الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ضربات سوريا .. رسائل أمريكية لطهران وحلفائها 

ضربات سوريا .. رسائل أمريكية لطهران وحلفائها 

09.03.2021
محمود عبدالعزيز


محمود عبدالعزيز من الرياض 
الاقتصادية 
الاثنين 8/3/2021 
تتوالى ردود الأفعال المباشرة وغير المباشرة على الضربة العسكرية الأولى في حقبة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي جاءت صادمة ومخيبة لآمال الإيرانيين وحلفائهم الروس، لكن الضربة لم تكن مفاجئة، فهي نتاج لعدد كبير من الاستفزازات، التي نفذتها طهران بضوء أخضر من موسكو، التي تملك ثقلا كبيرا في سورية، ويأتي ذلك الدعم لأهداف مشتركة عدة، أبرزها الحصول على تنازلات أمريكية بإسقاط العقوبات عن طهران. 
تحرص واشنطن على تنبيه موسكو في كل فرصة تتاح لها سواء كانت مادية أو معنوية، متخذة من هذا الأسلوب سياسة خارجية لها في تحدي خصومها في العالم وهما الصين وروسيا، لكن بالنسبة إلى التحركات الأمريكية فأي استهداف يلحق الدولتين يعد استهدافا واحدا، نظرا إلى التقارب الكبير بين الدولتين، وموقفهما الموحد من عداء واشنطن ومنازعتها السيطرة والهيمنة على العالم، إذ تخيم على الأجواء منذ عقود حالة من المد والجزر، فتارة تدعم واشنطن أوكرانيا في قضية النزاع على إقليم القرم، المتاخم للحدود الروسية، فيما يكون التهديد متبادلا في البحر الأسود وبقاع أخرى من العالم خصوصا الموجودة في أوروبا وشرق المتوسط، لكن الطارئ الجديد على معادلة النزاع بين الدولتين ميل الكفة السورية إلى حساب موسكو بعد اعتزال واشنطن القضية السورية منذ اندلاع ثورتها في 2011، ولتكون الحلقة الأخيرة من مسلسل الهيمنة الأمريكية على بعض من الأجزاء السورية انسحاب إدارة الرئيس ترمب من منطقة شرق الفرات، ذات الأغلبية الكردية. 
مكنت قدرة فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، من إعادة تموضع بلاده على خريطة السياسات الدولية، من خلال الوجود والحضور في أماكن الصراع والتوتر مجددا، عقب حالة من الانكفاء شهدتها البلاد في حقبة الرئيس السابق بوريس يلتسن، خصوصا أن البلاد كانت في مرحلة لملمة شتاتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لتغتنم القيادة الروسية فرصة الوجود في الشرق الأوسط على حساب واشنطن والوقوف على مسافة قدم من حليف واشنطن الاستراتيجي إسرائيل، ولتعطي نفسها بوجودها في سورية ودعم نظام الأسد، سلطة تنظيم العلاقة الأمنية ما بين إسرائيل وإيران، الموجودة قواتها هناك بأعداد كبيرة للغاية نفسها، التي قدمت لها روسيا إلى سورية، وهي الدفاع عن نظام الأسد، لكن المآرب الإيرانية تختلف عن حليفتها روسيا هناك، ليكون هذا الوجود مزعجا للأمريكيين، الذين يسعون إلى الحد من قدرات نظام طهران في المنطقة، وكبح جماحه، الذي يهدد المنطقة والعالم بانتشاره على أساس طائفي يقضي على دول المؤسسات في المنطقة، وكذلك سعيه إلى الحصول على سلاح نووي. 
تغيرت ملامح السياسة الخارجية الأمريكية بقدوم إدارة الرئيس بايدن، الذي حدد أولوياته في العالم، بمجابهة خطر التوسع الصيني، فيما صب تركيزه في الشرق الأوسط على منع طهران من الحصول على السلاح النووي، مخيبا آمال كثيرين ممن عولوا على وصوله إلى السلطة في طهران من فك الحصار الاقتصادي، ومنحهم اتفاقا نوويا جديدا، عقب اتفاق 2015، الذي شاركت فيه إدارة الرئيس أوباما وانسحبت منه إدارة ترمب في 2018، ونظرا إلى قصر رؤية النظام الإيراني، الذي بادر إلى محاولة فرض عضلاته على الإدارة الأمريكية الجديدة، من خلال توجيه ضربات تستهدف مصالح أمريكية في العراق، واجهت الإدارة الأمريكية الجديدة تلك البلطجة بحزم وقوة، باستهداف مشترك للقوات الإيرانية على معبر حدودي بين العراق وسورية، لتحمل هذه الضربة في ثناياها رسائل عدة، أبرزها وأهمها مزاحمة موسكو في مناطق نفوذها على الأراضي السورية. 
الضربة الأمريكية كانت موجعة ليس للإيرانيين فحسب إنما لبعض حلفائهم، الذين سارعوا إلى التعبير عن استيائهم وإدانتهم للضربة، حيث دانت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية الضربة، مؤكدة رفض بلادها أي محاولات لتحويل الأراضي السورية إلى ساحة لتصفية حسابات جيوسياسية، لكن بدبلوماسية أقل وصف السيناتور سيرجي تسي كوف، عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد - وهو الغرفة العليا للبرلمان الروسي - الضربة بأنها "شائنة للغاية"، لكن فلاديمير جباروف النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد" قال: "هؤلاء ليسوا إرهابيين، بل ميليشيات، ولا يوجد سبب يدعو إلى القصف هنا. لدينا انطباع بأن الولايات المتحدة ليست مهتمة بمحاربة الإرهابيين في سورية، لكن بالتحريض على النزاع، بحيث يتصاعد هناك باستمرار". 
تسبب توقيت الضربة الأمريكية في جلبة داخل الأوساط السياسية في روسيا، إذ ادعى دميتري بيسكوف، سكرتير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للشؤون الصحافية، أن الكرملين لم يتلق أي تبليغ مسبق عن الضربة، لكن سيرجي لافروف وزير الخارجية أكد أن وزارته تلقت تحذيرا أمريكيا قبل الضربة بدقائق، من وجهة نظر أمريكية بين جون كيربي المتحدث باسم البنتاجون، في مؤتمر صحافي أن بلاده أبلغت "القناة المناسبة" لتجنب النزاع مع روسيا، فيما تعد واشنطن - بحسب مراقبين - موسكو طرفا غير محايد، ومن الممكن أن تبلغ القوات الشيعية بالضربات بشكل مسبق لأخذ التدابير، التي تجنبها الضرر الجسيم الناتج عن الضربات الأمريكية. 
رد الفعل الروسي يسلط الضوء على الانحياز تجاه طهران مقابل محاربة صريحة لحاملي السلاح في إدلب وريف دمشق، ما يبرر الدعم الأمريكي المرتقب للأكراد في منطقة شرق الفرات، وكذلك الدعم التركي للجماعات المسلحة، ما يعني تأخر الحل السلمي في كل من سورية والعراق. 
تعد الضربة الأمريكية مقدمة لقائمة طويلة من الاستهدافات - بحسب مراقبين - لتحقيق أهداف رئيسة وثانوية فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، وتهيئة الظروف لاتفاق جديد بمزاج أمريكي بحت، إضافة إلى التحقق من النوايا الروسية تجاه سورية والمنطقة.