الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عجز النظام الأسدي وفتك الكيميائي

عجز النظام الأسدي وفتك الكيميائي

28.08.2013
عمر كوش



المستقبل
الثلاثاء 27/8/2013
يبدو أن النظام الأسدي اختار توقيت شنه هجوماً بربرياً واسعاً بالأسلحة الكيميائية على مناطق في غوطتي دمشق، مدروس بدقة، من جهة شعوره بأن المجتمع الدولي بات يتعامل مع جرائمه وفق سياسة الإفلات من العقاب، وانشغال ساسة العالم بالتهاب الأوضاع الداخلية في مصر، ومعرفته بأن ردود الفعل الدولية لن تكون حاسمة ضده، في ظل تخبط سياسات الولايات المتحدة الأميركية حيال الأزمة السورية، وعدم سماحها لأي دولة أخرى بالمضي قدماً في دعم وتسليح الجيش السوري الحر بسلاح نوعي. فضلاً عن استناد النظام إلى الدعم اللامحدود من طرف روسيا الاتحادية وإيران وتوابعهما، حيث يعرف النظام الأسدي الدموي تماماً أن كلا من روسيا والصين ستقفان في وجه أي إجماع دولي ضده.
ولعل أقصى ما قام به المجتمع الدولي كرد فعل أولي على المجزرة هو دعوة مجلس الأمن الدولي للانعقاد، مع معرفة الجميع بأن أي جلسة تعقد بخصوص الشأن السوري لن تتمخض عن أي قرارات يمكن أن تسهم في وقف الحرب القذرة التي يشنها النظام ضد غالبية السوريين منذ عامين ونصف عام، بسبب وجود الروس والصينيين، بوصفهما عاملي تعطيل لأي قرار ملزم للنظام بهذا الخصوص.
وبالفعل، فقد اكتفى مجلس الأمن الدولي، بعد اجتماع خصص للملف السوري، بالإعراب عن "قلقه من مزاعم استخدام السلاح الكيميائي"، ولم ينسَ أعضاؤه الإشارة إلى أن "أي استخدام للسلاح الكيميائي هو انتهاك للقانون الدولي"، مع دعوة بائسة "للطرفين" للسماح لفريق التحقيق الأممي بالذهاب إلى مناطق مجزرة الغوطتين، والأدهى من ذلك هو أن الدول الغربية الفاعلة تعاملت مع المجزرة بوصفها "إدعاءات" تحتاج إلى براهين، في حين أن صور أجساد الأطفال والنساء والرجال، المصفوفة في صفوف طويلة، لم تكفِ لتحريك ضمير ساسة الغرب.
ولا ينسى ساسة موسكو وطهران أن يسجلوا على الدوام انفراد موقفهما، حيث يتولون على الدوام مهمة تبرئة النظام من جرائمه، كونهم شركاء فيها، ولا يختلفون عن أشباههم في النظام الأسدي، من جهة النهج والممارسات، وتاريخ جرائم النظام الروسي في الشيشان شاهد عليه، أما ساسة ملالي إيران فالشواهد على جرائمهم كثيرة، وليس آخرها قمع الثورة السلمية الخضراء.
ولعل حيثيات استخدام النظام الأسدي للأسلحة الكيميائية، تذهب أيضاً إلى اطمئنانه لوجود تفاهم بين كل من ساسة روسيا والولايات المتحدة الأميركية على تفضيل "حل سياسي" مزعوم، يبقي على النظام ويعيد له الشرعية، في وقت تظهر الوقائع على الأرض أن هذا النظام بات في حكم الماضي، ولا يمكنه الاستمرار في حكم السوريين.
وقد اتبع النظام استراتيجية لاستخدام السلاح الكيمياوي ضد المناطق الخارجة عن سيطرته، تنهض على سياسة الإنكار، والتضليل، ومحدودية الاستخدام، بغية تحقيق مكاسب في منطقة بعينها، تمكنه من اختراق صفوف المقاتلين المعارضين، وترويع المناطق المدنية الحاضنة للثورة.
وليست مجزرة الغوطتين الأولى من نوعها، التي يستخدم فيها النظام السوري السلاح الكيمياوي ضد المناطق الثائرة، إذ سبق وأن استخدمه مرات عديدة، لكنها جاءت ترجمة مباشرة لأقوال رأس النظام الأسدي الأخيرة، التي أعلن فيها أنه سيستخدم كل الوسائل في حربه على ما وصفه "الإرهاب" و"الجماعات التكفيرية". وهي تعبيرات درج النظام المجرم على استعمالها في إطار حملته التضليلية والكاذبة، والمستمرة منذ بداية ثورة الخامس عشر من آذار / مارس2011.
ويكشف استخدام النظام الأسدي المتكرر للسلاح الكيمياوي ضد المناطق الثائرة، عن عجز قواته وتهافت وحداته القتالية، خصوصاً بعد المكاسب التي حققها الجيش السوري الحر في أكثر من مكان، حيث أظهرت التطورات الأخيرة حجم الهزائم وثقل الخسائر التي تعرضت لها قوات النظام، سواء في أحياء دمشق وحلب، أم في أحياء دير الزور ومناطق درعا واللاذقية وسواها، وذلك بالرغم من امتلاكها التفوق الناري، ولجوئها إلى كل أنواع القصف بالطائرات والراجمات والصواريخ والدبابات والمدافع الرشاشة.
ومع التقدم السريع لوحدات الجيش الحر في مناطق الساحل السوري، اتضح مدى الذعر الذي أصاب جيش النظام وقادته، إلى جانب انهيار المعنويات وتردي الأداء والتنظيم، الأمر الذي استحال إلى ذعر مسعور لدى قادة النظام الأسدي، وانعكس في صورة رد فعل، جسدها استخدام السلاح الكيمياوي بشكل انتقامي، بما يجعله انتقام العاجز بسلاح فتاك في مجزرة الغوطتين.
ويعتقد قادة النظام أن كيمياوي العجز، الذي استهدف أطفالاً ونساء ورجالاً، يمكنه أن يرفع من معنويات أفراد جيشهم العاجز، ظناً منهم أن الهمجية والبربرية يمكنها أن تنقذهم من العجز الذي أصابهم في أعماقهم. ولكن هيهات، فالثورة أدخلت هذا النظام المجرم في دائرة بركان ثائر، لن تتوقف حممه إلا بسقوط النظام ومحاكمة كافة رموزه عن مختلف الجرائم التي ارتكبها.
ولا شك في أنه لا يمكن انتظار ما يمكن أن يفعله المجتمع الدولي حيال استخدام النظام للسلاح الكيمياوي، ذلك أن قادة الغرب تحدثوا في أكثر من مرّة عن خطوط حمراء وضعوها، ثم تجاوزها النظام في تحدّ سافر لهم، ولم يفعلوا شيئاً حياله، وبخاصة الخط الأحمر الذي وضعه رئيس الولايات المتحدة الأميركية، باراك أوباما. لكن المفارقة في الأمر أن إدارة أوباما، بعد أن تأكدت من أجهزة استخباراتها من استخدام النظام للسلاح الكيميائي، راحت تتحدث عن ضرورة الحل السياسي، وفي ظل بقاء الأسد في السلطة، بعدما كانت تشترط رحيله قبل استخدام كيمياوي العجز. وكأن عجزاً من نوع آخر أصابها أيضاً، ويمنعها عن فعل أي شيء ضد النظام.
وإن كان المجتمع الدولي عاجز عن ردع النظام ومنعه من الاستمرار في حربه الهمجية ضد غالبية السوريين، فإن الثوار السوريين يزدادون عزيمة وأصراراً على إسقاط النظام، ومحاسبة أركانه، آجلاً أم عاجلاً. وسيذكر التاريخ حجم العار الذي طاول قادة العالم الحر، الذين يتشدقون بحقوق الإنسان ليل نهار، ولم يلتفتوا إلى حقوق ضحايا النظام الأسدي. إنه عار يطاول إنسانيتهم وعجزهم المخاتل.