الرئيسة \  واحة اللقاء  \  صراع التأويلات في الأزمة السورية

صراع التأويلات في الأزمة السورية

27.10.2015
د. علي بن حمد الخشيبان



الرياض
الاثنين 26/10/2015
    لا تبدو فكرة السيطرة على التوتر القائم بين الدول المجتمعة في فينا سهلة المنال، فهناك الكثير من المسارات المتعارضة فيما بينها في قضية بقاء الأسد من عدمه في السلطة حيث بدا للعالم أن الأسد محور مهم في فرض الاستقرار الذي لن يحدث أبداً، فالأسد ومنذ بداية الأزمة لم يكن راسخاً بفعل قوته وقدرته على ضمان استقرار سورية، لقد بقي الأسد طوال خمس سنوات مضت ملتصقاً بعامود الدولة السورية بفعل مادة سياسية لاصقة من صنع روسي وتركيب إيراني، وهذا ما يعنى أن تأثيرات الأسد المزعومة في إحداث التوازن السياسي في سورية لم تكن سوى خدعة سياسية.
إن فكرة المرحلة الانتقالية وبقاء الأسد لفترة من الزمن في السلطة فكرة تبدو صعبة المنال سياسياً ليس من حيث فرضها ولكن من حيث تأثيرها، فقد تتمكن روسيا من فرض هذه النظرية تحت حماية متعمدة للأسد، ولكن المساحة السورية لن تتمكن من حمل هذه الفكرة إلى الواقع
الغرب وتحديداً أميركا عملت على تأصيل فكرة الخوف من تكرار التجربة العراقية وانهيار مؤسسات الدولة بعد إسقاط صدام حسين، أميركا التي روجت لفكرة أن سقوط الأسد وخروجه من السلطة قد يؤدي إلى ذات النتيجة، فقد كانت هذه فكرة استثمارية عملت أميركا على ترويجها على اعتبار أن ماحدث في العراق كان خطأ استراتيجياً حيث عمت الفوضى العراق بعد سقوط صدام حسين.
من المهم عدم تصديق هذه الفكرة، فدولة مثل أميركا عملت ذلك متعمدة وكانت تتوقع نتيجة مفادها أن الفوضى تخلق التنظيم من تلقاء نفسها وتعيد إنتاج المجتمع العراقي، وهذه كانت الفكرة الأولى (للفوضى الخلاقة) لذلك أميركا تبحث عن نتيجة مختلفة في سورية ولكنها جاءت متأخرة جداً بعد ما تم اجتياز الكثير من خطوطها الحمراء، ولذلك جاء استثمار روسيا لهذا الموقف الأميركي المتراجع ليشكل خطوة مهمة قفزت بالدور الروسي خطوات كثيرة نحو مقدمة الدول المؤثرة في العالم بعدما كادت روسيا أن تتحول وتذوب إمبراطوريتها الموروثة كما حدث لبريطانيا وفرنسا خلال قرن مضى من الزمن.
السؤال المهم حول هذا النشاط السياسي الأميركي المتأخر حول الأزمة السورية، لم يعد هناك من شك أن أكثر الحلول تأثيراً في سورية تملكه روسيا، وهذا كما بدا للعالم سببه تراجع أميركي في المنطقة هذا التراجع شجع إيران وشجع روسيا أن تكونا في مقدمة المؤثرين، أميركا التي تحاول أن تعود لحلفائها في المنطقة قد تكون تأخرت كثيراً لذلك نجد أن اللغة السياسية السعودية والتركية أكثر صرامة ووضوحاً من اللغة السياسية الأميركية لأنه لم يعد هناك من فرصة أخرى أمام تراجع القوى العالمية في منطقة الشرق الأوسط وفتحها أمام روسيا.
لن يكون من السهل على روسيا أن تطلب من الأسد المغادرة لمجرد أن الآخرين يريدون ذلك، روسيا اليوم تمارس دوراً قوياً لا يمكن إنكاره وهذا بالتأكيد سببه فشل السياسة الغربية في المنطقة وهذه حقيقة لابد من التعاطي معها بكل واقعية، لقد أصبحت أميركا هي التي تنسق مع روسيا وليس العكس، لذلك فإن ما يفاجئنا في المنطقة هو تحول تلك الحقيقة التاريخية التي اعتادت عليها المنطقة منذ بداية السبعينات الميلادية حيث كانت تتحمل مع حلفائها مسؤولية رعاية المنطقة وفرض السلام فيها.
صراع التأويلات في المنطقة حول سورية يتمايل بين شعوب لا يمكنها استيعاب التحولات السياسية التي تحدث في المنطقة وخاصة من القوى الغربية التي كانت تتصدر المسارات السياسية لتحقيق الاستقرار في المنطقة، على الجانب الآخر تواجه دول المنطقة تحدياً في تحقيق وكسب المزيد من القدرات في الاعتماد على النفس واكتساب الخبرة الكافية لتحقيق الاستقرار.
خلال الخمسة أعوام الماضية تم استخدام كلمة (استقرار المنطقة) عشرات المرات من السياسين وكان هذا مؤشراً على رؤية واقعية حول أزمة عدم الاستقرار التي يمكن أن تتعرض لها المنطقة، وهذا ما جعل السياسيين في المنطقة يضعون أمامهم تفسيرات متباينة وبعضها متضاد في الرؤية السليمة لتحقيق هذا الاستقرار على المدى الطويل.
في سورية التي ترتكز أزمتها على معطيات متعددة ساهمت في تنامي التفسيرات والرؤية حول أنجع الحلول المقترحة، هذه المعطيات متناقضة من حيث وجهة نظر الدول ذات العلاقة المباشرة في تأويلات الأزمة السورية، فمعادلة روسيا في سورية على سبيل المثال تقوم على بقاء الأسد من أجل محاربة الإرهاب، ومعادلة أميركا تقوم على محاربة داعش وفي ذات الوقت تتحاشى أميركا مواجهة مع روسيا وإيران في سورية، معادلة تركيا في سورية تقوم على حقيقة واحدة هي قمع الأكراد وعدم تمكينهم مما يهدفون إليه من إنشاء دولتهم على حدودها وتقوية موقفهم السياسي في شمال العراق وسورية.
السعودية وهي الدولة الأكثر تأثيراً في المنطقة تقوم معادلتها كما يظهر ذلك من خلال تصريحات وزير خارجيتها على ضرورة رحيل الأسد وحماية الشعب السوري وتقليم أظافر إيران في سورية وفك الاحتلال الإيراني لسورية وإعادة مليشيات حزب الله إلى لبنان وتمكين الجيش الحر والشعب السوري من الوصول والمشاركة في المرحلة الانتقالية.
سورية وحتى هذه اللحظة يهجّر سكانها إلى أوروبا وتحتل (داعش) جزءاً من أرضها وتتصارع منظمات الإرهاب في مدنها وقراها ويقتل فيها الشعب السوري كل يوم بالقنابل والبراميل المتفجرة، حتى ان عدد القتلى اليوم يتجاوز ربع مليون إنسان سوري وهؤلاء قتلهم الأسد لوحده، هذا عدا من قتلتهم داعش أو الجماعات الإرهابية أو من قتل من الجيش الحر، هذا المشهد الدموي هو أسوأ المشاهد الذي شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
السؤال الأخير: هل يمكن تصديق الغرب وروسيا وخوفه المزعوم من فوضى سياسية يمكن أن تحدث في سورية في حال ذهاب الأسد، لا يمكن التصديق لأنه ليس هناك فوضى سياسية يمكن أن تكون أكبر من تلك التي تحدث في سورية اليوم.
إن فكرة المرحلة الانتقالية وبقاء الأسد لفترة من الزمن في السلطة فكرة تبدو صعبة المنال سياسياً ليس من حيث فرضها ولكن من حيث تأثيرها، فقد تتمكن روسيا من فرض هذه النظرية تحت حماية متعمدة للأسد، ولكن المساحة السورية لن تتمكن من حمل هذه الفكرة إلى الواقع وهذا ما يجعل الأزمة السورية أمام مزيد من الدموية والصراع المتناقض سياسياً وأيديولوجياً ما لم يرحل الأسد.