الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عفرين والحسابات المعقّدة

عفرين والحسابات المعقّدة

03.02.2018
يونس السيد


الخليج
الخميس 1/2/2018
أعادت عملية عفرين العسكرية التي تقوم بها تركيا تحت مسمى "غصن الزيتون" خلط الأوراق مجدداً بشأن الصراع حول الشمال السوري، ودفعت الجميع إلى إعادة حساباتهم، وهي حسابات معقّدة، بلا شك، باعتبارها مقدّمة لفصل جديد من فصول الحرب السورية.
تركيا الباحثة دوماً عما يكرّس دورها في معادلة الصراع السوري، لم تتوقف عند حدود شراكتها في رعاية محادثات "أستانا"، وإنما كانت تنتظر الفرصة التي جاءتها على طبق من ذهب، بعد إعلان واشنطن عزمها تشكيل وتدريب "قوة حدودية" لنشرها على حدود المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية، لتكريس هذا الدور عملياً على الأرض، بما أن الفرصة أصبحت مؤاتية لمنع إمكانية قيام كيان كردي من شأنه أن يكون ذا تأثير كبير في الداخل التركي.
لم تتردد أنقرة في استغلال هذه الفرصة للانقضاض على عفرين التي لطالما هددت ب "تطهيرها" من "الإرهابيين"، ليس فقط من أجل وضع موطئ قدم (لا علاقة له بمناطق خفض التوتر)، وإنما للانطلاق شرقاً نحو منبج وصولاً إلى الحدود العراقية، كما صرّحت بذلك علناً مراراً وتكراراً. وهنا تدخل الحسابات المعقدة، إذ إن التدخل التركي، في حال سارت الأمور على هذا النحو، من شأنه أن يقلب معادلة الصراع في تلك المنطقة رأساً على عقب، فالتحالف الدولي بقيادة واشنطن الذي كان يخطط لخلق حالة من التوازن بين المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري غربي نهر الفرات، وتلك الواقعة شرقي النهر تحت السيطرة الكردية، سيجد أن خططه ستذهب إدراج الرياح، وربما تزداد الأمور سوءاً إذا ما قرر الجيش التركي الذهاب إلى منبج، وجرى صدام مع القوات الأمريكية المتواجدة هناك، ما قد يؤدي إلى انهيار في العلاقات التركية -الأمريكية. كما أن روسيا التي حاولت منع عملية "غصن الزيتون" بالاقتراح على الأكراد تسليم عفرين إلى قوات النظام السوري، وجدت نفسها في موضع الاتهام، بعد أن سحبت قوات المراقبة التابعة لها من المنطقة، ما أدى في نهاية المطاف إلى مقاطعة كردية لمؤتمر "سوتشي".
لكن ما يلفت الانتباه أن جميع اللاعبين اكتفوا بالمطالبة بضبط النفس والحد من التوتر، ولم تظهر أي محاولة جديّة لمنع العملية قبل وقوعها ثم وقفها، حتى في مجلس الأمن الذي انفض دون بيان أو إعلان مشترك. وهكذا وجد الأكراد أنفسهم شبه معزولين، بل مضطرين إلى مطالبة النظام السوري بحماية الحدود مع تركيا، لكن النظام وضع شروطاً للتدخل، بينها تسليمه عفرين، التي أصبحت أمام خيارين أحلاهما مر، فإما إخضاعها لسيطرة النظام، وهو ما يرفضه الأكراد قطعاً، أو وقوعها تحت ما يسمونه "الاحتلال التركي". والسؤال المطروح، هل ينجح التصعيد التركي في إنضاج تفاهم يراعي مصالح كل الأطراف، أم يؤدي إلى خلق واقع جديد، يفتح على فصل آخر من فصول الحرب السورية؟