الرئيسة \  واحة اللقاء  \  صيدا: ويبقى سلاح "حزب الله" هو المشكلة!

صيدا: ويبقى سلاح "حزب الله" هو المشكلة!

28.06.2013
د. نقولا زيدان

المستقبل
الجمعة 28-6-2013
يرتكب خطأً فادحاً الذين، وسط سيل هائل من التهويش والصخب والتشويش وذلك بقصد تحريف الوقائع وتحليلها بمواقف مسبقة أعدتها الغرف السوداء من قبل غير جهة ومصدر، يقومون بقراءة أحداث صيدا منذ يومين، بنتائجها المدمرة في الأرواح والجرحى والممتلكات والأرزاق، وكأنها هبطت دفعة واحدة من السماء.
إن للتاريخ سيرورة واستمرارية هي أثمن وأدق وأوضح بكثير من كل محاولات التضليل والتمويه والالهاء والتشويه التي تتقن قذفنا بها بطاريات مدافع اعلام حزب الله وكل اعلام الحلفاء المتواطئين معه على طمس الحقيقة بقصد أن يفقد شعبنا صوابه ويضيع منه مفتاح الهداية والخط الموصل الى جوهر المشكلة. وليس جوهر المشكلة سوى سلاح حزب الله. انه هو الذي لم يدفع الوضع في صيدا الى الانفجار فحسب بل هو الذي سيعمم الحالة الصيداوية أو النموذج الصيداوي للانتقال لتشمل مدناً ومناطق أخرى أيضاً خلافاً لادعاءات السلطة الواضعة رأسها كالنعامة في رمال الكذب والهروب من الحقيقة، فتتحدث عن أمن مستتب وعن عدالة توزع بالقسطاس على الجميع الخ...
لقد تنامى وكبر وتضخّم سلاح هذا الحزب الذي كان مقاوماً حتى عام 2000 تاريخ الانسحاب الاسرائيلي من الشريط الحدودي المحتل، ليصبح رغماً عن ذلك ترسانة صاروخية ضخمة وشبكة اتصالات خاصة وجهاز أمن محكم الاغلاق، وجيشاً منظماً مدرباً ذا مرامٍ استراتيجية. فالمقاومة التي استعنا بها لإكراه اسرائيل على الانسحاب راحت تتحول الى عبء ثقيل ضاغط ليس على اللبنانيين فحسب بل على الدولة اللبنانية كلها بمؤسساتها و إداراتها ومرافقها الاقتصادية ونسيجها الاجتماعي. ذلك لأنه في عين اللبناني العادي لم يعد هناك من مبرّر لاستمرارها بل لتحولها الى مشكلة شائكة عصية على الحل. لأن حزب الله كان ابتداء من عام 2000 يسير بكل ما أوتي باتجاه آخر. فقد أصبح جلياً للقاصي والداني انه هو الذي أصبح من الآن فصاعداً يمسك بقرار الحرب والسلم.
إلا أن عقبة هي غاية في الأهمية كانت تقف حائلاً أمام صعوده بطموحاته الواسعة، وأمام انجازه للمرحلة اللاحقة في تنفيذ برنامجه المرحلي الخطر ألا وهو السيطرة الشاملة على الدولة اللبنانية. كانت تلك العقبة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فالنهضة العمرانية التي أطلقها ابتداء بالبنية التحتية واعادة اعمار وسط بيروت وببناء الجامعات والمدارس وإنشاء المستشفيات وتطويرها وتحديث البلاد وعصرنتها وادخالها عصر الاتصالات المتطورة العصرية الضرورية لاجتذاب الرساميل والتوظيفات والشركات الكبرى، كل ذلك شكّل عقبة بل نقيضاً لسياسة تحويل لبنان مجروراً أسناً تصب فيه نفايات الشرق الأوسط ومتاعب أنظمتها، بل أهم من كل ذلك طموحات النظام الايراني في سعيه المحموم للوصول الى البحر المتوسط، معتمداً على حليفه النظام الأسدي. فكان لا بد من ازالته والتخلص منه. فكان زلزال 14 شباط 2005.
اغتيال آخر كسائر الاغتيالات يبكيه الناس ثم يتعودون تدريجياً على مرارة الواقع الجديد. إلا أن 40 سنة من الهيمنة السورية وجزمها العسكرية الأسدية وألوان القهر والاكراه والاستغلال والذل كانت قد راكمت خميرة غنية حبلى بالاستعداد للانتفاض والثورة. فكان زلزال 14 آذار 2005 الهائل. فخرجت القوات السورية تاركة وراءها ما هبّ ودبّ من حلفاء نظام دمشق الفاشي الذي راح يمعن في اللبنانيين قتلاً وتدميراً واغتيالات. لا بل جرى الاهتداء الى حل آخر أكثر تدميراً للبنان: حرب 2006 التي كان بالامكان تجنبها. إلا أن حرباً سريعة بالأسلوب الكلاسيكي ما كانت لتحمل انجازاً عسكرياً لإسرائيل، كما أن روح المقاومة عند اللبنانيين بلغت أشدها، وقد لعبت السياسة الحصيفة لحكومة فؤاد السنيورة بعلاقاته العربية والدولية دوراً وطنياً بارزاً في صد العدوان.
إلا أن المخطط المرسوم كان يقضي بالاطاحة بالحكومة الوطنية فجرى لأشهر طوال احتلال وسط بيروت دون جدوى، فكان اجتياح بيروت الغربية من قبل مقاتلي حزب الله ابتداء من 7 أيار 2008. فكان اتفاق الدوحة الذي دعا لانتخابات عامة.
في صناديق الاقتراع عام 2009 مني مشروع دولة حزب الله بهزيمة واضحة حيث حملت نتائجها أكثرية من النواب الموالين لـ14 آذار، حيث شكل سعد الحريري حكومة جديدة. إلا أن الذي جرى خلال حكم الرئيس السنيورة عندما استقال وزراء الثلث الضامن، قد تكرر ثانية وبصورة أكثر بشاعة عندما جرى الانقلاب المشؤوم عليه فدخلنا يومها في العصر الايراني بقفازات أسدية ومخالب حزب الله. بل أسوأ من ذلك عندما صدر القرار الظني من المحكمة الدولية الذي اتهم جهاراً وبالأسماء أربعة متهمين من الحزب نفسه بالضلوع في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أولئك الذين بدت حكومة الصناعة السورية عاجزة عن احضارهم للمثول أمام العدالة.
بلغ التعفن والفساد والاهتراء وتسيب الأمن وازدهار الصفقات والرشاوى حدوداً لا تطاق، في الوقت الذي اندلعت الثورة السورية. ولم يأبه الحزب لسياسة النأي بالنفس المنافقة التي ادعتها الحكومة المستقيلة وراح يتورط وينغمس متذرعاً بشتى المبررات والذرائع في الحرب السورية، لدرجة اعلانه أمام الملأ وجهاراً ان سقوط نظام الأسد هو سقط له.
من هذا المعطى كله، من تطور الأحداث هذه، من هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية بأسرها ولدت ظاهرة الشيخ أحمد الأسير.انه الافراز الطبيعي المتوقع بل الحتمي لكل ممارسات حزب الله وهيمنته على البلاد.
وأن يقول بصوت عالٍ وبالفم الملآن ما يعتلج في صدور اللبنانيين من ضيق وسخط وغضب، وبالأخص في صيدا قد ولد حالة اعتراضية وأزمة تطلب من "الحزب" التصدي لها. فكان الصدام الدموي الذي أودى بشهداء الجيش وكذلك من المواطنين الصيداويين.
إن معالجة المشكلة لا يمكن أن تتم بمعالجة بما أفضت إليه الصدامات من نتائج كارثية، بل بالعودة كما قدمنا الى جوهر المشكلة ولبّها ومنشئها ومصدر أخطارها المدمرة.
وإن كانت ظاهرة الأسير قد زالت، فالمشكة الأساس ما زالت: يجب حل مشكلة سلاح حزب الله.