الرئيسة \  واحة اللقاء  \  طريق النمور من بكين إلى دمشق

طريق النمور من بكين إلى دمشق

31.12.2017
مرح البقاعي


الحياة
الجمعة 29/12/2017
هل وصلت مجموعات الإيغور الصينية إلى سورية سعياً إلى تحقيق عقيدتها في "عولمة" الجهاد، أم أن قوى سياسية سهّلت مرورها لأهداف جيوسياسية بحتة، والمقصود هنا أنقرة التي ترى في حركة تركمستان الإسلامية- الجوهر القتالي والسياسي لمجموعات الإيغور المتشددة- ظهيراً لمطامعها القومية التاريخية والسياسية الراهنة في الأرض السورية؟ وهل الاضطهاد الذي يتعرّض له إيغور الصين المسلمون من الحكومة المركزية في بكين يشكّل عاملاً رئيساً من عوامل انتقالها إلى سورية بتسهيل من الحكومة التركية عبر الحدود السورية الشمالية؟
إثر إطلاقه سراح المتشدّدين الإسلاميين من سجونه في العام الأول من اندلاع الثورة، نجح النظام السوري في استقطاب متطرّفي الأرض إلى بؤرة الاقتتال الجهنّمي في سورية. وكانت بواكير التشكيلات التي التفّ حولها أولئك المتشدّدون هي جبهة النصرة التي كانت نقطة جذب قوية للجهاديين ممن ارتبطوا بالقاعدة بداية، وتحوّل بعض منهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية لاحقاً.
ولا يفترق الإيغور عن المجموعات الشيشانية التي وصلت سورية أيضاً في مهمات جهادية، فكلها عانت من اضطهاد عرقي وديني في بلادها، وكلها حاربت الفكر الشيوعي أيضاً في مسقط الرأس. إلا أن الأسباب التي تجمعها في العداء لحكومتي بكين وموسكو ليست بالضرورة القاسم المشترك لمشاركتهم في القتال وانضمامهم إلى المجموعات الإرهابية في سورية.
فالعقيدة الجهادية التي تصل أصولها الفقهية إلى تنظيم القاعدة هي ما اجتمع عليه الجهاديون كافة باختلاف قومياتهم ومرجعياتهم. لم يقتربوا يوماً من فكر الثورة السورية أو من أهدافها، بل إن مقاتلي الجيش الحر وضباطه كانوا هدفاً مشروعاً لهم، هذا ناهيك عن تنكيلهم بأبناء الثورة وحاملي رايتها، فسجنوا وقتلوا أعداداً كبيرة من الفصائل المعتدلة والناشطين الحقوقيين والإعلاميين أيضاً. وقد اكتسبت تلك المجموعات من خلال انخراطها مع المتطرفين في أعمالهم الحربية خبرات قتالية ومهارات عابرة للحدود، كما نجحت مراراً في الترويج الإعلامي لعملياتها الإرهابية والتغرير بفئة معينة من الشباب للانضمام إلى صفوفها، وكذا في إدارة شؤون التنظيمات العنفية المتطرفة التي انتمت إليها. وهكذا غدا الإيغور والشيشان المقاتلين في سورية والعراق عبئاً ثقيلاً على بلادهم التي جاؤوا منها، ومُنِعوا بطريقة أو بأخرى من العودة إلى الصين أو روسيا، ودُفِعوا للبقاء حتى الموت أو الاستسلام على أرض "الجهاد".
وفي زحمة صراع الغرباء على الأرض السورية جاء تصريح وزارة الدفاع الصينية عن نيّتها إرسال وحدتين من القوات الخاصة لقتال أفراد حركة تركمستان الإسلامية من الإيغور، حيث رصد النظام السوري تحرّكهم في ريف دمشق.
وقد مهّد لقرار توجيه وحدتَي "نمور سيبيريا" و"نمور الليل" عن طريق ميناء طرطوس حيث القاعدة الروسية الأعظم على شواطىء الأبيض المتوسط، اللقاء الذي تم أخيراً بين وزير الخارجية الصيني وانغ يي ومستشارة رأس النظام السوري بثينة شعبان التي دفعت مع مسؤولين عسكريين التقتهم في بكين، بفكرة إرسال القوات الخاصة الصينية لقتال الإيغور.
الانتشار الصيني سيتم قريباً برضى روسي بالطبع. فموسكو التي ما فتئت تردّد أن الوجود الأميركي العسكري في سوريا غير شرعي، وأن على الولايات الواحدة الانسحاب تماماً إثر اندحار داعش وانتفاء سبب وجودها، إنما ترى في مشاركة القوات الخاصة الصينية فرصة سانحة لتحجز بكين بقعة من النفوذ تنافس عليها خصمها الأميركي اللدود صاحب الجيش الأقوى في العالم. وهكذا تكون موسكو قد اصطادت كل عصافيرها بحجر واحد، فهي بتشجيعها ورضاها عن استقدام نمور سيبيريا ونمور الليل إلى دمشق، إنما تبعث برسالة قوية إلى الولايات المتحدة بأنها هي وحدها شرطي السير الأقوى الذي ينظم مرور العمليات وسيرها في سوريا، ورسالة موازية لأنقرة بأنها قادرة على ضرب مجموعاتها التركمستانية الرديفة بأضدادها من بني جلدتها إذا لم يتعاون أردوغان وينصاع للنهج الروسي ضمن حلف الضامنين الذي تديره موسكو بامتياز، ورسالة أخيرة إلى طهران حيث طقس المصالح متقلّب جداً بين ملاليها وميليشياتها من جهة، والقيصر الجديد من جهة أخرى، ومفادها أن بوتين قادر على سحب البساط في أي لحظة من تحت أقدام حلفاء المصادفة التاريخية في حال هُدّدت مشاريعه السياسية والإعمارية والجيوستراتيجية التي أمّنت له قاعدة كبرى على شواطئ المتوسّط الدافئة، الأمر الذي يَسَّر عودة بلاده إلى خارطة القوى العظمى المؤثرة، بل الراسمة مستقبل العالم الذي يستهلّ عامه الجديد مرعوباً من تدفّق الجهاديين الفارين من سوريا في هجرتهم المعاكسة.