الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عفرين تفتح باب الفوضى الخلاقة في وجه 'أكراد أميركا'

عفرين تفتح باب الفوضى الخلاقة في وجه 'أكراد أميركا'

29.01.2018
علي العائد


العرب
الاحد 28/1/2018

كرر دونالد ترامب على مسامع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما كانت تقوله الإدارات الأميركية المتعاقبة لإسرائيل في كل حرب تشنها على الفلسطينيين، بالتزام أقصى درجات ضبط النفس والحرص على حياة المدنيين عند استخدام القوة المفرطة. لكن إسرائيل فعلت في كل مرة ما كانت قد خططت له سلفا وبحثت عن ذريعته، فقتلت ودمرت وصادرت واعتقلت.
وعلى الأغلب، ستفعل تركيا ما خططت له، وستستدرك بداية من عفرين ما أجّلت فعله لسنوات، بسبب انتظار تكامل تحالفاتها بل واتفاقاتها السرية مع كل من أميركا وروسيا، وربما النظام الأسدي! لِمَ لا، والسياسة تحتمل كل أنواع الأسرار التي لا ننتظر كمراقبين أن نعلم بها صراحة حتى لو أكمل الوقت عدَّته.
حتى دعوة قادة أكراد في حزب الاتحاد الديمقراطي نظام الأسد للدفاع عن الحدود الشمالية لسوريا لا تنفي احتمال وجود توافق تركي أسدي غير مباشر عبر روسيا، بتحجيم قدرة قوات حماية الشعب على التحكم بمعظم الأراضي والمدن المحاذية للحدود الدولية السورية التركية.
لكن أكثر ما يثير التكهنات هو توقيت العملية المتوقعة منذ شهور، عبر إعلان تركي أخذ صيغة التهديد منذ سبتمبر الماضي، ليبقى السؤال: لماذا انتظرت تركيا كل هذا الوقت؟ ولماذا طال زمن إعداد متطلبات المعركة؟
أحد الأسباب هو انتظار اكتمال إعداد الفصائل السورية المعارضة المشاركة في العملية، إضافة إلى ما يعتقده محللون بترابط محاولة النظام استعادة مطار أبوالظهور مع معركة عفرين وبالتالي يمكن الربط لاحقا بين كل ذلك واستكمال استعادة النظام لمحافظة إدلب من يد فصائل معارضة أكبرها هيئة تحرير الشام – النصرة، بعد شهور من التوافق القسري على اعتبار محافظة إدلب “منطقة تخفيف توتر”، حسب بروتوكولات أستانة.
لكن الأكثر إثارة للشك في مسألة توقيت المعركة هو قرب موعدها من موعد مؤتمر سوتشي الروسي، فالمعروف أن الهيئة العليا للمفاوضات لا تزال مترددة في مسألة الذهاب إلى سوتشي، لولا لقاء نصر الحريري مع أردوغان في أنقرة عشية الحملة على عفرين، ولولا لقاء الهيئة العليا للمفاوضات مع وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، بعد انطلاق الحملة على عفرين.
الحريري المبتسم سيذهب مع هيئته إلى سوتشي غالبا بذريعة سياسية أو بـ”مونة” أردوغان عليه، أو لأن الرئيس التركي أقنعه بجدوى ذلك بعد تغيير طفيف في موازين القوى السياسية عملت على تحقيقه أنقرة مع موسكو، وسمع به النظام الأسدي وأطاع.
فِعليّا، لا شيء في مفردات مسلسل سقوط الائتلاف، والهيئة، يدعونا إلى نفي هذا الاحتمال، حتى لو لم يزد ذلك، أو يُنقص، من حجم التشاؤم المنتظر أن يصدره إلينا سوتشي، بعد عام على سيطرة النظام على حلب بترتيبات تركية روسية شاركت فيها فصائل سورية مسلحة معارضة للنظام.
وعلى أبواب عفرين، التي استقطبت السوريين أكرادا وعربا، تقول موازين القوى إن المعركة محسومة، حتى لو أكلت ما تبقى من الشتاء، وبعض ربيع عفرين الجميلة. فمنطقة عفرين شبه محاصرة، ما عدا الجهة الجنوبية الشرقية التي تحتفظ بتماس مع مناطق يسيطر عليها النظام في بلدتي نُبُّل والزهراء الشيعيتين في ريف حلب الغربي، وبالتالي لا توجد خطوط إمداد وانسحاب إلا من هذه الجهة.
لكن التفاهم الروسي التركي يقلّل من احتمال تقديم النظام دعما للمقاتلين الأكراد، على الرغم من معارضة النظام للخطوة التركية لفظيا، ورغم ثقة الأكراد من أن النظام سيغدر بهم، فالنظام لا يشذ عن عادات ليس من بين أولوياتها حماية سوريا أو السوريين، منسجما مع أصل وجوده، ومستقبله ربما، في إذلال سوريا والسوريين.
والغدر في السياسة عادة مبررة، فأميركا غدرت بـ”أكرادها” الذين بدأوا بسحب مقاتليهم الـ”30 ألفا” من شرق دير الزور على الحدود السورية العراقية، وروسيا أخْلت ساحة رمي المدافع، كما أفرغت فضاء عفرين لجولات الطيران انطلاقا من قواعد في ديار بكر.
هذا على الرغم من استبسال موسكو لفرض وجود تمثيل لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوتشي، فالمصلحة الآن تركيّا وروسيّا، وتكتيكيّا على الأقل، تتجه إلى ملاعبة واشنطن على خياراتها الغامضة التي تريد وجودا مديدا في سوريا دون ثمن، ودون أن تكون متعاونة مع أي من المتدخلين في سوريا، من النظام إلى تركيا إلى إيران.
سابقا، كان منطق تدخل واشنطن في سوريا يقتصر على التعامل مع داعش والأكراد، وضرب الطرفين ببعضهما البعض، مع تسويف التعامل مع المخاوف التركية، واحتواء غير مباشر لكل من إيران والنظام. لكن مع تصعيد تركيا خيار السيطرة على عفرين، والتهديد بالوصول إلى منبج والباب، بل إلى القامشلي على الحدود العراقية السورية، يبدو أن إدارة ترامب لن تطيل انتظار الحليف الكردي وستعجّل بإظهار غدرها، ربما ليس بإعلان ذلك صراحة، بل بتزويد الأكراد بالسلاح والانسحاب من قاعدة منبج، ما يعني إعطاء ضوء أخضر لأنقرة لتنفيذ تهديداتها بعد اكتمال المهمة في عفرين.
في هذا الاحتمال يمكن قراءة ما لم يقله الإعلام عن المكالمة الحدث بين ترامب وأردوغان، فإعلان كل من الطرفين عن مضمون مختلف لها يوحي بما خفي منها، وليته يمتد إلى تفاهم روسي أميركي يربط بين جنيف وفيينا وسوتشي. لكن كلام لافروف الأخير عن عدم تفاؤله بصدور نتائج حاسمة من سوتشي يقلل من مفعول “ليت”، هذه، ويرشح محافظة إدلب للعب دور ما، حاسم أو غير حاسم، في الشهرين المقبلين المتممين للعام السابع من الثورة السورية، دون أن يرتاح الشعب السوري في أرضه المستباحة للفوضى في عام ثامن.
بعد أسبوع من عملية عفرين، سقط مئات القتلى بين عسكريين ومدنيين من جميع الأطراف، على إيقاع التفاهم العسكري والسياسي بين اللاعبين الكبار، رغم صخب الأصوات الداعية إلى تجنيب المدنيين ويلات حرب قد تطول. هذا بينما قصفت طائرات تركية مخافر للقوات الكردية في جوار تل أبيض، في الوقت الذي فتح فيه الجيش التركي أجزاء صغيرة من الجدار العازل على الحدود في شرق أقجا قلعة – تل أبيض، الأمر الذي اعتبره الأهالي في تل أبيض تمهيدا لتيسير لجوء المدنيين إلى تركيا إذا تم تصعيد هذا القصف إلى معركة في منطقة تل أبيض التي تسيطر عليها “قسد” (قوات سوريا الديمقراطية) منذ أكثر من سنتين ونصف السنة.
أمام كل ذلك، لا يُحسد أكراد أميركا غير المدنيين على حالهم الراهنة، كما لا يُحسد المدنيون الأكراد والعرب في عفرين ومنبج والباب وتل أبيض على ما قد ينتظرهم إن استكملت أميركا مفردات غدرها، في تسارع غير متوقع للأحداث التي أرادتها أميركا منذ البداية “فوضى خلاقة”، بينما وقع الأكراد والعرب ضحايا لطموحات لم تتعب في مرادها الأجسام