الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ضحايا العراق وسوريا

ضحايا العراق وسوريا

17.06.2015
فايز الفايز



الشرق القطرية
الثلاثاء 16-6-2015
في كلمته أمام جموع أبناء البادية الأردنية الشمالية المتاخمة للحدود السورية، أعاد الملك عبد الله الثاني التأكيد على وجوب حماية والوقوف مع أبناء العشائر في البادية السورية والعراقية دون أن يشرح ذلك، وهذه التصريحات لم تكن المرة الأولى، فقد سمعتها من الملك شخصيا قبل أربعة أشهر في لقائه مع شخصيات من قبيلة بني صخر، وحينها أطلق وصفا جيوسياسيا، بقوله "سنهستان"، على مناطق العشائر في العراق، حيث يدرك الملك، بمكانه ومكانته، أن العشائر السنية في العراق لم يعد لها أي وضع سياسي أو اقتصادي، وليس لها سند أو قوة حماية لمواجهة الاضطرابات والهجمات والتصفيات الطائفية التي تمارسها مليشيات وعصابات انخرطت في الجيش العراقي، بينما الأكراد تمكنوا من تأكيد وجودهم وحماية مناطقهم، وإيران تدعم الشيعة في كل العراق وتستميل العروبيين منهم، وتعلن نواياها دون تردد.
وغير بعيد عن حديث الملك، فإن هناك العديد من الزعامات السياسية العربية، فضلا عن شخصيات غير عربية، كالمسؤولين الإيرانيين والإسرائيليين والغربيين يطلقون تصريحاتهم بين الحين والآخر لتسليط الضوء على قضايا فئات من المكون الشعبي في العراق وسوريا، فالإيرانيون لا يتورعون عن إعلانهم الحرب ضد التنظيمات المسلحة السنية حتى تلك التي تلعب دور الدفاع عن مناطقها، مبررة ذلك بأنه لحماية أبناء الشيعة في العراق والمراقد ومقدساتهم من قبور الأئمة، فيما الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، عملت ما بوسعها لحماية المسيحيين في العراق وتأمين خروجهم من المناطق التي هجروا منها إلى الخارج، حيث غالبية مسيحيي الموصل أصبحوا في الأردن ومنهم من نقلته السلطات الفرنسية إلى فرنسا، وكذلك الإزيديون الذين ما زالوا يشغلون بقضيتهم الدوائر الغربية، فيما يتحدث مسؤولون إسرائيليون عن رسائل متبادلة تتعلق بحماية الدروز في سوريا.
اليوم وبعد عام كامل من سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل، وبعد عشر سنوات من سيطرة الشيعة والأكراد على الحكم في العراق ورغم دخول بعض الشخصيات السنية المرتجفة وذات المصالح الشخصية في بعض المناصب الرسمية في حكومات بغداد، لم يجد أبناء السنة عموما والعشائر العراقية في غرب العراق من يساندهم أو يدعمهم سياسيا على الأقل وعلنا، ولم تتبن أي دولة عربية سنية قضيتهم، وكأنهم قطيع من الأغنام تاه في بوادي العراق ومليشيات الطوائف تمتلك الحق في تركهم أحياء بلا مقومات حياة أو التخلص منهم، وهم اليوم باتوا بين حجري الرحى في الحرب الطاحنة في العراق ما بين الحشد الشعبي والقوات الإيرانية البغدادية وما بين تنظيم داعش، الذي استطاع إخضاع غالبية مناطق السنة لسيطرته، لا لقوته ولكن لسكوت أبناء تلك المناطق عنهم لعدم وجود بديل عنه.
في سوريا الأمر لا يختلف عن العراق، فتنظيم داعش ـ جناح سوريا ـ هو الأكثر وحشية ودموية وسلطوية، وهو يبتلع المحافظات تباعا، ويخضع أبناء البادية لسلطته لعدم وجود أي قوة على الأرض، فجيش النظام لم يعد بإمكانه حماية أي مدينة في وسط سوريا حتى حدودها الشرقية، وآخر الألوية انسحب من جنوب سوريا ململماً جراحه، وترك مدينة السويداء عرضة لهجمات تنظيم داعش الذي يلعب على مبدأ الكرّ والفرّ، بينما اللواء 42 انسحب من المدينة إلى أطرافها الغربية وقد يكون رحل هو الآخر، وتركوا جنوب سوريا.
إذا هل سنتخيل ما الذي ستستقر عليه الجغرافيا السياسية في سوريا والعراق بعد كل تلك الحروب والمذابح التي وقعت وكان ضحيتها الأكبر هم أهل السنة والعشائر العربية، هل سيلوم أحد أبناء تلك البلاد إذا ما انضموا جميعا إلى التنظيمات الإرهابية أو شكلوا تنظيمات جديدة ستكون أكثر فتكا وتطرفا بعدما تخلى جميع العرب السنة عنهم بداعي عدم التدخل في شؤون الغير، مقابل الدعم العسكري والمالي من إيران لكل "أتباعها الطائفيين" في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وبغطاء سياسي من الولايات المتحدة، حيث تمنع الأخيرة تسليح أبناء العشائر في العراق وسوريا وتتركهم نهشا لقوات الطوائف، وأكثر من ذلك فهي تتهم أبناء السنة بدعم التنظيمات الإرهابية وتحرض ضدهم.
على الدول العربية المعنية والمؤثرة اليوم، وأنا أقصد دولا ثلاثا، هي المملكة العربية السعودية وقطر والأردن، أن تتفكر حكوماتها وقياداتها جديا بوضع إستراتيجية جديدة ترتكز على التحولات الجديدة في منطقتي العراق وسوريا، وتهدف إلى تحييد المناطق الساقطة سياسيا وعسكريا من أيدي النظامين العراقي والسوري، وتحديدا في سوريا التي باتت على مشارف سقوط نظام الأسد الذي يعيش على الأوكسجين الإيراني، وعلى دولنا الثلاث أن تصيغ مشروع سلام جديدا، إما على طاولة مفاوضات لفصل مناطق السنة، أو استصدار قرار أممي بإطلاق رصاصة الخلاص على ذلك النظام وإخراج القوى الإيرانية ووكلائها، لفتح الطريق لمستقبل جديد يقرره أبناء سوريا والعراق من جديد وتحديدا أبناء السنة الذين باتوا هم ضحايا العراق وسوريا، وليس لهم نصير سوى الله.