل أهله فلا بد أن يتحسس الظلم. أوهل تفعلون شيئا غير هذا؟!
****
جانب مما تعيشه سوريا هذه الأيام يشبه هذه القصة. فمن قال ان التاريخ لا يعيد نفسه؟! ما أشبه الأمس باليوم . انها الاعادة ولكن بلبوس مختلف؛ ولكن المشكلة ان من يقوم بدور المستعمر ليس الا ابن البلد.
ألا تشبه هذه القصة مثول أحد المطلوبين أمام رجل أمن سوري؟ هي تماما كذلك ؛ ولكن بفارق بسيط تدل عليه القصة التالية؛ وهي موثقة أيضا:
" مَثَل محاميان أمام الجنرال علي مملوك مدير إدارة المخابرات العامة السورية (أمن الدولة). بدأ التحقيق معهما. بعد دقائق أتت الجنرال مكالمة هاتفية تخبره بوجود حالة أمنية مستعجلة . وقف الجنرال واستل مسدسه ، و أطلق عليهما النار ، وأرداهما قتلى في مكتبه؛ قائلا : " ما عندي وقت لهلكلام الفارغ ؛ شيلو هالكلاب لبرى ".
القصة ذاتها ، بفارق بسيط ، أليس كذلك؟! مسكينة سوريا على هذا البلاء، ولكن الله أكبر …سوريا باقية والظلم زائل حتما فرنسيا كان أم محلياً.