الرئيسة \  واحة اللقاء  \  صراع الـ"لاإستراتيجيا" في سورية

صراع الـ"لاإستراتيجيا" في سورية

15.11.2015
منار الرشواني



الغد الاردنية
السبت 14/11/2015
كما علق معنيون بالشأن السوري، فإن تصريحات وزير الخارجية الأميركي الأحدث، في "معهد الولايات المتحدة للسلام"، يوم أول من أمس، لم تحمل جديداً في رؤية وموقف إدارة الرئيس باراك أوباما على هذا الصعيد. وغياب الجديد هنا ملخصه "غياب الاستراتيجية الأميركية" للتعاطي مع الصراع في سورية. لا يؤكد ذلك فقط مسؤولون سابقون في إدارة أوباما ذاتها، بل الأهم هو التضارب والتناقض الواضحين تماماً في السياسات الأميركية على أرض الواقع.
في المقابل، يكاد يتفق خصوم الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة، كل لأسبابه المتناقضة حتماً، على أن خصم أميركا الأول حالياً، وهو روسيا، تمتلك رؤية واضحة لما تريد في سورية، وهي تتخذ، من ثم، خطوات صريحة باتجاه تنفيذها.
لكن، هل يمكن فعلاً القول إن رؤية روسيا بشأن سورية ترتقي إلى مستوى الاستراتيجيا، التي تفتقر لها الولايات المتحدة؟ حتى الآن، تُسهّل الوقائع والحقائق الإجابة بالنفي، على خلاف السائد!
فمنذ تدخلها قبل أكثر من شهر، يبدو جلياً أن الهدف الروسي المركزي هو الحفاظ على بشار الأسد؛ إن بشخصه أو بنظامه. وهو ما لا يشكل بداهة استراتيجيا، أياً كانت درجة وضوحه، بل ربما العكس؛ أي مؤدى ذلك تعميق التهديد الاستراتيجي لروسيا، كما لسواها، خصوصاً دول الإقليم.
تعزز هذا الأمر فعلاً، فيما يتعلق بروسيا تحديداً، بتفجير الطائرة فوق سيناء المصرية، وتبني تنظيم "داعش" مبكراً للعملية. هذا برغم أن كل التحليلات تؤكد أن القصف الروسي، منذ بدئه، يستهدف أساساً فصائل المعارضة السورية وليس التنظيم. وليتلو ذلك، أول من أمس، إصدار مصور لداعش، يتعهد فيه بنقل معاركه قريباً إلى الأراضي الروسية.
وبالتالي، فحتى لو كانت روسيا تريد فعلا محاربة "داعش" في مرحلة لاحقة، بعد تأمين الأسد أو فرض بقائه، فإن الوقت الفاصل بين ما يجري الآن وبين وقت المواجهة المؤجلة مع التنظيم، قد يكون كافياً تماماً لخروج الأمور عن السيطرة، فلا يعود ممكناً أبداً استئصال التنظيم.
والحديث عن "داعش" هنا، كما هو منطقي ومجد، ليس حديثاً عن "داعش التنظيم"، بل هو عن "داعش الفكر" المتطرف. فهذا الأخير لا يمكن استئصاله بالعمل العسكري الأمني الخالص، بل هو قد يستفيد من ذلك تماماً، وإن ظهر تحت مسميات مختلفة. ألم تنجب "القاعدة" تنظيم "داعش" بفضل الحل العسكري المتضافر مع غياب الحل السياسي في العراق؟ وهو ما ينطبق على الدور الروسي الحالي في المنطقة، إن واصل الارتكاز إلى الحل العسكري وحده في سورية، بحيث يتم النظر إلى روسيا باعتبارها قوة احتلال وهيمنة، تماماً كما الولايات المتحدة.
طبعاً، نستطيع ادعاء أن "داعش" مشكلة مناهج فقط يجب تغييرها، أو مؤامرة دولية-إقليمية يتم التصدي لها بدعم الاستبداد والفساد. لكن علينا تذكر أن تبرير كل الجرائم بحق المدنيين "نكاية" بالعدو، إنما بدأ كصناعة "علمانية" قومية ويسارية، تجاه الولايات المتحدة خصوصاً، حد اصطفاف قوميين ويساريين -من المتباكين الآن على الدولة المدنية في العالم العربي- مع السلفيين المتطرفين في مرحلة سابقة، وتمجيد بن لادن شخصياً.
بالنتيجة، فإن الاستراتيجيا الحقيقية هي تلك التي تجفف الطلب على الفكر الإرهابي، علمانياً كان أم دينياً، باعتباره غطاء لمظالم (قد تكون محقة أو غير محقة). وليكون صحيحاً أن ما نراه في سورية حتى اللحظة، هو صراع بين لاإستراتيجيا أميركية ولاإستراتيجيا روسية، بالإضافة حتماً وبداهة إلى لاإستراتيجيا عربية. ومع هكذا صراع لا يمكن توقع إلا نشوء الفوضى. لكنها فوضى لن تقتصر على سورية (والعراق)، والشواهد كثيرة ومتزايدة.