الرئيسة \  واحة اللقاء  \  صراع دبلوماسي بمحورين على اللجنة الدستورية السورية

صراع دبلوماسي بمحورين على اللجنة الدستورية السورية

29.10.2018
رانيا مصطفى


العرب اللندنية
الاحد 28/10/2018
منذ الأسبوع الماضي، يتركز صراع المصالح والأجندات في سوريا على اللجنة الدستورية. ويتوقع أن يستمر هذا الصراع خلال الأيام القادمة. رفضت دمشق وطهران، وبدفع روسي، قائمة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا للمجتمع المدني، فهي تريد السيطرة على أغلبية الثلثين في اللجنة، كما أنها اشترطت رئاستها، وبالتالي عرقلت محاولة دي ميستورا الأخيرة للتقدم في مسار جنيف التفاوضي.
نعى دي ميستورا مسار جنيف خلال إيجازه الذي قدمه لمجلس الأمن، الجمعة، بتحميل النظام السوري مسؤولية تعطيله. هذا الفشل الديمستوري سيعني تعطيل المسار، بانتظار مساع جديدة وجولات دبلوماسية سيقوم بها المبعوث الأممي الذي سيخلف دي ميستورا إلى سوريا.
تريد روسيا استغلال هذا الفراغ، بالدفع باتجاه الإصلاح الدستوري، وليس تغيير الدستور، ولا الإنقاص من صلاحيات الرئيس باتجاه صلاحيات أكبر لرئيس الحكومة، وفق ما يُطرح غربيا، عبر الوثيقة المسربة لـ”مجموعة الدول المصغرة” الـ 5الاحد 28/10/20182 (الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا والسعودية والأردن ومصر). فموسكو راهنت على بقاء الأسد، وتريد استعجال إعادة الإعمار وعودة اللاجئين.
القمة الرباعية بين روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا، التي كانت مقررة في 7 سبتمبر الماضي، أُلغيت حينها بسبب تهديد النظام السوري بشن هجوم على إدلب، وما سيتبعه من هجرة مليون سوري، قد يتسلل بينهم إرهابيون إلى الأراضي التركية ثم أوروبا، حسب تصريحات المسؤولين الأتراك حينها.
الآن، الحلف الروسي-التركي يريد إحداث اختراق في الموقف الأوروبي بإقناع فرنسا وألمانيا مبدئيا، في قمة إسطنبول الحالية، بجدوى مسار أستانة لخفض التصعيد، وبالتالي تشجيعهما على المشاركة في إعادة الإعمار وعودة اللاجئين.
تسمح روسيا للنظام بخرق اتفاق إدلب، والتصعيد بقصف معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي الشرقي؛ فهي تريد تهديد تركيا بإمكانية قلب الطاولة، وإلغاء اتفاق سوتشي، إذا لم تدعم الموقف الروسي في جذب كل من فرنسا وألمانيا إلى موقفها من العملية السياسية خلال اجتماع إسطنبول.
وتريد الضغط على تركيا للحصول على ضمانات إضافية بما يتعلق بقائمة المعارضة في اللجنة الدستورية، أي تريد تعيين معارضين موالين لها، لضمان أغلبية تسمح لها بفرض الإصلاح الدستوري الذي ارتأته في مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي مطلع هذا العام.
روسيا لم تراع مطالب الولايات المتحدة التي طُرحت في قمة هلسنكي، حيث نوقشت قضايا مختلفة (سوريا وأوكرانيا والإرهاب وأمن إسرائيل والأسلحة النووية والصاروخية)، وحول سوريا نوقش (توزع القوات العسكرية للبلدين والتواجد الإيراني والحل السياسي)
يضاف إلى كل ذلك التقارب الأميركي التركي الأخير، بعد إطلاق تركيا سراح القس الأميركي أندرو برانسون المحتجز لديها، والتفاهم حول منبج، ما يسمح لتركيا بكسب المزيد من القوة ضمن حلفها مع إيران وروسيا.
وتتمسك تركيا باتفاقات ميدانية معهما، ومستفيدة من حلفها الثلاثي بما حصلت عليه من مناطق نفوذ استراتيجية لها، خاصة في منطقتي عفرين وجرابلس؛ لكنها سياسيا تختلف مع حليفتيها، وتميل إلى الموقف الأميركي الغربي، كونه يعطي المعارضة دورا أكبر في الحل السياسي.
تركيا، التي ترعى المعارضة، دفعت رئيس هيئة التفاوض نصر الحريري للذهاب إلى موسكو الخميس الماضي، ثم لحضور مؤتمر دول المجموعة المصغرة في لندن الاثنين القادم، مدفوعا بقوة الموقف الأميركي المتعنت بخصوص رؤيته للحل في سوريا، والذي يشترط للمشاركة في إعادة الإعمار خروج إيران، والبدء بعملية سياسية أممية في جنيف مع تقليص صلاحيات الرئيس، ولامركزية دستورية تضمن استقلالية حلفائها في قوات سوريا الديمقراطية شرق الفرات.
وقبل التوجه إلى قمة إسطنبول، تشاور ماكرون مع ترامب في اتصال هاتفي حول القمة. ويبدو أن الموقفين الفرنسي والألماني سيكونان معنيين خلال القمة بما يتعلق باستمرار تخفيض التصعيد بالدرجة الأولى، وليس بالحل السياسي؛ فالتقدم لمناقشة الحل السياسي يتطلب حضورا أميركيا ترغبه روسيا، وقد تركت باب قمة إسطنبول مواربا أمام واشنطن، حين استثنت حضور إيران.
يرافق الحراك الدبلوماسي المحموم بخصوص اللجنة الدستورية تحركات عسكرية أميركية وروسية، كل من جانبه وفي مناطق نفوذه.
شملت التحركات الأميركية قاعدة التنف الحدودية مع العراق والأردن، وإرسال أسلحة إلى قوات سوريا الديمقراطية، ودخول المزيد من العربات العسكرية والذخائر عبر معبر سيمالكا الحدودي مع العراق إلى القاعدتين العسكريتين في حقلي التنك والعمر النفطيين بريف دير الزور، وإلى قاعدة هجين الحديثة شرق دير الزور
أما روسيا فنشرت قوات تابعة لها على أطراف البوكمال، إضافة إلى تجهيز مطار أبوالضهور في ريف إدلب الشرقي، ليكون مقرا لقائد ميليشيا قوات النمر، سهيل الحسن، الذي يحظى بحماية روسية شخصية.
روسيا لم تراع مطالب الولايات المتحدة التي طُرحت في قمة هلسنكي، حيث نوقشت قضايا مختلفة (سوريا وأوكرانيا والإرهاب وأمن إسرائيل والأسلحة النووية والصاروخية)، وحول سوريا نوقش (توزع القوات العسكرية للبلدين والتواجد الإيراني والحل السياسي)
وبعد الحظر الجوي الذي أقامته روسيا ضد إسرائيل بخصوص الضربات التي تريد شنها على المواقع التابعة لإيران وحزب الله، تزايد التنامي الإيراني بسرعة. وسمحت روسيا لإيران بالتواجد حتى في مناطق الجنوب السوري، في تحدّ لافت لكل من إسرائيل والولايات المتحدة.
وهذا يعني تعثر مخرجات هلسنكي؛ ما دفع واشنطن إلى استراتيجية جديدة في سوريا، تقوم على البقاء طويل الأمد شرق سوريا، بغرض عدم عودة تنظيم داعش وتراجع النفوذ الإيراني وضمان تنفيذ العملية السياسية وفق جنيف.
ضمن المعطيات الأخيرة، روسيا تسعى إلى تهدئة الجبهات، من أجل التفرغ لمسألة شرق الفرات. لذلك هي تسعى للحفاظ على اتفاق إدلب، وإن لوحت بغير ذلك، وتريد تعطيل مسار جنيف، والهيمنة على اللجنة الدستورية، وإقناع الغرب بأن ذلك هو الممكن، الذي عليهم القبول به والمشاركة في إعادة الإعمار؛ وقد تضغط على النظام لإنهاء ملف المعتقلين وعدم سحب الشبان إلى خدمة الاحتياط، لتطمين الأوروبيين بجدوى طرح عودة اللاجئين.
لكن الإصرار الروسي على مسار الإصلاح الدستوري يرافقه عناد أميركي على تحقيق “تقدم لا رجعة فيه نحو حل سياسي في سوريا” من خلال عقد اللجنة الدستورية في شهر نوفمبر، حسب ما قال وزير الخارجية الأميركي بومبيو للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتريش. وبالتالي نحن أمام معركة كسر عظم دبلوماسية، روسية-أميركية، حول تشكيل اللجنة الدستورية، والدستور، وصلاحيات الرئيس.