الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ضربة محدودة لسوريا... أفضل من لا شيء

ضربة محدودة لسوريا... أفضل من لا شيء

10.09.2013
فريدريك دبليو. كاجان



الاتحاد
الاثنين 9/9/2013
الفكرة التي تكتسب تأييداً في بعض الدوائر الأميركية هي أن ضربة محدودة للغاية ضد برنامج الأسلحة الكيماوية للأسد سوف تقوض مصداقية الولايات المتحدة ومصالحها أكثر من قرار عدم الضرب. وتبدو هذه الحجة في ظاهرها مقنعة: فبعد كل هذا الحشد للدعم والتعبير عن الامتعاض الأخلاقي، فأنصار التدخل سوف يشعرون بالخذلان من ضربة ضعيفة. وسوف يعلن الأسد وداعموه من الروس والإيرانيين أنهم هزموا مرة أخرى القوة العظمى. وقد تمتلئ وسائل الإعلام بالتشكيك في قوة الولايات المتحدة وعزيمتها.
لكن حتى توجيه ضربة ضعيفة يتوافق مع المصالح الأميركية أكثر من رفض توجيه ضربة، أو ما هو أسوأ من ذلك، وهو عرقلة الكونجرس لأي هجوم. فليست مصداقية الولايات المتحدة وحدها معرضة للخطر بل إرادة المعارضة السورية أيضاً. فبعد هذا الحشد طويل الأمد والجدل العام، سيعتبر ثوار سوريا وأنصارهم تقاعس أميركا عن العمل تخلياً عن قضيتهم. والمعارضة السورية المعتدلة، والتي تعتمد على دعم الولايات المتحدة وحلفائها، سوف ينالها الدمار. وتشكل أفرع «القاعدة» والإرهابيين الآخرين نسبة تتراوح بين 15 و20 في المئة من مقاتلي المعارضة السورية. ولذا فالمحتمل حالياً أن عدم الفعل سيعزز قوة الأسد وإيران و«حزب الله» و«القاعدة»، وسيضعف الجماعة الوحيدة التي تتوافق مصالحها مع أميركا.
وفصلت واشنطن القول في هذه القضية بدقة. وأخيراً سوف يرى السوريون أحد أمرين: إما أن شيئاً لن يحدث ويتركون كي يتصدوا لوحشية الأسد معتمدين على أنفسهم، أو أن تنفجر الصواريخ الأميركية في المنشآت العسكرية والوحدات المرفوع عليها علم الأسد. قد يشعر البعض بخيبة الأمل من عدم تصاعد سحب أكبر من الدخان من منشآت الأسد، لكن الثوار السوريين سوف يشعرون أن الولايات المتحدة تقف بجانبهم وتلحق الضرر بعدوهم.
واكتسب الوضع هذا الشكل إلى حد كبير بسبب طبيعة الجدل الأميركي. فلو أن أوباما لم يعلن أن استخدام الأسلحة الكيماوية «خط أحمر»، ولو أنه لم يعلن نيته معاقبة الأسد باستخدام القوة، ولو لم يكن الكونجرس يبحث اتخاذ قرار ليفوض الرئيس باستخدام القوة... لكان للجدل بشأن حشد الدعم من أجل ائتلاف دولي أكثر قوة قبل توجيه ضربة قوية بعض الوجاهة. لكن تتابع الأحداث والتأخير في المساعدات الأميركية تسببا فعلاً في تشكك المعارضة في الدعم الأميركي لها.
وتدور شائعات في سوريا مفادها أن الولايات المتحدة أبرمت صفقة مع الأسد وتريده سراً أن يفوز. فمن منظور مقاتل في دمشق هناك منطق لمثل هذا التفكير: فقد قال أوباما إنه يريد للأسد أن يرحل وإنه سوف يستخدم القوة إذا استخدم الأسد الأسلحة الكيماوية. ويسعى الكونجرس لتقديم المزيد من المساعدة للمعارضة. والأسد تجاوز الخط الأحمر وأوباما توجه إلى الكونجرس، والكونجرس يرفض تقديم التفويض للهجوم. كيف يستطيع زعيم من مقاتلي المعارضة النظر إلى تتابع هذه الأحداث؟ «الكونجرس صوت لموقف الرئيس من مهاجمة الأسد لأنه أراد شن هجمات أقوى ضد الأسد حتى لو كان يعتقد أن الرئيس لن يفعل هذا؟». كيف ينقل المرء إلى مقاتل من «الجيش السوري الحر» أن الولايات المتحدة تقف بجانبه بالفعل بينما كل التعديلات على قرار استخدام القوة تقلص الضربة لتستبعد إرسال قوات إلى الميدان، ورغم هذا يتم رفض مشروع القانون؟
الخيار الأفضل بالطبع هو ضربة قوية مصحوبة بدعم قوي لـ«الجيش الحر». وترتكب إدارة أوباما خطأ كبيراً بتحديدها كلا الضربتين وتبريرها بمعاقبة الأسد لاستخدامه الأسلحة الكيماوية وإنكارها أنها تعتزم شن الضربة لتغيير موازين القوة في سوريا.
للولايات المتحدة مصالح قومية مهمة في إضعاف أهم حليف لإيران في الشرق الأوسط، وفي ضمان فشل أول غزو من جانب «حزب الله» لدولة أخرى، وكي تبين لإيران أنها حتى لو نشرت فرق تدريب الحرس الثوري فلن تستطيع إنقاذ وكلائها.
في هذه المرحلة، لن يؤثر التحرك أو عدمه في توازن القوى. حتى ضربة ضعيفة سوف تبقي الأمل حياً وسط المعارضة. وعدم القدرة على العمل قد تقنع المعارضة بالاعتماد على نفسها. لن تكون المرة الأولى التي تخذل فيها إدارة أميركية حلفاءها بدعم غير ملائم أو بضربات ضعيفة رغم أنه كان من الممكن بصفة عامة، مع مرور الوقت، أن نتعافى من خيبات الأمل هذه بزيادة الدعم وإبداء صور أخرى من الالتزام. وقد يكون من المستحيل التغلب على الإحساس بالهجر الذي يرجّح أنه انغرس بسبب عدم التحرك.
أوجد الرئيس هذا الخيار المر بين ضربة غير ملائمة وعدم الضرب بالمرة. إنه خيار بين سيء وأقل سوءاً. الأقل سوءاً هو توجيه ضربة الآن ومواصلة السعي لاتخاذ إجراء أقوى بحسب الضرورة مستقبلًا. لكن القرار يتطلب دعماً من المهتمين بالنتيجة في سوريا والحفاظ على مصداقية الولايات المتحدة.