الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عام الحروب في سوريا

عام الحروب في سوريا

20.03.2018
حسام ميرو


الخليج
الاثنين 19/3/2018
كان من المتوقع أن تستفيد روسيا من حسمها معركة حلب في أواخر عام 2016 من أجل بلورة حل سياسي يخدم مصالحها الاستراتيجية، خصوصاً أن جزءاً مهماً من الفصائل المسلحة وافق على الذهاب إلى "أستانا"، مع وجود حالة إنهاك لدى الشعب السوري، وقبول عدد من أطراف المعارضة السياسية بخفض سقف توقعاتها من العملية السياسية، وكان مطلوباً من موسكو إبداء تفهمها لمصالح غربية وعربية، كشرط طبيعي لمساعدتها في قيادة المسار السياسي، خصوصاً فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني المستقبلي، وهو ما يعني بطبيعة الحال الوصول إلى توافق واتفاق بين موسكو وواشنطن من جهة، وبين موسكو ودول أخرى، لديها مخاوف من التمدد الإيراني في المشرق.
عادت فصائل الجنوب السوري إلى حالة الاستعداد العسكري، ورفع الجاهزية القتالية، فالاستهداف العنيف للغوطة الشرقية، ومحاولتهم إنهاء هذا الملف بالقوة، يعني أن الخطوة المقبلة للنظام وحلفائه ستكون باتجاه الجنوب السوري، على الرغم من نقاط الاختلاف الجوهرية بين الوضع الميداني للغوطة الشرقية وبين الوضع الميداني للجنوب، والذي يخضع إلى تفاهمات متعددة، ويتصل بشكل مباشر بالحدود مع "إسرائيل".
المطلب "الإسرائيلي" من موسكو كان واضحاً في الشأن السوري، وهو إبعاد إيران عن الحدود، لكن القيادات العسكرية في "إسرائيل" لم تعد واثقة من السلوك الروسي، فعلى الرغم من الزيارات العديدة التي قام بها بنيامين نتنياهو إلى موسكو، لإحراز تفاهمات لضبط سلوك إيران في المسرح العسكري السوري، إلا أن الواقع الميداني لا يشير إلى أن ذلك قد تحقق، بل العكس هو الصحيح، ونتيجة لذلك فإن المواجهة بين "إسرائيل" كادت أن تنفجر مع إسقاط طائرة F16، في 10 فبراير/‏ شباط الماضي.
الولايات المتحدة، ومعها دول غربية فاعلة، وتحديداً بريطانيا وفرنسا، تجد بأن إصرار موسكو على الحسم العسكري في سوريا، مضافاً إليه السلوك الروسي في عدد من الملفات الدولية، أصبح بحاجة إلى مواجهة أكثر حزماً، فإصرار موسكو على تعطيل قرارات فاعلة في مجلس الأمن تجاه سوريا، بل وعدم التزامها بالقرارات التي توافق عليها، كما في القرار 2401، بشأن الهدنة في سوريا، قد يدفع الغرب إلى إحراج موسكو عسكرياً، عبر وسائل عدة، من دون أن يعني ذلك مواجهة مباشرة، وثمة حادثتان مهمتان يجدر التذكير بهما في هذا الإطار، تتمثل الأولى بضرب قوات روسية حاولت التقدم شرق نهر الفرات، والثانية هي استهداف قاعدة "حميميم" الروسية في مدينة طرطوس عبر طائرات مسيّرة من دون طيار.
التوافق الروسي التركي، والذي تمكنت عبره أنقرة من شن عملية "غصن الزيتون" ضد قوات "الحماية الشعبية" الكردية في عفرين، أحرج الولايات المتحدة مع شريكها المحلي "قوات سوريا الديمقراطية"، كما أن التصريحات التركية العديدة بشأن مدّ العمليات العسكرية نحو مدينة منبج، ومن ثم إلى الشمال السوري، ستجد مجابهة أمريكية، فالولايات المتحدة تعتبر أن منطقة الشمال السوري هي منطقة نفوذ خاصة بها، بعد أن أنشأت فيها عدداً من القواعد العسكرية.
عام 2018 هو عام الحروب بين الدول المنخرطة في الصراع السوري من أجل تأمين مصالحها الاستراتيجية، خصوصاً أن الصراع بين عدد من تلك الدول يتجاوز بطبيعته ومآلاته الأرض السورية نفسها، كما أن تكلفة خوض الحروب في سوريا أقل ثمناً من المواجهة المباشرة، أو في أي مكان آخر، ومن المؤكد أن محاولة بعض الدول تجنب المواجهة المباشرة في سوريا، كما في حالة "إسرائيل" وإيران، قد وصلت إلى سقفها، ما يعني أن تلك المواجهة قد تكون أصبحت وشيكة، خصوصاً في ظل غياب التفاهمات الدولية الكبرى، وإصرار الجميع على استبعاد الدبلوماسية لمصلحة الحرب.