الرئيسة \  تقارير  \  طهران.. أنقرة.. تل أبيب.. من يملأ فراغ الانسحاب الروسي من سوريا؟

طهران.. أنقرة.. تل أبيب.. من يملأ فراغ الانسحاب الروسي من سوريا؟

06.06.2022
محمد محمود السيد


محمد محمود السيد
ساسة بوست
الاحد 5/6/2022             
في نهاية سبتمبر (أيلول) 2015 بدأ التدخل العسكري الروسي المباشر في الحرب الأهلية في سوريا، ومنذ ذلك الحين قلبت موسكو الموازين لصالح نظام بشار الأسد ضد فصائل المعارضة المسلحة، فساعدت موسكو دمشق في استعادة سيطرتها على مناطق واسعة كانت تسيطر عليها المعارضة، باستخدام سياسة “الأرض المحروقة”، وعلى صعيد آخر باتت روسيا مكوّنًا أساسيًا من الجغرافيا العسكرية للمنطقة، لدرجة أن الخبراء الإسرائيليين باتوا يرون أن روسيا هي ما تقع على حدودهم الشمالية، وليس سوريا.
إذ جعل ترسُّخ الوجود العسكري لروسيا في الشرق الأوسط، مع تراجع النفوذ الأمريكي في سوريا – والذي كان يُعتقد أنه قادر على كبح جماح موسكو – اللاعبين الإقليميين يتعاملون مع روسيا على أنها حقيقة جغرافية في المنطقة، ولكن لم يكن أحد يعلم أن حربًا ستقوم على بُعد آلاف الكيلومترات، ستُغيّر هذه المعادلة.
ففي مايو (أيار) 2022 جرى تداول تقارير عدة حول انسحاب جزئي للقوات الروسية من سوريا، لدعم موقفها العسكري في أوكرانيا، وذكر ميخايلو بودولاك، مستشار رئيس مكتب رئيس أوكرانيا، نقلًا عن وسائل إعلام إسرائيلية، أن روسيا تنقل قواتٍ من سوريا بشكل عاجل إلى أوكرانيا، وأشار بودولاك إلى أن المناطق التي تنسحب منها القوات تسيطر عليها قوات من الحرس الثوري الإيراني.
وقد أشارت تقارير إسرائيلية إلى أن القوات الروسية قد انسحبت بالفعل من قواعد “حميميم”، و”القامشلي”، و”دير الزور”، و”T4 الجوية”، وجرى نقلها إلى الجبهة الأوكرانية. وهو ما أكّدته أيضًا صحيفة “موسكو تايمز”، (صحيفة مستقلة مقرها هولندا).
بينما لم يؤكد أي مسئول روسي، أو أية وسيلة من وسائل الإعلام الرسمية، عملية النقل بعد، ورغم أن العدد الفعلي الحالي للقوات الروسية في سوريا غير معروف، لكن وفقًا لبيانات وزارة الدفاع الروسية، تمركز حوالي 63 ألف عسكري روسي في سوريا في الفترة من 2015 إلى 2018.
وبغض النظر عن حجم الانسحاب العسكري الروسي، فمن غير المُرجَّح أن تتخلى موسكو تمامًا عن وجودها في سوريا، فلقد استثمرت روسيا كثيرًا في البلاد منذ عام 2015، ولديها هناك أهداف إستراتيجية، لكن في الوقت نفسه لن يكون نفوذها العسكري والسياسي في الفترات القادمة كما كان عليه قبل الحرب الأوكرانية، وهنا يجب التساؤل حول من يملأ هذا الفراغ النسبي الذي ستتركه روسيا؟
الرهان الأكبر على إيران
يرى بعض الخبراء في الشأن السوري أن الانسحاب الروسي من سوريا، مهما كانت صورته ونسبته، سيمثل نقطة تحول في الصراع السوري، ويؤدي إلى سباق بين طهران وأنقرة، وربما تل أبيب، لملء الفراغ النسبي الذي تركته موسكو في البلاد.
فقد كانت روسيا هي القوة الموازنة بين هذه الأطراف طوال سبع سنوات، وحرمت إيران من ترسيخ وجودها العسكري بالشكل الذي خطّطت له في السابق، ولكن يُعتقد الآن أن القواعد الروسية المهجورة قد جرى نقلها إلى حيازة الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، بينما من المتوقع أن تُرسِل طهران المزيد من القوات إلى سوريا.
وعند تفقد مسار العلاقات الإيرانية-الروسية على مدار السنوات الأخيرة تحديدًا، نجد أنه كان مسارًا تنافسيًا، بل كثيرًا ما تصارع الجانبان من أجل السيطرة التكتيكية في بعض المناطق، واختلفا حول عمليات إعادة الإعمار في سوريا بعد الحرب، والعديد من السياسات الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية.
ومع ذلك وعند الضرورة كان لديهما القدرة على تنسيق جهودهما العسكرية والسياسية، فخلال حرب أوكرانيا، كانت إيران واحدة من الدول القليلة التي أعربت عن دعمها وتضامنها مع روسيا، لذلك فقد تكون روسيا على استعداد لتمرير زمام القتال التكتيكي في بعض المناطق إلى الحرس الثوري والجماعات الأخرى الموالية لإيران.
ولا يرتبط التوسع الإيراني العسكري المحتمل في سوريا، فقط برغبة طهران في ذلك، ولكنه أمر مرتبط أيضًا برغبة النظام السوري، الذي سيعتمد – بشكل أكبر – على إيران وميليشياتها، للحفاظ على سيطرته على المناطق المتنازع عليها، ومواصلة محاربة المعارضة.
ففي أوائل أبريل (نيسان) 2022 قالت لونا شبل، كبيرة مستشاري الرئيس السوري بشار الأسد، “إن المساعدة والخبرة من القوات الإيرانية مُرحَّب بها”، في تلميح إلى احتمال أن يكون لإيران نفوذ أكبر في سوريا، ثم جاءت زيارة بشار الأسد لإيران في الثامن من مايو 2022، لتؤكد هذا الاتجاه، خاصةً بعدما تلقّى إشادة من المرشد الأعلى، علي خامنئي، وحصل على وعود بتعاون أقوى مما قبل.
ومن المثير أن التقارير الميدانية تشير إلى أن إيران تتحرك بالفعل من شهر مارس (آذار) 2022 لتوسيع نفوذها العسكري في سوريا، ففي مارس فتح الحرس الثوري الإيراني الباب أيضًا أمام المتطوعين السوريين للعمل لديه، مقابل راتب شهري قدره 200 ألف ليرة سورية (52 دولارًا)، بشرط أن يعمل المتطوعون في الصحراء السورية، بجانب اشتراطات أخرى متعلقة بالدين والفكر.
ويُشار إلى أن إيران عزّزت وجودها – عبر مليشياتها – في أكثر من 120 موقعًا ومقرًا عسكريًا في البادية السورية، على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، وشملت التعزيزات حوالي 4500 فرد ومنصات صواريخ وأسلحة وطائرات بدون طيار وأجهزة اتصال.
وفي هذا السياق التقى وفد إيراني وضبّاط من النظام السوري، في أبريل 2022، بأعيان من قبيلة “طيء”، في مطار “القامشلي” بشمال سوريا، من أجل تشكيل مجلس عسكري بتمويل إيراني، وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان: إن المجلس الذي سيتألف من أبناء عشائر المنطقة سيقف ضد قوات “سوريا الديمقراطية” المدعومة من الولايات المتحدة في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك استولى حزب الله على حقل “زملة المهر 1” النفطي في صحراء حمص في أواخر مارس 2022، وحوّله إلى مقر عسكري بعد طرد موظفي الدولة من الموقع، وكانت وزارة النفط والثروة المعدنية السورية قد اكتشفت الحقل في يناير (كانون الثاني) 2022.
وشهد الجنوب السوري تحركات حذرة وغير مباشرة من جانب إيران، خاصةً وأن المنطقة تحكمها اتفاقية روسية-إسرائيلية لإبعاد إيران وميليشياتها عن المناطق الحدودية مع الأراضي الإسرائيلية، وجاءت تحركات طهران على شكل إجراء النظام السوري عدة تغييرات بين رؤساء الأفرع الأمنية في المحافظة؛ مما يُعزِّز نفوذ إيران هناك.
التحديات أمام تركيا
يبدو أن حرب أوكرانيا قد أخلّت بالتوازن الذي كان قائمًا بين روسيا وتركيا في سوريا، لصالح الأخيرة، وربما منح ذلك أنقرة القدرة على التحرك بحرية أكبر في الشمال السوري، ولكن يرى بعض المحللين، أن روسيا – حتى تحت الضغط في أوكرانيا – ستكون قادرة على كبح التحركات العسكرية التركية في سوريا، لذلك ربما من مصلحة أنقرة أن تتجه إلى إقامة علاقة تعاونية مع روسيا، أكثر من التفكير في الاصطدام بها.
على سبيل المثال، يمكن لروسيا أن توافق على أن تكون أكثر مرونة بشأن التصويت المقبل في مجلس الأمن، في يوليو (تموز) 2022، حول تمديد التفويض الخاص بنقل المساعدات الإنسانية عبر الحدود لسوريا بدون تصريح من دمشق، وهو الأمر الذي ترغب به تركيا، ويمكن أيضًا أن تقوم روسيا بتقديم الدعم للعمليات التركية عبر الحدود ضد القوات الكردية، وهو ما كانت مترددة في القيام به في السابق.
لكن التحدي القادم أمام تركيا في سوريا، سيتمثل في إيران، يعتقد الخبراء أنه على الرغم من تعاون تركيا وإيران في الماضي في مواجهة الجماعات التابعة لحزب العمال الكردستاني، إلا أن إيران قد تعترف هذه المرة بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وهو فرع سوري لحزب العمال الكردستاني المتشدد، على اعتبار أن الحزب منفتح على فكرة التفاوض والتنسيق بين نظام الأسد والسلطات الإدارية في شمال شرق سوريا.
ومع توسع الدور الإيراني في سوريا، من المرجح أن تبحث تركيا عن فرص لمواجهة قوات نظام الأسد وشركائها من أجل توسيع الأراضي أو التجارة بالقرب من “منبج”، أو “تل رفعت”، أو حتى بالقرب من “عين عيسى”.
ويبدو أن الخلافات الحالية بين تركيا وإيران لا تقتصر على سوريا، إذ ازدادت التوترات بين الطرفين حول المياه العابرة للحدود وعمليات بناء السدود، فقد أثارت مشاريع السدود التركية على نهري دجلة وآراس غضب طهران، التي تخشى أن تُقلِّل تلك المخططات من تدفق المياه في النهرين؛ مما يُشكِّل تهديدًا بيئيًا على طهران، كما اتضح من العواصف الترابية الأخيرة، كما أثار العبور غير القانوني للاجئين الأفغان من إيران إلى تركيا، غضب أنقرة، التي تزعم أن طهران سهّلت العبور غير المنضبط.
وبناءً على ذلك يبدو أن العلاقات بين إيران وتركيا متوترة بشكل متزايد حول عدد من الملفات، وقد جاء التراجع الروسي في سوريا، ليُضيف المزيد من التعقيدات إلى علاقة الطرفين؛ إذ يسعى كل منهما لترسيخ وتوسيع نفوذه هناك.
الفرص تلوح لإسرائيل
تُدرك إسرائيل جيدًا خطورة الوضع القائم حاليًا في سوريا، وما يعنيه أن تفرض إيران المزيد من السيطرة العسكرية على سوريا، لذلك، يبدو أن الإسرائيليين مصممون على عدم السماح بحدوث ذلك، فقد شهدت الحدود السورية مع الأراضي المحتلة، وكذلك القواعد والمرافق الرئيسة في سوريا، اشتباكات كبيرة في السابق؛ إذ يواصل النظام الإيراني بناء قدراته لاستهداف إسرائيل من هذه المنطقة التي مزّقتها الحرب، بينما تستمر إسرائيل في تقويض تلك القدرات.
مرتفعات الجولان السورية المحتلة من جانب إسرائيل
وقعت إحدى أكثر الحوادث إثارةً في أبريل 2018، عندما عبرت طائرة مُسلّحة بدون طيّار إيرانية إلى داخل الأراضي المحتلة، وجرى إرسال الطائرة من قاعدة “T4 الجوية” في سوريا، وأسقطها جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي شن حينها واحدة من أكبر العمليات العسكرية على سوريا منذ عقود.
مثل هذه الاشتباكات، إلى جانب الحوادث الأخرى في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وحتى في الأراضي الإيرانية، هي جزء من الواقع الجديد في المنطقة، بين إيران وإسرائيل، وتسميها الأخيرة “الحرب بين الحروب”، وهي تعني شنّ حملات للإضرار بقدرات إيران في لبنان وسوريا، وفي أي مكان تستعد فيه طهران لشن حرب ضد إسرائيل.
ورغم أن خروج روسيا من سوريا حاليًا يُشكِّل الآن خطرًا على إسرائيل، لكنه يجعل فرصًا أخرى تلوح في الأفق، ببساطة لأن الاستخبارات الإسرائيلية – من واقع خبرة السنوات الماضية – لديها القدرة على كشف الوضع الميداني السوري استخباراتيًا، وبالتالي يمكنها التنبؤ بخطط إيران للتوسع في سوريا.
وبدون وجود روسيا وأنظمة دفاعاتها الجوية المتقدمة، سوف يتمتع سلاح الجو الإسرائيلي بحرية أكبر للمناورة، وقدرة أوسع على ضرب الأهداف الإيرانية، دون أن يخشى استهداف طائرات روسية بطريق الخطأ في سماء سوريا، أو القوات الروسية على الأرض.
صحيح أن تصعيد إسرائيل تجاه إيران في سوريا سوف يرفع من وتيرة المواجهة بين الطرفين، إلا أن هذا التصعيد قد تراه إسرائيل فرصة قصيرة الأمد للقضاء بشكل كبير على القدرات العسكرية الإيرانية في سوريا، والتي لا تُهدد إسرائيل بشكل مباشرة فحسب، ولكنها أيضًا تعمل باعتبارها مركز إمداد عسكري لحلفاء إيران في المنطقة، سواء في لبنان، أو اليمن، أو العراق