الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عالم جديد ونظام جديد

عالم جديد ونظام جديد

27.08.2014
اوكتافيا نصر



النهار
الثلاثاء 26/8/2014
في عالمنا الجديد الذي تضبط إيقاعه وسائل التواصل الاجتماعي، يعبّر المسؤولون عن رأيهم بالمخالفة أو الموافقة في تغريدات لا تتعدّى 140 حرفاً. وفي حين أن الجميع واثقون من رجاحة رأيهم وصحّته، تحوّل المنطق والعقل مفهومَين غريبين.
في هذا النظام الجديد حيث يُنصَّب الأشخاص خبراء في لحظة محمومة، ثم تتلاشى الخبرة ما إن تنحسر المشاعر فيما تتكدّس الجثث في مناطق النزاع التي لا يصل إليها مكبّر الصوت الذي يطلق "الخبير" من خلاله العنان لآرائه - في هذا النظام الجديد، لا مكان للفطرة السليمة والتفكير البراغماتي.
في هذا الزمن الذي تقاس فيه الشعبية أو الأهمية بعدد الأتباع وعدد الأشخاص الذين ضغطوا زر "أعجبني" وزر المشاركة، باتت الآراء والتحاليل السلعة الأرخص. حفنة قليلة جداً لا تزال تهتم للصدقية أو المساءلة. تُرمى الآراء في وجهك وكأنها حلية رخيصة في البازار، وما أكثرها! ماذا يحصل إذا ثبت أنها على خطأ؟ هل هناك مَن يحاسب؟ من يتذكّر حتى ماذا ورد في آخر تغريدة أو تعليق عبر "فايسبوك"؟ توضَع كتبٌ، لكنها لا تباع أو تُقرأ بالضرورة، ويمطروننا بوابل من الأنباء إلى درجة أننا نعجز عن مواكبة كل المستجدات ومتابعة كل الأفرقاء. في هذه الظروف، نتساءل ألا يزال في إمكان من يحرّكون الخيوط ويتحكّمون بها أن يقرّروا الجهات التي يجدر بهم تحريكها ويُحددوا الاتجاه الذي ينبغي أن تسلكه الأمور؟
وتزيد التناقضات والالتباسات التي تعانيها السياسة الخارجية الأميركية، الطين بلة. فالجهل والمماطلة في الرد يقودان حكماً إلى الكارثة. ليس لوسائل الإعلام هدف واضح، فهي تتخبّط بين إعداد التقارير الميدانية وخدمة المخططات الوطنية أو القومية، كما أنها تفتقر إلى الفهم الوافي للأحداث والوقائع، الامر الذي يجعلها عاجزة عن التمييز بين المعطيات السياسية والجغرافية والإثنية المختلفة، وهكذا تزداد الفوضى جنوناً. في مرحلة معيّنة، كانت وسائل الإعلام الغربية تضع كل دول الشرق الأوسط في سلة واحدة. بيد أن الانتفاضات العربية كشفت الطبقات العميقة والتعقيدات وأوجه التنوّع، فأحدثت تشويشاً كبيراً في العقول الغربية وغير الغربية.
إذا أضفنا إلى المشاهد السابقة التحليلات التي نسمعها على ضوء السلوك الهجمي لتنظيم "الدولة الإسلامية" وتوسّعه بطريقة مثيرة للصدمة، نحصل على مزيج من الآراء تُلخَّص على النحو الآتي: ليس العالم العربي جاهزاً للديموقراطية، لذلك يجب ابقاء الديكتاتوريين الظالمين في الحكم كي يظل تحت السيطرة. ففي حين يُستبدَل المستبدّون بأزلامهم، وفي حين يجد التطرّف أرضاً خصبة وينتشر كما النار في الهشيم، فجأةً بدأت أسوأ أنواع التطرف تبدو جذّابةً للغرب. هنا يأتي التحليل الخطير الذي يجري تداوله بكثرة في هذه الأيام: من شأن التحالف مع الأسد أن يضع حداً لهذا التفكّك في الشرق الأوسط، فيما يهدّد توسّع "داعش" بإعادة ترسيم الحدود وتغيير شكل المنطقة.
في خضم الدعوات غير الحكيمة الى الاستعانة بالأسد في مكافحة التطرف، يبرز عنوان رئيس شديد العبثية مع أنه واقعي بطريقة سوريالية جداً: سوريا تبدي استعدادها لمساعدة العالم في حربه على الإرهاب. اللغة العربية حافلة بأمثال شعبية تعبّر خير تعبير عن هذا الوضع. أكتفي بذكر بعض منها، ضربني وبكى سبقني واشتكى من جرّب المجرّبا كان عقله مخرّبا؛ وإنما أصل الفتى ما قد حصل.