الرئيسة \  واحة اللقاء  \  طلب حماية للأمة العربية

طلب حماية للأمة العربية

20.10.2018
سهيل كيوان


القدس العربي
الخميس 18/10/2018
أمتنا مغيّبة عن حركة التاريخ البشري، كأنها تدور في أفلاك أخرى غير حركة الشعوب المنتشرة على كوكب الأرض، التي تعمل في كل مجالات الحياة لتطوير نفسها في العلوم والبيئة والرفاهية الاجتماعية والشفافية في جهاز الحكم، فأمتنا تعيش بلا قوانين ضابطة لحركتها.
ملايين الأطفال العرب لا يصلون إلى المدارس ويستغلّون في الأعمال الشاقة، ومنهم من يستغل جنسيا، وحتى من يصلون المدارس لا يتلقون التعليم الأساسي، وهناك عشرات الملايين من الأميين بين البالغين. التمييز ضد المرأة في جميع مجالات الحياة من المهد إلى اللحد، إضافة إلى العنف الجسدي والتحرش الجنسي الذي يرافق ملايين منهن، من دون أن يستطعن مقاومته في البيت والعمل والأمكنة العامة، بل حتى من دون القدرة على تقديم شكوى ضد المعتدين. في الوقت الذي تعمل فيه دول العالم على بيئة نظيفة وصحية وخضراء ومريحة لمواطنيها، تحولت بعض مدننا وقرانا وشواطئنا إلى مزابل لكيماويات ونفايات الآخرين النووية.
الصحافة العربية محرومة من الوصول إلى مصادر المعرفة والمعلومات، وحرية نقل الخبر والكشف والتحقيق الصحافي، وتقبع في قاع سلم حرية الصحافة على المستوى الدولي، والصحافي الذي يصل إلى قضايا خطيرة، قد يفقد حريته وحتى رأسه إذا ما نشر وباح بما عرف. إنه مسلخ كبير، من شرقه إلى غربه، بات المواطن فيه حيران، فلا هو آمن في وطنه ولا هو آمن إذا ما ابتعد عنه، وما قتل وتقطيع الصحافي السعودي في قنصلية بلاده وعلى أنغام الموسيقى، سوى إشارة إلى الدرك الذي وصله وقد يصله من يتحكّمون بمصائر الملايين من العباد. كيف يستوي قتل إنسان وتقطيع جثته بمنشار كهربائي باتفاق جماعي وكأنه عمل دبلوماسي في قنصلية بلد يدعي أنه يطبق الشريعة الإسلامية وحاميها؟ ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، التي يجري فيها اغتيال عربي على خلفية انتقاده لنظام الحكم في بلاده، ولكن هذه المرّة جرت بصورة بشعة وشفّافة ومستفزة لأعين وأسماع العالم، وكأنها جرت بالبث المباشر.
هنالك مئات الآلاف من العرب الذي تخّت عظامهم في السجون بسبب مواقفهم السياسية. هنالك عشرات آلاف قضوا نحبهم في السجون تحت التعذيب، أو خرجوا من السجون بعد سنين مشوّهين نفسيا وجسديا بشكل لا يمكن إصلاحه.
هناك من المعارضين من قضوا نحبهم في بيوتهم أو في الطرقات والأمكنة العامة، من قبل أيد وجهات "مجهولة". عشرات ملايين العرب يعيشون في حالة خوف خشية أن يهمس لهم رجل أمن في لحظة ما بجملة "تفضل أو شرّف معنا". عشرات ملايين العرب يخشون من التحدث في السياسة، فهم لا يرون ولا يسمعون ولا يتكلمون، خشية الوقوع في المحظور، ومن ثم تبدأ رحلتهم السوداء مع أجهزة المسح والمسخ والقمع. إنها أمة مرتعبة، تنام وتصحو على الإهانة والاعتقالات والدم والقتل. أجهزة حكم ينخرها الفساد بينما الرقابة شبه معدومة، والشّفافية في الحضيض، ومن يفتح فمه يُقطع رزقُه، ويهمّش ويُنبذ.
مائة مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، أربعون مليون عربي يعانون من سوء التغذية، أكثر من ثلث سكان العراق فقراء، وأكثر من نصف السكان الذي بقوا في سوريا يجدون صعوبة في توفير الغذاء اليومي لأسرهم، وحوالي نصف مليون طفل يمني تحت سن الخامسة يعانون من سوء التغذية، وواحد من كل خمسة بالغين من العرب أمّي، في مصر لوحدها حوالي خمسة وعشرين مليون أمّي.
هذا الخراب يجري برعاية دول عظمى لا ترى في العرب إلا مصدرًا للمال والابتزاز وأسواقا للاستهلاك، حتى أن رأس العالم الحر ترامب ينتظر تخريجة من النظام يتبناها لجريمة قتل الخاشقجي. وإسرائيل المحترفة في الاغتيالات لا تجد غضاضة من الوقوف إلى جانب النظام "الشقيق" وتقول إنها تصدّق روايته.
من يعلن الوقوف إلى جانب المملكة في الهجوم عليها، يقصد القول إنه مع النظام مهما فعل، والانتقاد بخجل، ومن ثم غض الطرف عن جريمة قتل إنسان ببشاعة لأنه مارس نقدا بسيطا لنظام الحكم في بلاده. التغطية على الجريمة والتخفيف من حدتها جريمة أخرى من سلسلة الجرائم المرتكبة بحق أبناء هذه الأمة، وهو تآمر وتواطؤ مع الأنظمة ضد شعوبها. هذه المناسبة تذكرنا بالمواطن الأردني الذي قتله حرس السفارة الإسرائيلية في عمان من دون تردد، ثم ما لبثت أن عادت العلاقات الأردنية الإسرائيلية إلى مجاريها كأن شيئا لم يحدث.
ينادي الفلسطينيون بطلب حماية دولية لهم من بطش الاحتلال الإسرائيلي الذي قطّع أوصال وطنهم كما قُطّع جسد الخاشقجي، إلا أن الشعوب العربية كلها باتت بحاجة إلى حماية دولية، ولكن بما أن حماة القانون الدولي هم اللصوص وهم القضاة وهم الداعمون للقتلة ومثبتو كراسيهم، فلا مفر أمام هذه الشعوب سوى استئناف ما بدأته في أيام ربيعها الأولى، وأن تعود إلى نفسها وتستعيد عنفوانها وزمام المبادرة من جديد.

كاتب فلسطيني