الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "صمود" الأسد أمَّنه أردوغان وأوباما... والعرب

"صمود" الأسد أمَّنه أردوغان وأوباما... والعرب

04.09.2013
سركيس نعوم


النهار
الثلاثاء 3/9/2013
لا يشك أحد في العالم في أن "صمود" الرئيس بشار الأسد أمام ثورة شعبية عارمة لا يعود فقط إلى تأييد "مكوّنه" الأقلوي وإلى بنية النظام الذي جعل من هذا المكوّن أساس مؤسسات الدولة، وإلى الغطاء القومي العربي الذي وفّره له حزب فَقَد عراقته مع الزمن، بل يعود أيضاً إلى وقوف الجمهورية الإسلامية الإيرانية معه باعتباره رأس حربة تنفِّذ بواسطته مشروعها الإقليمي الطموح الذي قد تكون قضية الشعب الفلسطيني آخر بندٍ فيه. ويعود أيضاً إلى اعتبار "حزب الله"، الابن اللبناني "الشرعي" لإيران والمؤمن حتى الاستشهاد بايديولوجيتها الدينية، مساعدة الأسد ونظامه واجباً شرعياً. كما يعود إلى تحوّل قوته حاجة ماسة لنظام الأسد في حربه الضروس ضد غالبية شعبه. ويعود أخيراً إلى مساعدة روسيا بوتين سوريا الأسد بالأسلحة والذخائر وربما المستشارين وإن في مقابل مادي تدفعه إيران، وإلى استعمالها سوريا المُتقاتِلة أداة لتصحيح علاقتها مع أميركا ولإفهامها أنها لا تزال قادرة على التحدي والمواجهة غير المباشرة طبعاً وعلى الدفاع عن مصالحها وهيبتها، وخصوصاً بعدما بالغ الأميركيون في "إستيطاء حائطها". ولا يمكن في هذا المجال إغفال دور الصين ودول "البريكس" في تعزيز "صمود" الأسد رغم معنويته.
لكن لا يشك أحد في العالم أيضاً في أن "صمود" الأسد بعدما كان طموحه الحسم السريع، وبعدما أكد حلفاؤه أكثر من مرة أنه صار قريباً، لا يشك في أن "صموده" كانت له أسباب أخرى كثيرة ابرزها ثلاثة. الأول، فشل رئيس وزراء تركيا الإسلامي، ("الإخواني" - المحافظ) رجب طيب أردوغان في فهم شخصية الأسد وتركيبة نظامه، الأمر الذي دفعه الى محاولة إقناعه بتنفيذ إصلاح يرضي الثوار والى الطلب من أميركا عدم المبادرة ضده قبل انتهائها. وفشله في مساعدة الثوار الذين أقنعهم بأن "جيشه" وأسلحته تحت تصرفهم لإزاحة الأسد. والثاني، فشل الدول العربية التي تريد غالبيتها التخلص من الأسد ونظامه، الذي ابتزها وأحياناً أذلّها خلال عقود، في توحيد المعارضة السورية السياسية ثم المسلحة ومساهمتها في تمزيقها وعدم مدها بالسلاح بطلب أميركي. وعجزها رغم جيوشها وترسانات الأسلحة التدخل عملياً ضد الأسد، ومطالبتها المجتمع الدولي بالتدخل بدلاً منها رغم معرفتها أنه لا يعمل عندها، وأنها لا تستطيع أن تطلب منه أكثر من حمايتها، وخصوصاً إذا كانت مصالحه الاستراتيجية ستتهدَّد. أما السبب الثالث فهو تخبط رئيس الدولة الأعظم باراك أوباما وعجزه حتى الآن على الاقل عن اتخاذ القرار الذي يريد منه ثوار سوريا اتخاذه، ومعهم غالبية العرب وقسم من المجتمع الدولي. فهو انتُخِب لولاية أولى لأنه تعهّد الانسحاب العسكري من أفغانستان والعراق، وعدم التورّط عسكرياً مستقبلاً إلا في حال الضرورة القصوى، ولأنه التزم تصحيح الاقتصاد الأميركي بعد أزمته الكبيرة والخطيرة. والتدخّل العسكري يضر بهذا الالتزام. وانتُخِب لولاية ثانية لأنه انسحب من العراق ويعدُّ للانسحاب من أفغانستان، ولأنه وضع اقتصاد بلاده على طريق العافية، ولأنه وعد بالتركيز على مشكلات بلاده في الداخل. وعندما بزغ "الربيع العربي" اضطر إلى التدخل في ليبيا، وارتبك في معالجة ثورتي مصر الأولى والثانية ولا يزال مرتبكاً. وتردَّد كثيراً في إنهاء الوضع السوري الكارثي. وبرَّر موقفه بتصاعد نفوذ الإسلاميين السنّة الراديكاليين ("القاعدة" واشباهه) في أوساط الثائرين ولا يزال متردداً. وقد وضع نفسه أخيراً أسير مجلسي الكونغرس عندما ربط قراره بتنفيذ ضربة عسكرية محدودة، لا تُسقِط الأسد بل تردعه عن استعمال "الكيماوي" وعن قتل شعبه، بموافقتهما.
هل يعكس هذا الكلام لوماً غير مباشر لأردوغان وأوباما والدول العربية وتحميلهم مسؤولية مأساة سوريا المتفاقمة؟ ليس هذا ما ينويه. لكن الواقع يشير إلى أن ضعف أردوغان وتردُّد أوباما وعجز العرب وتصميم إيران وروسيا، إلى أن كل ذلك هو الذي أفسح في المجال أمام بروز الإسلاميين التكفيريين في سوريا وأمام تضخيم خطرهم. وإذا استمر هذا الواقع فإن الولايات المتحدة ستجد نفسها مضطرة بعد مدة قد تطول أو تقصر إلى التدخل وإن بكلفة عالية وأخطار أكبر، إلاّ إذا نجحت في إقناع إيران بحوار ومن ثم اتفاق. علماً انها تستطيع أن تنفذ سيناريو آخر هو تأجيج الحروب في المنطقة كي يهترىء أطرافها كلهم ويطلبوا العون للخلاص من جحيمهم. وهو قد يحصل، لكنه لن يكون أخلاقياً وخصوصاً بالنسبة إلى دولة تؤمن بقيم إنسانية وتقول إنها تريد تعميمها في العالم.