الرئيسة \  واحة اللقاء  \  صبرا أطفال سورية الحبيبية

صبرا أطفال سورية الحبيبية

27.10.2013
بن العربي غرابي



القدس العربي
السبت 26/10/2013
مروة، ابنتي الصغرى، تكاد تطفئ شمعتها الثالثة، ناحلة كقصب الكتابة لكنها كثيرة الريق وخصيبة مرعى الكلام، مشغولة بماضيها الطارف، تكرر مشاهده دون تبرم وكلل، ودائمة التعليق على ما تدهمه ويدهمها من وقائع رتيبة، لا تنشغل بالطموحات وما هو آت الا اذا كان متعلقا بطعام محلى او كسوة او كسرة من لعبٍ مع زميلها وجارها الصغير ‘العربي’ الذي يحاول جاهدا برجولته الواعدة ان يستدرجها ويقودها ويفرض عليها أسلوبه، ولكنه ينهار أمام شخصيتها السريالية المراوغة والمتهورة والكثيرة الحركة.
وأنا أحملها على كتفي ذات منتصف نهار معتدل، باتجاه النهر المجاور لقراءة أمواجه والقاء التحية على شجيراته التي تتشبث بالبقاء على ضفتيه، سمعنا أصوات رصاص ليس ببعيد عن مسامعنا، يسكت لفترة ثم يتجمع لينطلق بقوة على شكل زخات عاصفية تسك الآذان وتكاد تخترق طبلاتها. لم تبك طبعا، لكنها شعرت بالخوف والتوتر فظهرا على محياها وقسماتها على شكل تموجات على جبينها الصغير، وضممتها بقوة الى صدري حيث تستشعر الامان والسعادة والطمأنينة والحماية. ظننتُ لاول وهلة ان الرصاص مصدرُه تداريب عسكرية في ثكنة محاذية للمدينة، لكنني ادركت للتو ان ذلك الرصاص ينبعث من مهرجان قريب جدا من حينا حيث البارود والاهازيج وركوب الخيل والاستقرار.
يا عجبا، كيف لصوت البارود الذي دجنته الاسماع في اجواء احتفالية مفعمة بالحياة والمرح والامتلاء ان يخيف الاطفال ويقض مضاجعهم ويمنعهم من اللعب امام اعتاب بيوتهم ولم يروا من قبل دماء ولا قتالا ولا نعوشا ولا جثثا ولم يتعودوا ابدا علة متابعة مشاهد الابادة الجماعية وانهار الدماء وصفوف جثث الاطفال المسجاة والمغطاة بأزر بيضاء عليها خرائط حمراء من دماء متخثرة؟
ثم قفزت مخيلتي سريعا الى اطفال سورية الحبيبة الذين يحبون الرقص اسوة بأجدادهم ومطارحة الفنون ومنادمة ومعاقرة الحياة التي ورثوها كابرا عن كابر، هاهم اليوم ـ اطفال سورية ـ اذا فتحوا شبابيك غرفهم صباحا لاستقبال النسيم رأوا دبابات تسعى وعلى خراطيمها القذرة شبقُ القتل، ورأوا الحدائق محطمة والنصُبَ التي تقاسمت الحياة مع السكان مائلة او متطايرة الاشلاء، ورأوا الجدران كيف اخترقها الرصاص المجنون الآبق وعبث بطلانها الشرقي الجميل، ورأوا آثار الندوب والنحيب على الابواب والنوافذ والطرقات.
لا يسمع الطفل السوري قبل النوم حكايات العجائز عن الشباب الذين يغامرون ويصبرون ويتزوجون بحبيباتهم بنات السلاطين في النهاية فيتضخم الطموح ويتسع الحلم، ولا حكايات الجدات والامهات عن صراع الخير والشر واندحار الشر امام تماسك الخير وفطريته وثباته. اطفال سورية لا يستدرجهم الكبار الى النوم بالحكايات، بل يوقظهم نعيب القذائف منذ الاغماضة الاولى فيرحل النوم بعيدا عن اجفانهم المقروحة.
لكَم اسعد عندما تستغرق مروة ابنتي في النوم العميق، وكثيرا ما اوظب افرشتها واغطيتها وهي نائمة دون ان تشعر بي، ولكنني لا املك قدرة على التربيت على رؤوس الاطفال السوريين ولا ترتيب افرشتهم. والغريب ان الكثير من الكبار في هذه الارض التي نَدين بأمومتها ينشغلون بتنظيف البنادق واحتضان الهاون على تهدئة الاطفال وتأمينهم. ولا أملك الا ان اقول: متى يحتكم الكبار في سوريا الى نداء العقل والحوار ليستردوا النوم الذي هجر عيون الاطفال السوريين الابرياء؟؟؟؟؟؟.
، المغرب