الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عاشوراء سوريا: مداواة الطائفية بالطائفية

عاشوراء سوريا: مداواة الطائفية بالطائفية

04.11.2014
رأي القدس
رأي القدس



القدس العربي
الاثنين 3-11-2014
لم يكن الإنشقاق السنّي – الشيعي في بدايته غير خلاف سياسي على استلام منصب خليفة رسول الله، وفي موقعتي الجمل وصفّين، اللتين بدأتا الخلاف، بحسب المؤرخ ابن كثير، قتل ثمانون ألف شخص بينهم المئات من صحابة الرسول.
وبعد خمس وعشرين سنة وقعت مذبحة كربلاء التي قتل فيها الحسين، حفيد الرسول، واثنين وسبعين من أهل بيته وأصحابه، بينهم اثنان من أولاده، وخمسة من إخوته، وثلاثة من أولاد أخيه الحسن، وستة من أولاد عمّه، وأخوه من الرضاعة.
واجتمعت عقدة الشعور بالذنب التي انتابت أهل العراق الذين خذلوا الحسين بعد أن وعدوه بنصرته مع الغضب المتزايد من السياسة الأموية (والعباسية لاحقاً) ضد آل البيت، ليصبح ذلك عاملاً مستمراً للنزاع الكبير، وفي عام 352 دشّن معز الدولة العباسي طقس عاشوراء الذي أدى الى تحويل نهائي لهذا الإنشقاق السياسي إلى انشقاق ديني حيث أمر بإغلاق الأسواق و"إظهار النياحة" واللطم على الحسين بن علي ففعل الناس ذلك، وأصبح ذلك طقساً سنوياً في اليوم الذي قتل فيه حفيد الرسول (العاشر من محرّم) وصار ذلك مناسبة للاقتتال السنوي بين الشيعة والسنة في العراق، واشتعلت منذ ذلك حرب لا تبدو لها نهاية، تجاوزت العراق وامتدّت جغرافياً إلى أغلب بقاع الإسلام، بل ودخلت فيها مذاهب إسلامية أخرى بفعل الاستقطابات السياسية – الدينية الكبرى الجارية في المنطقة والعالم.
في ظل المأساة الهائلة الجارية في سوريا يقوم النظام السوري بالاستثمار في هذا النزاع الديني – السياسي، فبعد أن كانت طقوس عاشوراء الشيعية تمارس في أماكن خاصة بهم، كون الشيعة الجعفرية أقليّة صغرى في البلد، صار النظام، ممالأة لإيران، وتأجيجاً للصبغة الطائفية للصراع في سوريا، ينشر اللافتات والأعلام السوداء والخضراء ويبث الأغاني الشيعية الصاخبة ويوسع احتفالات الندب واللطم، كما قامت السلطات بتسليح الشبان الشيعة والسماح لهم بنصب الحواجز وتفتيش المارّة، وقد لوحظ وجود عناصر إيرانية ولبنانية وعراقية في مجالس العزاء الحسينية.
يأتي كل هذا ليصبّ في طاحونة الإستبداد الأبدية من خلال رد الفعل السنّي المتطرّف في الجهة المقابلة، كاسراً بكلّ قوّة الأسس والركائز التي قامت الثورة السورية عليها: إسقاط الدكتاتورية، وتكريس حكم مدني وديمقراطي لكل أبنائه، دون فوارق بين طوائف وإثنيات، حيث نجد اجتاحت الأصوات التي ترفع رايات "الدفاع عن السنّة" والإسلام مواقع الثوريين الحقيقيين، وقمعت، كما يفعل النظام، الناشطين المدنيين والديمقراطيين السوريين، مفرقّة إياهم أشتاتاً، بين قتلى ومعتقلين ومنفيين.
وكان صمود النظام السوري بدعم من روسيا وإيران (وهما قوّتان لا تنكران أبداً عداءهما للإسلام السياسي "السنّي" حصراً)، وكذلك بمنع الولايات المتحدة الأمريكية أسباب الحياة عن المعارضة السورية الحقيقية، أن تفاقمت قوّة تيار الاستبداد المعاكس (تحت أسماء أهمها "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة")، ودخلت سوريا في عاشوراء أبدية لا يظهر طريق للخروج منها.
مع هذا العام الهجري يكون قد مرّ على بدء الحروب السياسية – الدينية في الإسلام 1400 سنة، انقرض خلالها الأمويون، والعباسيون، والبويهيون، والصفويون والعثمانيون وغيرها من سلالات وظفت هذا النزاع الدموي لمصالح دنيوية، وكان ضحاياها دوماً من فقراء السنّة والشيعة، وما زالت طاحونة القتل الدموية دائرة، والتي يتحكّم فيها طغاة الساسة ويعمل في ركبهم فقهاء الإبادة الذين يستحلّون دماء أتباعهم، ويحلّلون نصرة الأجنبيّ على أبناء بلدهم.
معلوم أن كلا الجهتين المتقاتلتين لديها أطنان من المظالم والمستندات على أحقيّة سرديّاتها، ولكن المعلوم أيضاً أن فكرة الغلبة والانتصار لدين أو مذهب على آخر هي فكرة انتحارية ستترك بلاد العرب أنقاضاً تصيح فيها الغربان، ولا مخرج من هذه المتاهة القاتلة إلا من بين من يدفعون ثمنها، لا من يدفعون بهم إلى حقول الموت.
متى يحين وقت خروج سوريا والعالم الإسلاميّ من هذه المأساة؟