الرئيسة \  واحة اللقاء  \  صفقة عابرة!

صفقة عابرة!

03.09.2016
علي نون


المستقبل
الخميس 1-9-2016
الخبران الأبرز الآتيان من سوريا بالأمس كانا الأكثر مدعاة، في هذه المرحلة "العصيبة"، إلى تلقف وتصديق قصة رسم "الحدود" بالسكين داخل الجغرافية السورية، وبما يتناسب مع فكرة تحضير الديموغرافيا لمواكبة بعض مشاريع الحلول المرحلية المقترحة لـِ"الحل السياسي".
في مقابل السعي الى تصفية حي الوعر الحمصي من أهله، كانت المعارضة تتابع هجومها المفاجئ (والصاعق؟) في ريف حماة الشمالي، في موازاة استمرار العملية العسكرية المشتركة بين الأتراك و"الجيش الحر" في ريف حلب!
ويمكن مع بعض الخفر، وضع كل ذلك في سياق علني مفاجئ. وإضافة تفريغ داريا من أهلها والحديث عن "اتفاق" مماثل في معضمية الشام، إلى مقومات ذلك السياق.. ثم أخذ استراحة سريعة لتوسيع منافذ التنفس، قبل إطلاق افتراض مفاده أن هناك صفقة موبوءة يجري تنفيذها على حساب الأكثرية السورية.. أو بالأحرى، تجري محاولة لتنفيذها، واعتبارها (أقلّه راهناً) مقدّمة ميدانية لحل سياسي مرحلي، حتى لو كانت النيّة عند الإيرانيين جعله دائماً!
يمكن الاستطراد كثيراً وطويلاً في استعادة قياس المصالح الخاصة بكل طرف، إقليمي ودولي، للحكم على ما يجري.. لكن ذلك لا يعني وضع الجميع في خانة واحدة.. أي، بالعربي الفصيح، لا يمكن النظر إلى العملية العسكرية التركية في الشمال السوري على أنها جزء من سياق تآمري على الأكثرية السورية، لكن يمكن بسهولة اتهام الإيرانيين بأنهم لا يفعلون شيئاً خارج سياق التآمر على هذه الأكثرية! والعمل الحثيث على كسر حضورها أينما أمكن، وبما يسهّل محاولة تأمين الخط الممتد من طهران إلى شواطئ المتوسط في لبنان، مروراً بالعراق وسوريا!
والافتراض ببراءة الأتراك من المتاجرة بالدم السوري، تفرضه حقائق كثيرة، مبدئية وعملية، أساسها أن أنقرة تعمل على حفظ أمنها القومي ومنع تعريضه لانتكاسات ذات طابع بعيد المدى، وذلك يستدعي تكتيكات تبدو في ظاهرها مؤلمة (على ما قال بن علي يلدريم) لكنها في المحصلة لن تكون لمصلحة المحور الآخر ولا لسعيه الإبادي إلى إنتاج حقائق مناقضة لما هو قائم في سوريا منذ مئات السنين!
والواضح أن الأتراك "أخذوا" من الإيرانيين والروس في حلب وريفها ومنبج وجرابلس ومحيطها كما في الموضوع الكردي.. في حين تؤشر "مفاجآت" داريا والمعضمية وحي الوعر الحمصي، إلى أنهم منخرطون في نوع من أنواع المقايضة!
وذلك حُكم في كل حال، لا يُخرج أمور النكبة السورية عن طبيعتها المأسوية ولا عن كونها نتاج إجرام المحور الأسدي الإيراني وسياسات إدارة مستر أوباما قبل أي شيء آخر.. كما لا يبتعد عن الواقعية كثيراً. وهذه تقول إن الإيرانيين والأسديين يستطيعون تصفية بعض المناطق المحيطة بدمشق من أهلها وسكانها، لكنهم (مثلاً!!) لا يستطيعون ذلك في دمشق نفسها! بل لا يستطيعون إنتاج أي حالة ديموغرافية دائمة ومشابهة لما فعله الاستيطان الإسرائيلي في أرض الفلسطينيين! عدا أن سعيهم برمته، من أوله إلى آخره، لا يملك مقوّمات الديمومة والاستمرار، ولا الركائز المطلوبة لتأبيده! بل يصحّ الظن بأن علّته القاتلة هي في كونه يسعى إلى وضعيات دائمة استناداً إلى قراءات وقرارات و"قيادات" فردية مرحلية وعابرة!
قد تحمل بعض التكتيكات الكثير من الآلام والشكوك، لكنها لا تعدم الحقائق، ولا تضع المجرم والضحية في سوية واحدة! والله اعلم!