الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عالم عربي بلا حدود

عالم عربي بلا حدود

23.03.2014
د. محمد مصطفى علوش


الشرق القطرية
السبت 22/3/2014
المتأمل في مسارات الأحداث اللبنانية وتقاطعها مع مثيلاتها السورية يدرك أن الحدود الجغرافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية بين لبنان وسوريا تلاشت تماماً، وأن وحدة حال ومصير قّدرت للبلدين من قبل عاكفين جدد على رسم خارطة جديدة للمنطقة تقوم على أسس مذهبية وعرقية تزينها الأهلّة الشيعية والسنية معاً.
رفع الحدود بين البلدين، وإن كان أقرّ بصمت منذ العام 1974 تاريخ دخول القوات السورية إلى لبنان، إلا أنه لم يبلغ حدود العدم كما بات الحال اليوم. الأمر، وإن كان يفرح دعاة المذاهب القومية والأممية من إسلاميين ويساريين وقوميين، إلا أنه يعكس إفرازا سلبيا، من شأن تداعياته الكارثية ألا تقف عند حدود المجتمعين اللبناني والسوري بل ستطال مجتمعات عربية أخرى، بدأت إرهاصاتها في العراق والأردن وفلسطين.
عقود طويلة ودعاة التحرر السياسي في العالم العربي يطالبون بإسقاط الحدود ورفع تأشيرات الدخول عن أي مواطن عربي يريد الزيارة أو الإقامة في بلد عربي قريب أو بعيد من موطنه الأصلي.. كان الأمر بمثابة استعادة حق انتزعه الاستعمار الغربي بقوة السلاح ونشر الثقافة الانقسامية.. ربما اليوم تتحقق النبوءة لكنها ليست في صالح أحد من دعاة الحرية والتحرر والانتماء الوطني.. إنها اليوم من صنيعة الأصولية الدينية المتشددة من شتى المذاهب والأديان.
تتلاشى الحدود اليوم، فنجد عرسال البلدة السنّية اللبنانية التي تأوي ما يزيد على 140 ألف لاجئ سوري تحت حصار محكم من أقرب بلدة لبنانية إليها هي بلدة اللبوة الشيعية.. لا يحرك حزب الله ساكناً في هذا الموضوع.. الأهالي هم من يغلقون الطريق بوجه أبناء عرسال، وتحشد وسائل الإعلام المؤيدة فتبرر الأمر أخلاقياً، حيث يهدف قطاع الطرق لحماية لبنان من تدفق السيارات المفخخة التي تتخذ من عرسال محطة ترانزيت في رحلتها من يبرود السورية – سقطت قبل أيام في يد الجيش السوري النظامي وحزب الله- إلى المناطق الشيعية في البقاع والضاحية والجنوب.. في المقابل، تنتفض المناطق ذات الأغلبية السنية في لبنان، فتغلق الطرقات رداً على حصار عرسال وينشط الإعلام المؤيد للثورة السورية وحلفائها في لبنان، فيقول إن الأمر من صنع الأهالي، ولا أجندات خارجية.. وهكذا ينتفض الشعب اللبناني بعضه على بعض والفرز يتمّ على أساس مذهبي في الوقت التي تتلاشى فيه الحدود، فتعم المشكلات وتصبح الأحداث السورية في قلب لبنان ويصبح لبنان بشعبه وحكومته عنصرا فاعلا في المسار العسكري والسياسي للأزمة السورية.. تعميم جديد ربما يطال في قادم الأيام العراق والأردن وفلسطين.
في فلسطين، تنشط سرايا المقاومة التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، فتطلق قبل أيام عدداً من الصواريخ على البلدات الإسرائيلية – فلسطين المحتلة في الذاكرة الشعبية العربية – ثم تنفجر عبوة ناسفة في مركبة إسرائيلية على الحدود اللبنانية الإسرائيلية بعدها بيومين، يتبعها انفجار عبوة ناسفة بمركبة إسرائيلية أخرى في الجولان المحتل فترى إسرائيل أن حزب الله هو من يقف وراء هذا العمل فترد الصاع صاعين وزيادة داخل الأراضي السورية واللبنانية، والتوقيت في الأحداث الثلاثة مريب.
عراقياً لا تكفّ الحكومة عن الترديد أن الإرهاب هو الداء الوحيد الذي يضرب البلاد دون أن تفسر لنا: لماذا تبتعد تيارات وقيادات شيعية عن حكومة المالكي، وما علاقة الإرهاب السني بالخلافات القائمة بينه وبين إقليم كردستان الذي يتجه بقوة نحو الاستقلال، وهل الفتور الأمريكي تجاه الحكومة العراقية سببه دعم الأمريكان للإرهاب السني في الوقت الذي لا تمتنع واشنطن عن إعارة - وليس البيع طبعاً - طائرات أباتشي للجيش العراقي في ملاحقة داعش وغيرها من التكفيريين والإرهابيين على حد وصف المالكي وحكومته.
الأردن يدرس المتغيرات المحيطة به، ولا يريد أن يقع فريسة لها، وهو واع لمخطط "الوطن البديل" التي تروج له إسرائيل، والذي قد تصبح خطوته الأولى فاعلة بمجرد موافقة السلطة الفلسطينية على الاعتراف بيهودية إسرائيل.. الأردن لا يريد أن يدفع فاتورة غيره، والفاتورة ثقيلة جدا قد تكلفه البلد بأكمله، وهو كما يدرك البعد الإسرائيلي من المفاوضات يخشى من تمدد الأزمة السورية إليه، فالإعصار الضارب في سوريا يعمل على سحب الأردن رويدا رويدا إلى عين العاصفة بعد أن دخلها لبنان بتفوق مع مرتبة الشرف.. فهنيئاً لدعاة رفع الحدود في تحقيق نبوءتهم، ونرجو ألا تكون عملية الدمج بين الشعب العربي على شاكلة الدمج الذي مارسه النظام السوري في لبنان سنوات طويلة، وما تمارسه الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية اليوم!.