الرئيسة \  واحة اللقاء  \  فصل مديد من حياة شيوعي سوري

فصل مديد من حياة شيوعي سوري

28.07.2013
كاترين غوست

مجلة "الاكسبرس" الفرنسية (25 تموز 2013)
المستقبل

السبت 28/7/2013
مازن عادي، الشيوعي السوري البالغ من العمر 59 سنة، واللاجئ الى فرنسا منذ بضعة أيام، يتذكر تفاصيل اليوم الذي تزوج فيه: "كان ذلك في الخامس من تشرين الاول عام 1980. كان الطقس جميلا، كما يكون في بداية الخريف الدمشقي. ولكن العقل كان في مكان آخر، بعيداً عن الاحتفالات. التوتر كان خانقاً في كل سوريا، خصوصاً في مدينتي حماه. لذلك لم نكن بصدد الاحتفال. اكتفينا انا وزوجتي، بجمعة عائلية مختصرة، وبعد ذلك ذهبنا الى كاتب العدل بغية تسجيل زواجنا".
بعد ثلاثة أيام على زواجه، يقرر مازن الدخول في الحياة السرية. وقد إمتدت هذه الحياة على عقدين من الزمن. يصف تلك السنوات في الظل بصفتها تجربة ثقيلة ومؤلمة؛ ولكنه يدرك أيضا بأن العيش في الخفاء أنقذه من السجون الرهيبة للنظام.
مازن اضطر للإختفاء لأنه كان مسؤولاً عن فرع حماه للحزب الشيوعي السوري. ففي الثامن من تشرين الاول، يقوم حافظ الأسد، والد بشار، برحلة الى موسكو، تتوج باتفاقية صداقة روسية-سورية، يباشر من بعدها حملة تصفية الحزب الشيوعي السوري، جناح المكتب السياسي. ثمانمئة رفيق شيوعي يعتقلون، بدءاً من رياض الترك، "مانديلا سوريا"، الذي سيمضي عشرين عاما في السجن.
قبل ذلك بأربع سنوات، كانت المواجهات حامية بين حزب مازن، المنشق، من جهة، وحزب البعث، مدعوماً من الحزب الشيوعي الرسمي؛ وذلك عام 1976، بعدما اجتاحت القوات السورية الأراضي اللبنانية. وكان حزب مازن من أشد المستنكرين له والمحتجين عليه، فارتفع بذلك عدد أعضائه المعرَّضين للمضايقات. مازن نفسه اعتقل وقتها. ففي آذار من العام 1980، صار القمع أشد منهجية وشراسة. فالسلطة كانت تخوض حرباً مفتوحة مع الاخوان المسلمين، الذين دفعوا أغلى الاثمان. لذلك تكاثرت الاعتقالات في الجامعات والنقابات وحتى في صفوف الجيش. اما حزب رياض الترك، فقد تحول الى رماد.
أثناء هذه المعارك الاخوانية-البعثية، غيَّر مازن اسمه وأصبح أبو عمر؛ ودخل في الحياة السرية، قويا متسلحا بتجربته السابقة عام 1976. وأمام تصاعد القمع، نظم مازن ورفاقه شبكة تساعد المناضلين الذين اضطروا للعيش في الخفاء، وكان قد بلغ السادسة والعشرين من عمره. وفي اليوم الذي قرر فيه مازن ان يبدأ هذه الحياة الجديدة، كان بحوزته عدد من المفاتيح لشقق مختلفة في المدينة. قرر اطالة شعره وحلق شاربيه واعتماد هندام "دونجواني" كما يقول بشيء من التسلية. لا يخرج إلا في الليل؛ فمازن حافظ عن ظهر قلب كل شوارع حماه وأزقتها. كان يمكنه ان يعيش طويلا هكذا في حماه. ولكن قادة حزبه اتخذت قراراً عام 1980 بنقله الى دمشق.
في العاصمة، يبتعد مازن عن العلاقات العائلية والحزبية، لأن المخابرات كانت تراقب وسطهما بدقة. أخذ يعتمد على شبكة موازية للعائلة والحزب مكونة فقط من أصدقاء. أقام لمدة عامين في شقة تقاسمها مع طالبَين تونسيين في حي السبع بحرات، في وسط البلد. والشقة تبعد قليلا عن مقر مجلس الوزراء. وفي يوم من الأيام، ولسبب غير معروف، تعرض الحي لحملة مداهمات مركزة. عندما دق الشرطيون على جرس الشقة، بوغت مازن بهم؛ وفي لحظة واحدة حوّل وجهه ليعتمد ملامح سكير لا يعرف ما يقول، لأنه ليس سوى ضيف على أصحاب الشقة. وهؤلاء قضوا ليلة عامرة بالشرب والبنات.... هكذا نفذ مازن من مخالب الأمن والسجن.
في تلك الفترة أيضاً، حاول الشيوعيون إعادة بناء حزبهم وإقامة بنية تنظيمية سرية. وفي هذا النشاط تلعب النساء دوراً هو الأكبر، فالمخابرات لا تلاحق النساء... هن اللواتي يؤجرن الشقق ليسكنها بعض الكوادر الحزبية. ومازن سوف يسكن في واحدة من هذه الشقق، ليس باسمه انما باسم واحدة من الرفيقات لم يكن اسمها وارداً في سجل المخابرات.
سحر، زوجة مازن، كانت تتنقّل في هذه الاثناء بين حماه ودمشق. وخلال واحدة من لقاءاتها مع مازن، في مخيم اليرموك، حملت بابنها البكر عمر. ولكن ابتداء من العام 1984، أرغمت سحر على التخفي، فلحقت بزوجها في دمشق. خلال ست سنوات انتقل الزوجان من حيّ الى آخر؛ حيث ولدت ابنتا مازن، نور وزينة. ثم تنتقل العائلة كلها الى ريف دمشق. ولكن حتى هناك، كان على مازن أن يتنقّل من بلدة الى أخرى: جرمانا، قدسيا، بقين، سحانيا(...).