الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عشرة آلاف طفل!

عشرة آلاف طفل!

18.03.2014
جمانة حداد


النهار
الاثنين 17/3/2014
تخبرنا الروزنامة أن الثورة السورية دخلت منذ يومين عامها الرابع.
تخبرنا اليونيسيف، من جهتها، أن عشرة آلاف طفل قد قُتلوا في سوريا خلال الأعوام الثلاثة الفائتة. هذا من دون أن نحسب حساب اولئك الذين لا يزالون "رسمياً" على قيد الحياة، لكنهم موزّعون بين مشرّدين وجائعات، بين مقاتلين ويتيمات، بين مجبرين على العمل في الشارع ومجبرات على الزواج بعمر الورد.
عشرة آلاف طفل اختفوا، هكذا. ما عادوا في الوجود. أصبحوا رقماً فحسب. تخيلوا معي مساحة ملأى بعشرة آلاف طفل، يضحكون ويلعبون ويحلمون، ثم تخيلوا أن الأرض تنشقّ وتبتلعهم فجأة. عشرة آلاف طفل لم يقعوا في مياه المحيط مثلما حصل مع ركاب الطائرة الماليزية، ولم يتعرضوا لـكارثة طبيعية غير متوقعة، أو لحادث مشؤوم: لقد قُتِل هؤلاء على أيدي مَن يفترض بهم حمايتهم.
في أحد الأيام، لن يبقى في سوريا سوى القتلة، وأشباح جرائمهم.
هذا ما كنتُ أفكّر فيه وأنا اشاهد الأفلام الوثائقية التي عُرضت أخيراً في المهرجان السينمائي لحقوق الإنسان في جنيف، حيث ذهبتُ لأشارك في لجنة التحكيم.
شاهدتُ أحد عشر فيلماً، لا اعرف، صدقاً، كيف استطعتُ من بعدها أن أتحمّل مواصلة الحياة. كانت صور الرعب والظلم تتوالى أمام عينيّ، من قصة الإبادة الجماعية التي قام بها "الخمير الحمر" في كمبوديا عام 1975، وصولا الى المجازر التي ارتكبت في حق التوتسي في رواندا عام 1994، مرورا بفظائع التمييز العنصري في أميركا في القرن الفائت. لكن هذه المشاهد التي كنتُ أتشرّبها بمرارة وألم، وتكشف عن البشاعة التي يصل إليها الجنس البشري عندما يتعرى من إنسانيته، كان يشفع بها في الأقل أنها تروي آلاماً ماضية: لن أقول إنها آلام "منتهية"، فتلك إهانة في حق ضحاياها، لكن الدماء فيها توقفت عن النزف. هذا ما لم يكن في وسعي أن أعزّي نفسي به، بينما كنتُ أشاهد الفيلم الوثائقي الرائع، "العودة الى حمص"، لمخرجه طلال ديركي، الذي قرّرنا، زملائي في اللجنة وأنا، منحه الجائزة الأولى، ويروي فصلاً من فصول مأساة لا تلوح لها نهاية في الأفق، بسبب وحشٍ يعامل مواطنيه كالذباب.
أكرّر: عشرة آلاف طفل، كان في وسعهم أن يكونوا أطباء، وشعراء، وخبّازين، ومهندسين، ومعلّمين، وهكذا. كان في وسعهم، بكل بساطة، أن يكونوا أحياء.
يُنصح مَن يعاني الأرق أن يعدّ النعاج في رأسه لكي يغفو.
مَن يحصي الأطفال الذين قتلهم بيديه، ترى كيف ينام؟