الرئيسة \  واحة اللقاء  \  صباح من الجحيم في غوطة دمشق

صباح من الجحيم في غوطة دمشق

23.08.2013
باتر محمد علي وردم

الدستور
الجمعة 23/8/2013
سوف يسجل التاريخ بحروف من عار أنه منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى تم استخدام الغازات الكيماوية السامة في الحروب مرتين، وكانتا في العالم العربي وضد الشعوب العزلاء من اي سلاح. فعلها صدام حسين في حلبجة في العام 1988 ولم نصدق ذلك وقتها لأننا كنا جميعا معجبين ببطل القومية والصمود. في حلبجة لم تكن هنالك قنوات فضائية ولا هواتف نقالة ولا إنترنت ولا وسائل تواصل اجتماعي ومات ضحايا الهجوم الوحشي بألم صامت ولم تعرف الحقيقة إلا بعد عدة سنوات.
في صباح يوم الأربعاء انفتح الجحيم وأطلق شيطان على هيئة بشر صاروخا محملا بسلاح كيماوي على السكان في غوطة دمشق. عدد الضحايا يتراوح بين 500-1200 بدون وجود مصدر معلومات موثق يقدم للعالم حقيقة هذه المذبحة المروعة. فريق التفتيش الدولي حول الأسلحة الكيماوية موجود في سوريا الآن وحدوث هذه المجزرة في توقيت وجود الوفد اثار الكثير من اللغط ومنح النظام ورقة ولو ضعيفة للمناورة والقول بأنه من الصعب تخيل قيام النظام بتنفيذ هذه الجريمة في نفس توقيت وجود الفريق وأن المعارضة هي التي تريد تحشيد العالم ضد النظام.
لا جدال في وحشية النظام السوري، ولا جدال في أن في هذا النظام بدءا برئيسه حتى اي مجند فيه يحمل عقيدة الكراهية قادر على ارتكاب هذه الجريمة المروعة لأنه ارتكب مثلها. من ذبح الأطفال والنساء بالسكين في داريا ومواقع أخرى في سوريا لن يهتز له ضمير إذا أطلق صاروخا كيماويا على السكان، ولكن السؤال يبقى حول المصلحة السياسية لأية جهة في ارتكاب الجريمة.
الفوضى الهائلة في سوريا، وتفكك قوى المعارضة إلى عدة جهات وانتشار مستويات الحقد في أعلى مراتبها بين الفئات المتقاتلة يجعل امكانية استخدام الأسلحة المحرمة دوليا متاحة من قبل الجميع في حال وصولها إلى الأيادي لأن الموانع الأخلاقية باتت شبه منتهية وعند كافة الأطراف. حقيقة ما حدث في الغوطة يجب أن تكشف للعالم وهذه مرحلة لا يمكن السكوت عليها وفي حال تم تقييد الجريمة ضد مجهول أو الاستمرار في تبادل الاتهامات فإن الضحايا سيكونوا قد قتلوا مرتين في منتهى البشاعة.
مشهد الأطفال المختنقين أمر يجمد الدم في العروق ويجعل اي شخص يكره نفسه وهو يشعر بأنه لا يزال قادرا على ممارسة حياته بشكل طبيعي وسط كل هذا الموت والفظاعة التي باتت شبه اعتيادية في العالم العربي في سياق تراجع قيمة الإنسان.
ما هي المصلحة السياسية وراء هذه الجريمة؟ هل يريد النظام السوري إظهار مدى استهتاره بالقيم والمبادئ ويقصف شعبه بالكيماوي في وجود المفتشين الدوليين الذين لن يسمح لهم بدخول المنطقة؟ هل تجاوز الشبيحة والمقاتلين الحاقدين الداعمين للنظام الحدود السياسية وارتكبوا الجريمة بدون قرار سياسي أعلى؟ هل انحدر بعض مقاتلي المعارضة إلى الدرك السفلي وقتلوا الأطفال من أجل دفع العالم الصامت والمتردد إلى التدخل العسكري للقضاء على النظام السوري والذي لا يستحق البقاء اصلا؟.
إذا كان النظام واثقا من عدم ارتكابه الجريمة عليه أن يسمح لمفتشي الأمم المتحدة بالتحقق من الواقع والتفاصيل الدقيقة لما حدث ونوعية الأعراض وطريقة تعامل السكان الآخرين مع المصابين ومدى ظهور أعراض جانبية وغير ذلك من القضايا التي سوف تساهم في معرفة الحقيقة وتضييق لائحة المشتبه بهم.
أرواح هؤلاء الملائكة التي صعدت إلى بارئها في فجر يشبه الجحيم تناشد الجميع معرفة الحقيقة وإدانة المسؤول وليس تبادل الشتائم والتهم، وبدون ذلك سوف تبقى غوطة دمشق في التاريخ لعنة أخلاقية تطارد الجميع وتصبح صور الأطفال المختنقين بديلا عن الحدائق الغناء في مخيلة جميع السوريين والعرب.