الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ضوء ضئيل في النفق السوري الطويل

ضوء ضئيل في النفق السوري الطويل

12.07.2017
عيسى الشعيبي


الغد الاردنية
الثلاثاء 11/7/2017
سواء أكانت هدنة أو منطقة حظر طيران، او غير ذلك من المصطلحات العسكرية المماثلة، فإن ما تم الاتفاق عليه بين الاميركيين والروس ازاء الكارثة السورية المستفحلة، يُعد اول اختراق من نوعه في جدار هذه الازمة، التي شهدت عدداً لا يحصى من اتفاقيات وقف اطلاق نار، كان كل اتفاق منها يحمل سلفاً في طياته بذور انهياره، جراء تضارب المصالح والادعاءات والهواجس، فضلاً عن تعويل كل الاطراف المعنية على خيار الحل العسكري، وتدفق الامدادات البشرية والتسليحية والمالية بغزارة شديدة من جانب اللاعبين الاقليميين والدوليين.
ورغم الغموض المحيط بهذا الاتفاق المعلن عنه في هامبورغ، والمتفاوض عليه منذ نحو شهرين هنا في عمان، الى جانب عدم القبول الصريح بترتيباته واستحقاقاته الميدانية من قبل الاطراف المخاطبة به مباشرة، فإنه رغم ذلك كله يعتبر اتفاقاً ينطوي على سابقة ايجابية غير مسبوقة، يمكن البناء عليها، اذا قدر له ان يتحقق على ارض الواقع، ويصمد في وجه الخروقات المتوقعة، بل وربما يؤسس لتحول تدريجي اشمل في مجريات هذه المأساة الرهيبة، التي يبدو انها قد اتعبت المتصارعين، واخافت الروس من الغرق في بحر من الرمال المتحركة.
 مرد التفاؤل النسبي الحذر بهذا الاتفاق القائم على توازن جزئي بين اللاعبين الكبيرين، عائد الى عاملين كانا مفقودين في كل الاتفاقات السابقة؛ اولهما ان الولايات المتحدة، التي لا يستقيم اي حل سوري في غيابها، طرف مباشر وحامل رئيس لما تم الاعلان عنه عقب اول اجتماع بين رونالد ترامب وفلاديمير بوتين، وثانيهما انها المرة الاولى التي يدخل فيها بلد عربي، وهو الاردن، على خط التسويات المرغوب بها، بعد ان فشل المتصارعون، وهم الرعاة والضامنون في الوقت ذاته للاتفاقات السابقة، بما في ذلك مخرجات مؤتمرات "استانة" المتعاقبة.
ومع ان الامر يحتاج الى مرور مزيد من الوقت للحكم على جدية هذه الانعطافة المحدودة في مجرى التطورات السورية، واختبار صدقية نوايا الاطراف المعنية، الا ان تبني هذا الاتفاق من جانب واشنطن وموسكو، يعطيه وزناً مرجحاً لم يتوفر من قبل، وقوة دفع لم تتحقق في متن ما سبقه من تفاهمات وتوافقات واعلانات، كانت تتبدد من تلقاء ذاتها، وتذهب ادراج الرياح، على مذبح الرهانات والمراوغات والتكتيكات المتبادلة، لا سيما أنه اول اتفاق قد يحفظ للقوى الدولية، وليس للأطراف الاقليمية، مصالح اشمل من حدود الرقعة الجغرافية السورية.
على خلفية هذه المقاربة الحذرة، يمكن القول ببعض الثقة؛ انه قد انبثق ضوء ضئيل في نهاية النفق السوري الطويل، تحقق اخيراً بعد انتظار مديد، وان ما يلوح في الافق من التزام نسبي منقطع النظير بوقف اطلاق نار واعد، وهدوء ميداني مقبول، من جانب المتقاتلين المتعبين، ناهيك عن الصمت المريب من قبل الميليشيات الايرانية، التي يبدو ان لا خيار لها، ولا قدرة عندها لتخريب هذا الاتفاق، امور من شأنها ان تحمل على الاعتقاد ان القوة الكابحة، المتجلية في الارادة الدولية الوازنة، قد تفضي الى تعزيز خيار جنيف، كممر اجباري لتسوية سياسية محتملة.
وليس من شك في ان هذا الاتفاق، الذي همش الاطراف السورية كلها، بما في ذلك النظام والمعارضة معاً، اعاد تأكيد المؤكد من جديد، وهو ان سورية التي كنا نعرفها من قبل قد ذهبت الى غير رجعة، بعد ان بات حاضرها ومستقبلها رهنا بإرادة وتصورات وتوازنات مصالح القوى الخارجية، التي دخل بعضها في مقامرات خاسرة، مثل ايران، وبعضها الآخر اخذ مجازفات محسوبة، مثل دول الجوار السوري، ومنها الاردن، فيما انجرف البعض الثالث في لعبة قوة وحشية، اكتشف محدوديتها، وقلة مردودها السياسي قبل فوات الأوان، مثل روسيا.
واليوم، يستطيع الاردنيون ان يمدوا ارجلهم باطمئنان لا بأس به، وان يثقوا بأنفسهم اكثر من ذي قبل، بعد ان عزز هذا الاتفاق رؤيتهم الواقعية للحل السياسي المنشود، واحترم الكبار خطوطهم الحمراء بصورة جيدة، بما في ذلك حفظ امن حدودهم، وابعاد منظمات الارهاب والميليشيات الايرانية نحو ثلاثين كيلو متراً عن مناطقهم الشمالية، وتعميق دورهم الاقليمي المرحب به في الجوار السوري، خصوصاً في محافظة درعا تحديداً