الرئيسة \  كتب  \  عرض كتاب: تدمر المجزرة مستمرة

عرض كتاب: تدمر المجزرة مستمرة

02.07.2013
مركز نذير إعلامدار


إن توثيق المعلومات في كتاب لايقل أهمية وخطورة عن الأطروحات الجامعية، لأنه وثيقة تاريخية وقضائية في آن واحد.
يبدأ الكتاب بالحديث عن مدينة تدمر في التاريخ، ثم في ظل الإسلام، ثم في العصر الحديث.. ومن المفارقات أن الشعب السوري لايعرف من تدمر إلا الوجه المظلم (وهو سجن تدمر العسكري).. وشتان مابين تدمر التاريخ والحضارة وتدمر التي ضمت فوق ترابها سجناً من أعتى السجون في العالم..؟!
وهذا السجن في الأصل جزء من ثكنة عسكرية يعود تاريخها إلى زمن الإحتلال الفرنسي، وهو سجن مخصص لتأديب الناشزين والمنحرفين من العسكريين، وقد تحول في زمن البعث إلى معتقل للسياسيين(١٩٦٦) وشهد اعتقال عدد من السوريين:حقوقيين، دعاة، سياسيين، قادة أحزاب ومفكرين.
وفي الإنتفاضة الشعبية عام ١٩٨٠، قدم رفعت الأسد قائد سرايا الدفاع مشروعاً لجعله مقبرة أحياء للمعارضين وقد سماه الكثيرون (باستيل سورية) حيث جرت بين جنباته وعلى يد جلاوزته المجازر التي أزهقت فيها أرواح آلاف المواطنين، ولعل أكبرها مجزرة تدمر الكبرى يوم٢٧ /٦/ ١٩٨٠ حيث توجه /٢٠٠/ عنصر من سرايا الدفاع بالطائرات للإجهاز على أكثر من ألف سجين من النخب السورية الوطنية في سرية تامة، إذ تم اختيار العناصر من فئة معينة دربت على القتل بدم بارد، وعبئت حقداً وإيغالاً في الإنتقام المبني على هلوسات طائفية وحزازات تاريخية.. فانقض هؤلاء على المعتقلين وهم في مهاجعهم، يطلقون الرصاص والقنابل وخلال أقل من ساعة أصبح جميع المعتقلين في سجن تدمر العسكري صرعى يتخبطون في دمائهم، وحضرت جرافتان ضخمتان تسوي الأرض فوقهم في واد يقع شرقي تدمر.
وبقي دم الضحايا البريئة يغمر أرض السجن، وتجمد في كثير من الأماكن والباحات والمهاجع، فتكفل جهاز السجن بإحضار عناصر البلدية الموثوقين، وعملوا على تنظيف السجن من الدماء والأغراض المخضبة، كما أجري ترميم للسجن وطليت جدران المهاجع بطلاء يستر ما تحته من آثار الجريمة، أما المجرمون منفذو هذه العملية فقد عادوا بالطائرات إلى مطار المزة قرب دمشق ظهراً ووقف الرائد معين ناصيف يشكرهم على جهودهم قائلاً: أنتم قمتم بعمل بطولي، ثم أمرهم بكتمان ماحدث.
ولكنها جريمة أكبر من أن تكتم، فقد تسربت أخبارها منذ الأيام الأولى، كما أن اثنين من عناصر سرايا الدفاع الذين أسهموا في المذبحة قد أدليا باعترافاتهما المفصلة أمام التلفزيون الأردني، بعد أن ألقي القبض عليهما في محاولة اغتيال السيد مضر بدران رئيس وزراء الأردن بعد أشهر من المذبحة.
ثم يستعرض الكتاب صوراً مذهلة للتعذيب الذي يلاقيه المعتقلون بشكل يومي منظم لايكاد يتوقف سواء في ذلك التعذيب الجسدي أم النفسي لينتقل بعد ذلك إلى وصف الأمراض التي انتشرت نتيجة لسوء التغذية والتهوية، وإلى استمرار القتل في عمليات الإعدام التي لم تتوقف، إلى جانب إزهاق الأرواح نتيجة للتعذيب والتشفي، وكانت مواعيد الإعدامات يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع، ويستعرض الكتاب أسماء بعض الشهداء وعمليات إعدامهم بشكل وحشي لم تعرفه الإنسانية في أحط أدوارها..
ويفرد الكتاب فصلاً يذكر فيه أسماء المجرمين والمخططين  ، ومما يؤسف له أن هؤلاء جميعاً من لون واحد، وطائفة واحدة، بحيث ينطبق على تلك العمليات توصيف التطهير العرقي والديني، وهو مالم تعرفه سورية إلا بعد انقلاب البعث.
وقد اعتمد الكتاب على (الوثائق الأردنية- ١٩٨١) التي تضم تفاصيل مؤامرة النظام الطائفي الفئوي السوري للإعتداء على حياة السيد مضر بدران رئيس وزراء الأردن، وقد طبعت الوثائق وزارة الإعلام الأردنية في ١٩٨١/٢/٢٥ كما أذيعت تلك الإعترافات عبر التلفزيون الأردني.
وأما فيما يتعلق بأوضاع سجناء تدمر بعد تلك المجزرة فهو ما أفاد به - مشافهة وكتابة - عدد من أولئك السجناء الأبرياء الذين أطلق سراحهم، على أن أهم المعلومات كان مصدرها كتاب (في القاع: سنتان في سجن تدمر الصحراوي) لخالد فاضل، وفي الفصل الأخير عرض الكتاب لنماذج أدبية من قصة وشعر تصور هذه الفاجعة، وتتحدث عن ذلك السجن المأساة.