الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عذرًا ياحلب الشهباء

عذرًا ياحلب الشهباء

03.05.2016
جمال زويد


الشرق القطرية
الاثنين 2/5/2016
تقول القصة الشهيرة التي حصلت عام 1964 في أحد أحياء نيويورك إن فتاة اسمها "كيتي جينوفيس" أثناء عودتها من العمل إلى منزلها، وبينما كانت تسير في حديقة تطلّ عليها عدة عمارات ومنازل؛ هجم عليها مجرم سفاح، وبدأ يطعنها ولكنها قاومت ببسالة، وأخذت تصرخ وتستغيث مما جعله يختفي، لكنه لم يذهب بعيدا، بل كان ينتظر هل سيأتي أحد لمساعدتها؟ فلما لم يحدث شيء عاود هجومه الشرس وطعنها عدة طعنات واغتصبها، وقد استغرقت العملية نصف ساعة تماما منذ بداية الهجوم، ولم يتدخل أو يقدّم أحد أي نوع من المساعدة. ثم اتضح باليوم التالي في التحقيقات مع الجيران وأصحاب العمارات والمنازل، أن (38 شخصا) شاهدوا الحادثة ولامست أسماعهم استغاثاتها وصرخاتها، لكنهم فضلوا اتخاذ موقف المتفرجين بدلًا عن شجاعة الناصرين، أقروا جميعهم بالمشاهدة وسماع استغاثة المرأة لكنهم لم يفعلوا شيئا حتى انتهت الجريمة بموتها!!
ما يحدث اليوم في بلاد الشام لا تختلف قصته عن الجريمة التي راحت ضحيتها الفتاة "كيتي جينوفيس" فهاهي مدينة حلب الشهباء تُذبح على مرأى ومسمع من ملايين البشر في شرق الأرض وغربها، يشاهدون الجريمة بكل تفاصيلها ويتابعون الدماء التي تسيل فيها والأشلاء التي تتطاير منها، ويسمعون الآهات والاستغاثات التي يتفطّر من أنّاتها الحجر، ويتفرّجون ويروْن بأمّ أعينهم أفظع المجازر والمذابح؛ لكن الإحساس قد تبلّد والضمائر ماتت في البشر.
فعذرًا ياحلب؛ لست أنت سوى إضافة جديدة في بحر متلاطم الأطراف من أحوال الضياع والتفريط بالإسلام والمسلمين، وعدم الإحساس بمحنتهم والانتصار أو الانتفاضة و(الفزعة) لمآسيهم وويلاتهم حتى أصبح المسلمون كالأيتام على موائد اللئام، ينال من لحومهم ويسفك دماءهم وينتهك حرماتهم وكرامتهم كل دعيٍّ وأفّاك وسفّاح من دون أن يشعر المجرم أن هنالك أمة تُقدّر أعدادها بمئات الملايين ستنهض للدفاع عنهم.
لست أنت الأولى ياحلب -وبالطبع لن تكوني- الأخيرة في مسلسل الضعف والهوان، فقد سبقتك دول ومدن عزيزة في العقد الإسلامي قبل أن ينفرط، تم إبادتها واغتصابها وقتل أهلها، وفضّل الجميع بمن فيهم العرب والمسلمون الذين قال رسولهم صلى الله عليه وسلّم: (المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمَّتِهِم أدناهُم ويَرُدُّ علَيهِم أَقْصاهُم وهم يدٌ على من سِواهُم)، حتى هؤلاء فضلوا أن يكونوا مثل أولئك المتفرّجين الذين شاهدوا "كيتي جينوفيس" تُطعن وتُغتصب ثم تُذبح دون أن يحرّك ذلك ساكنًا لديهم، فينتفضوا لنصرتها وإزالة ما لحق بها من ظلم وعدوان. فعذرًا ياحلب؛ نحن في زمن الهوان والإفلاس والتفريط.
سانحة:
تعدّ حلب من أعرق المدن السوريّة، وأكبرها من حيث المساحة، فهي عاصمة الشمال وعروسه، وهي من أقدم المدن في العالم المأهولة منذ القدم. قاد الفتح الإسلامي لها أمين الأمة الصحابي الجليل أبوعبيدة بن الجراح رضي الله عنه. ومنها خرجت مقاومة الحملات الصليبية. هي كانت المدينة الثالثة في الدولة العثمانية، بعد القاهرة وإسطنبول. اختارتها اليونسكو كثاني عاصمة للثقافة الإسلامية بعد مكة المكرمة، يعرفها المستشرقون كمدينة للتراث الحضاري العالمي، هي تحفة من الجمال وعراقة التاريخ، وموطن الفن والأدب، تغنى بها المبدعون والشعراء حتى أن أبي الطيب المتنبي قال عنها:
كلما رحبت بنا الروض قلنا حلب قصدنا وأنت السبيل