الرئيسة \  واحة اللقاء  \  طاعون الحرب

طاعون الحرب

07.08.2014
د. خالص جلبي



الاتحاد
الاربعاء 6/8/2014
مع كتابة هذه الأسطر يكون القتال الدائر في سوريا بين النظام والثورة دخل سنته الرابعة، وقد أضيف إليه القتال بين "داعش" والمالكي، وبين السنة والشيعة بعد دخول "حزب الله" اللبناني على الخط، وبين العلويين والسنّة، وبين الحوثيين وأهل صنعاء، وبين الفلسطينيين من أهل غزة وبني صهيون!
يقول توينبي إن دورات الحرب كانت دوماً تميل إلى الاتساع والضراوة، لكن العقيدة الاستراتيجية في ظل الرعب النووي دفنت الكثير من أفكار الحرب.
يقول صادق النيهوم إن اللعب بالنار لا يجعل النار لعبة. ومع اتساع الحرب المذهبية في الشرق الأوسط؛ بات علينا أن نستحضر دروس التاريخ الأوروبي، فقد بدأت ملامح حرب مذهبية تطل بقرنها تذكرنا بحرب الثلاثين عاماً في أوربا، والتي دارت بين عامي 1618 و1648 وانتهت بصلح وستفاليا.
الحرب في سوريا سوف تنتهي في يوم لا ريب فيه. والثورة ستصل إلى مستقر ومستودع. لكن السيئ هو تفسخ النسيج الاجتماعي، وحجم الدمار الهائل، والقتلى والمعاقون بمئات الآلاف، علاوة على الكراهيات الواسعة.
إنه مخاض عسير، لا نعلم هل سيموت الجنين وتنجو الأم، أم يموتان معاً؟ أذكر من فترة تدريبي في حلب، تلك الشابة التي جاءت تنزف فماتت على الطاولة ووالدها يتأمل جسدها الغض. يبدو أن هذا المنعرج تخوضه كل أمة قبل أن تصل إلى القناعة التي تقول إن القوة باطل. ولن يطول قدوم ذلك اليوم، حين يقف الناس في المتحف مشدوهين، يتأملون فوهات المدافع وأصناف الأسلحة التي لا تنتهي، والتي صُممت بعناية من أجل الفتك بالإنسان! سوف يتعجبون من نوعية ذلك الإنسان البدائي القاتل، وينظرون إليه كما ننظر نحن اليوم إلى الديناصورات التي اختفت من وجه اليابسة.
عندما كنت في ألمانيا الغربية (سابقاً) أعمل في مركز لجراحة الأوعية الدموية في منطقة (وستفاليا)، وكان ترخيص مزاولة المهنة يصدر من مدينة "منستر"، لم يكن يخطر ببالي أن هذه المدينة تحمل "ختماً" لعهد مريع ودعته ألمانيا في القرن السابع عشر حين تم توقيع صلح وستفاليا عام 1648. اندلعت الحرب المروعة لأسباب بسيطة وتنافسات تافهة بين أمراء الإقطاعيات، لكن سرعان ما اشتركت فيها جيوش شتى من ألمانيا والسويد وفرنسا وهولندا وإسبانيا والدانمارك.. وتطاحنت مذاهب متفرقة من كاثوليك وبروتستانت والكلفينية ودُمرت الأرض الألمانية شر تدمير، وقتل نحو ستة ملايين من أصل (21) مليوناً، أي نحو ثلث السكان.
لقد جاء في كتاب "قصة الحضارة"، لويل ديورانت، ما يلي: "تناقص عدد سكان ألمانيا بسرعة أثناء الحرب، وتقول التقديرات إن عدد سكان ألمانيا والنمسا هبط من 21 إلى 15 مليوناً، وبين35 ألف قرية في بوهيميا، هناك نحو 29 ألف قرية هجرها أهلها، وتُركت آلاف الأفدنة الخصبة دون فلح أو زرع بسبب نقص الرجال والدواب والبذور، واضُطر الفلاحون إلى أكل الفضلات المخبأة أو الكلاب والقطط والفئران، وتنافس الرجال والنساء مع الغربان والكلاب على لحم الخيول الميتة، وأصبحت المدن الكبرى أطلالا خربة.. وتدهورت الصناعة، وكسدت التجارة، وصار كبار التجار يتسولون أو يسرقون من أجل لقمة العيش، وبات الهواء ساماً بسبب الفضلات والنفايات والجثث المتعفنة، وانتشرت الأوبئة بين السكان المذعورين، ومرت القوات الإسبانية بمدينة ميونيخ فتركت وراءها طاعوناً أودى بحياة عشرة آلاف ضحية في أربعة أشهر..".