الرئيسة \  واحة اللقاء  \  فضيحة اليرموك

فضيحة اليرموك

08.04.2015
فايز الفايز



الشرق القطرية
الثلاثاء 7-4-2015
لا أدري لماذا نصر نحن العرب على إطلاق الأسماء الأعلام والأحداث التاريخية المشرفة على الشوارع والأحياء والفعاليات والجيوش أحيانا فيما ترتكب الموبقات على جنباتها وتسجل أحداث تؤرخ مجددا تنسخ الشرف الرفيع الذي عاشت أمتنا على صيته لقرون خلت ، وهذا مخيم اليرموك الذي بات محرقة أخرى للبشر والإنسانية وللمسلمين بأيدي مسلمين يشهد على سوء استخدام التاريخ لإثبات الحاضر ، فاليرموك معركة خالدة قادها القائد العربي الفذ خالد بن الوليد، ومنها انطلقت شمس الإسلام ورسالته وتحررت بلاد العرب من طغيان الصليبيين ، وشتان ما بين يرموك اليوم ويرموك بن الوليد ، فما يجري فيه اليوم فضيحة إنسانية يتحمل النظام ومحوره الإيراني والروسي المسؤولية عنها .
مخيم اليرموك الواقع جنوب العاصمة دمشق بات منذ سنوات أحد أحياء ريف دمشق ،أي ضمن حزام قلعة الأسد التي باتت تتهاوى ، ولعل الصورة الأكثر بشاعة وفجيعة خلال السنوات الأربع الماضية من عمر الصراع في سوريا ، تلك التي بثتها وكالة الأسوشيتدبرس قبل عام للشارع الرئيس في المخيم الذي زرته عدة مرات من قبل وكان يضج بالحياة طيلة عقود طويلة ، لقد كانت الصورة مفجعة ، فالبنايات حولها قصف طيران ومدفعية النظام إلى ركام ، وأمواج البشر من سكان المخيم تتزاحم لمسافة أكثر من كيلومتر يتزاحمون للحصول على حصة من المعونة الغذائية ، ولو كان هناك عدل في هذه الحياة لتم ترحيل سكان المخيم منذ ذلك الحين .
اليوم يدفع من تبقى من سكان المخيم ثمنا باهظا يعادل الثمن الذي دفعه آباؤهم وأجدادهم في فلسطين إثر احتلال الصهاينة لبلادهم وتهجيرهم من هناك واختيارهم الهروب من جحيم قنابل النابالم الحارقة التي كانت طائرات الجيش الإسرائيلي تقصف بها مدنهم وقراهم ، ولعل السكان اليوم وقبل اليوم باتوا يتعرفون على الصورة التي كان آباؤهم يتحدثون عنها ، فطائرات النظام ترمي البراميل المتفجرة كما كانت قنابل النابالم المحرّمة يرمي بها الصهاينة على رؤوس السكان في بلاد ما غرب نهر الأردن وطبريا ، والعالم تماما كما كان قبل خمسة وسبعين عاما يقف على الحياد ليرى من سينتصر .
النظام السوري اليوم في أسوأ حالاته ، وهو بات خالي الوفاض ، ويفقد كل يوم طوابير من شبابه الذين يزج بهم في وحدات الجيش النظامي الذي لم يعد له أي سيطرة ، ولم يبق سوى بعض المناطق حول العاصمة القديمة التي احتلها اليوم الإيرانيون ، ومع هذا لا يزال هناك من يساوم على بقائه والحديث معه والمراهنة على إشراكه في الحل ، وهو لا يملك سوى صوت واحد هو صوت المدفعية والصواريخ والبراميل المتفجرة المذّخرة في طهران وموسكو ، ولهذا وجد أن معركة اليرموك بين الفصائل المتناحرة هي فرصة أخيرة لتدمير ما تبقى من المخيم .
إن سيطرة تنظيم "داعش" على المخيم وجماعة أكناف بيت المقدس وجبهة النصرة على "مدينة مخيم اليرموك" يدلل على بداية انهيار الجيش النظامي السوري ، فجنوب سوريا حتى الحدود الأردنية قد سقط تماما وفعليا من يد النظام الذي حشد قبل أسابيع آخر قواه للسيطرة على درعا بقيادة ضباط ومقاتلين إيرانيين و مقاتلي حزب الله الشيعي ولكنهم لم يستطيعوا السيطرة على تلك المناطق لأن السكان هناك لم يتركوا لهم بقاءً سالما ، وسقوط العديد من المناطق الغربية دفعهم لإخلاء المناطق الجنوبية ، وهذا ما يدفع إلى توقع قرب سقوط العاصمة دمشق التي يستعين النظام فيها بموظفين إيرانيين لإدارة المنافذ الحساسة كالمطار والمعابر .
لهذا فإن بقاء المراهنة على المؤتمرات المتعلقة بالأزمة السورية أكانت في موسكو أو غيرها لن يكون سوى بصاق في صحن أهل السنة في سوريا ممن ناصبهم الجميع العداء ، وبات المدنيون يدفعون أرواحهم وأعراضهم ثمنا لجنون النظام وشراهة المتطرفين من قادة الجيش الإيراني الذين وجدوا في سوريا مرتعهم لارتكاب المجازر ، انتقاما لخسائرهم في العراق واليمن ، وانكشاف عورتهم وزيف إدعاءاتهم التي يروجونها على أنهم يدعمون استقرار المنطقة عن طريق الحفاظ على الأنظمة والجماعات المتوحشة .
لقد بات لزاما على الدول العربية التي وقفت في معركة الحزم ضد مليشيات الحوثي المدعومة من إيران ، التحرك لوقف المدّ الإيراني في سوريا الذي لا يزال هو الشريان الوحيد الذي يمد النظام بقوة المناورة ، وعلى العالم المحترم أن يقرر أين يقف بلا مراوغة ولا تصريحات فارغة لم تمنع النظام ولا الجماعات المتطرفة من الفتك بالمدنيين العزل ، فسوريا باتت أرضا محروقة ومدن أشباح ومقابر جماعية لبشر لا ذنب لهم .