الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عقد على الثورة السورية: حرية باهظة الثمن والسوريون ينازعون للبقاء على قيد الحياة والنظام يترنح 

عقد على الثورة السورية: حرية باهظة الثمن والسوريون ينازعون للبقاء على قيد الحياة والنظام يترنح 

15.03.2021
حسام محمد



القدس العربي 
الاحد 14/3/2021 
عقد من الزمن مر على الثورة السورية، اختلطت فيها الأوراق وتشابكت الأحداث وتعقدت الأوضاع المعيشية والاجتماعية، لتصبح سوريا شعبا وجغرافيا مجهولة المستقبل ومعرفة كإحدى أكبر أزمات العالم الحديث. فالشعب السوري اليوم يعاني من انهيار الاقتصاد وآثار الحرب، ومساحة البلاد ممزقة بخمسة جيوش دولية وأعداد غير محدودة من الميليشيات الطائفية العابرة للحدود، ليبقى السؤال الأهم: السوريون إلى أين، مع ترسيخ معادلة لا غالب ومغلوب بين الشعب والنظام المسيطر على الدولة المدعوم بحلف لم يترك سلاحا فتاكا أو غير فتاك إلا واستخدمه في سبيل منع إسقاط الأسد. 
فحصيلة 10 سنوات من الثورة السورية، قتل بحسب منظمات دولية 400 ألف سوري منذ عام 2011 وزهاء 150 ألفا اعتقلوا أو اختفوا قسريا في البلاد، غالبيتهم غابوا عن ذويهم بفعل النظام والميليشيات الداعمة له، حتى ضج العالم بصور "سيزر" التي سربت من سجون الأسد لمعتقلين قتلوا تعذيبا بأبشع الطرق على يد أجهزة استخبارات النظام، فيما كشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة للأطفال "يونيسيف" أن الحرب السورية أسفرت عن مقتل وجرح حوالي 12 ألف طفل. 
كما تم تهجير قرابة 5.5 مليون إنسان سوري خارج الحدود وفق المنظمة الدولة لشؤون اللاجئين، علاوة عن 7 ملايين سوري نزحوا داخليا بفعل سياسة "الحافلات الخضراء" التي اتبعها النظام والحلف الداعم له. 
أما الاقتصاد، فتضرر إلى حد كبير، مع وصول سعر الدولار الأمريكي الواحد إلى 4 آلاف ليرة، فيما وصل إجمالي الخسائر المالية إلى 442 مليار دولار خلال العقد الماضي وفق تقديرات نشرتها الأمم المتحدة. 
برناج الغذاء العالمي، قدر في أحدث احصائية له، أن 12 مليون إنسان سوري يعيشون فقرا شديدا، ولعل الطوابير التي تصطف يوميا للحصول على بضع أرغفة من الخبز أو لترات قليلة من المحروقات، تعكس إفلاس النظام اقتصاديا وماليا، خاصة بعد تخلي شريكيه الروسي والإيراني عن تقديم العون له، وانسحاب عدد من الشركات الروسية من سوريا بسبب عجز الحكومة عن دفع ثمن الموارد التي أوردوها له في فترات سابقة، إضافة إلى معاناة كلا من موسكو وطهران من أزمات محلية ضاعفتها جائحة كورونا وفاقمتها العقوبات الدولية. 
 
الشعب والأسد 
كانت مطالب السوريين في بداية الثورة واضحة لا تحتاج لترجمة أو تفسير وفق خبراء بالشأن السوري، وعنوانها الأول والأخير "إسقاط النظام" وكسر الأغلال التي قيدتهم لعقود طويلة، وإنعاش الحريات وحقوق الإنسان. 
إلا أن سياسة بشار الأسد كانت واضحة أيضا، عنوانها "القمع فالترهيب دون أي رحمة" ولا خط أحمر سوى سدة الحكم وسيطرة آل الأسد على الدولة مهما كان الثمن. 
فالأسد لم يعترف رغم مرور عقد من الزمن بمطالب السوريين، بل لم يعترف بثورتهم وأحقية مطالبهم، وذهب أبعد من ذلك، عندما وسمهم بوسوم أخرى لتبرير تدمير سوريا برمتها مقابل ألا يقال بأن الأسد تنازل لشعبه، ثم استعان بحزب الله والميليشيات الإيرانية والأفغانية والحرس الثوري الإيراني وميليشيات فاغنر الروسية، حتى أصبحت سوريا مجرد قواعد عسكرية للجيشين الروسي والإيراني، فاقتطع كل جيشه حصته من مساحات سوريا الاقتصادية والمفيدة. 
كذلك فعل الجيش الأمريكي الذي دخل سوريا بحلف دولي لمحاربة تنظيم "الدولة" بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية، لتنتهي جبهات الحرب بزوال التنظيم كقوة عسكرية ونفوذية، وسيطر الجيش الأمريكي على سوريا المفيدة والغنية بآبار النفط والغاز حتى يومنا هذا. 
حاولت المعارضة السورية المعتدلة كسب المعركة العسكرية، فحققت نجاحات مناطقية حتى حين، لكنها فشلت في إدارة المرحلة قبل التدخل العسكري الروسي وبعده، بل أن الغاية الأولى التي خرج من أجلها السوريون وقدموا الأرواح والديار انحرفت بعد ذلك على صعيد مؤسسات الثورة السورية، فغابت المشاريع الشاملة، وصعدت النزاعات حول هوية الثورة هل هي علمانية أم إسلامية وما بين قومية وتحقيق مصالح الدولة الراعية لكل طرف. 
بعد كل هذه التقلبات، أصبح الشعب السوري الحلقة الأضعف، سواء في مناطق سيطرة النظام أو مناطق انتشار المعارضة، فيما بقيت المساعي السياسية لايجاد مخرج للأزمة تراوح مكانها، فروسيا والنظام عرقلوا لمرات ومرات مسار أستانة، فيما كان الفيتو الروسي حاضرا لمواجهة أي مشروع دولي لإدانة الأسد والانتهاكات التي ارتكبها نظامه بحق السوريين معارضين له أو موالين. 
 
تقاسم النفوذ 
يسيطر النظام على المساحة الأكبر من البلاد بنسبة 63 في المئة وفق تقرير مصور لقناة "الجزيرة" حيث يحكم سيطرته على مراكز المحافظات ما عدا محافظتي إدلب الخاضعة للمعارضة، والرقة الخاضة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ومناطق تواجد النظام تعج بجيشي إيران وروسيا وميليشيات عابرة للحدود ك "حزب الله" وميليشيات عراقية وإيرانية وكذلك أفغانية. 
أما المعارضة السورية، فقد تقلصت مساحة سيطرتها إلى حد كبير بعد التدخل السوري، حتى باتت تمتلك 11 في المئة من الجغرافية، والتي تتركز على الحدود مع العراق والأردن، وفي الشمال السوري حيث يتواجد الجيش التركي وقوات المعارضة على عمق 30 كيلو مترا. 
وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي، فتقع 26 في المئة من سوريا تحت سيطرتها، وتتمركز في الشمال الشرقي من البلاد، ويتواجد هناك الجيش الأمريكي وجيوش دولية أخرى، أما تنظيم "الدولة" فخرجت كل المواقع عن سيطرته بعد هزيمته من قبل التحالف الدولي، ولم يبق له وجود إلا عبر جيوب صغيرة في البادية وسط سوريا. 
 
أين أصبحت آمال السوريين؟ 
آمال السوريين الذين خرجوا من أجل إصلاح النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي لا تزال وفق قراءة الباحث رشيد الحوراني "ماثلة أمامهم" ونستطيع القول أن الشريحة الرمادية التي لم تنضم إلى الثورة بسبب معرفتها بهمجية النظام، اليوم باتت تطالب أو تشير إلى الانتخابات التي يسعى النظام السوري لتنفيذها على أنها انتخابات لا معنى لها في ضوء ما يعانيه السوريين بسبب هذا النظام. 
الحوراني قال ل "القدس العربي": "الأزمات الاقتصادية التي تضرب البلاد لا يكترث لها النظام، كونها لا تمسه ولا تمس حاشيته، وهو لا يفكر كثيرا في ذلك، وروسيا ذات الأمر. 
وأن موسكو تقف إلى جانبه حتى إعادة تأهيله، وهي أيضا غير قادرة على ذلك لسببن الأول اقتصادها المتهاوي، والثاني هو علاقاتها المضطربة مع كثير من الدول الفاعلة في المسألة السورية". 
كما اعتبر، أن المعارضة متعثرة في أدائها، لكنها تمتلك حاضنة شعبية تنتظر من يقوم بتأطيرها ضمن أطر وطنية للانطلاق من شمال سوريا، وتحريرها من إرهاب النظام والميليشيات الطائفية والإرهابية. 
 
حرية باهظة 
خلال عقدٍ من الثورة، وصلت الأحداث في سوريا لوضعٍ مؤلمٍ جداً، فدرجة الدماء البريئة التي اريقت من مختلف الأطراف، بالإضافة لعمليات الاستهداف الممنهجة والمستمرة من قبل النظام للمدنيين، أوصلت تمنيات بلوغ حل عادل شبه مستحيلة التحقق. 
فالحرية، من وجهة نظر الباحث السياسي بدر ملا رشيد التي رغب بها السوريون دفعوا ثمنها مئات الآلاف من الشهداء، و12 مليون بين مهجرٍ ونازح قسري، وما يقارب 10 ملايين آخرين يعانون من العوز الشديد. 
هذا جزءٌ من الصورة المأساوية الكاملة لسوريا، إلا إنها بكليتها لم تؤد إلى ترك السوريين لحلمهم في دولة العدالة. 
وهو ما نتلمسه من رفضهم للمشاريع التي تحاول إخماد ثورة التغيير، سواءً من قبل النظام وحلفائه، أو من قبل بعض القوى العالمية والإقليمية التي ترغب بتسليم ناصية السوريين مرة أخرى للنظام دون شرطٍ وقيد، وهو ما يستحيل أن يتم، فملايين السوريين خسروا أغلى ما يمتلكون من أحبة وأموالٍ وذكريات، ولا يمكن أن يساوموها بإعادة إحياء من تسبب بهذه المأساة، بحسب ما قاله رشيد ل "القدس العربي". 
 
ماذا يحتاج السوري اليوم؟ 
أهم ما يحتاجه السوريون اليوم، وفق ما قاله المحلل السياسي المتواجد في الشمال السوري مازن موسى، هو الوصول إلى حل سياسي وتطبيق القرار 2254 الذي يشكل خريطة طريق للتخلص من نظام الأسد وإنقاذ سوريا من الفوضى والانهيار الاقتصادي الذي يزداد بشكل مطرد مع بقاء الأسد في سدة الحكم. 
موسى، اعتبر أن كل المشاكل والأزمات التي تحاصر سوريا، سببها إبقاء رئيس النظام السوري في السلطة، وأنه لا حل ولا ترحيل للمصائب المتفاقمة في سوريا إلا برحيل الأسد ومحاكمته على كل الجرائم التي اقترفها طال الزمن أم قصر. 
كما اعتبر المحلل السياسي، أن الثورة السورية ستزهر ودماء الشهداء وتضحيات السوريين الذين سطروا من خلالها أروع الأمثلة في المطالبة بحقوقهم ستثمر في نيل حريتهم وكرامتهم وتحقيق حلمهم في سوريا دولة العدالة والقانون والديمقراطية التي تسع جميع أبنائها من مختلف الطوائف والمكونات. 
فأوضاع السوريين في مناطق سيطرة النظام سيئة للغاية، وهي تزداد سوءا مع انهيار الليرة السورية، وسرقة البلد من قبل شركات جديدة تتبع لتجار مرتبطين بأسماء الأسد. 
كما تحظى روسيا وإيران بقسم من هذه السرقات من خلال الاتفاقيات التي منحهم إياها الأسد لحلفائه، أضف لذلك أيضا سرقة المساعدات الإنسانية المقدمة للشعب من خلال تدخل الأمن والجيش والشرطة في ابتزاز الهلال الأحمر السوري ونهب قسم من هذه المساعدات، ومن خلال التدخل في توجيه هذه المساعدات وتوزيعها بطريقة غير عادلة. 
حيث تحظى مناطق الساحل "مسقط رأس الأسد" بنسبة أكبر من غيرها من هذه المساعدات، ولذلك يعاني الناس في مناطق سيطرة النظام من أزمة خانقة تعصف بهم بشكل يومي وتزداد باستمرار مع الانهيار الاقتصادي. 
أما في مناطق سيطرة المعارضة، فيقول موسى: الوضع ليس أحسن حالا، ولكنه بالتأكيد أقل سوءا مما هو عليه في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، حيث تعمل الجمعيات الخيرية والمنظمات الإنسانية المتعددة على تقديم الخدمات والمساعدات الغنسانية التي تسعى لتحسين واقع النازحين والمهجرين وتعمل على تخفيف معاناتهم وتأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم. 
 
فرص أضاعتها الثورة 
وفق قراءة للباحث في مركز "جسور" عبد الوهاب عاصي، فإن هيئات الثورة السورية ومؤسساتها أضاعت عدة فرص خلال العقد الماضي، يمكن تلخيصها بما يلي وفق ما قاله ل "القدس العربي": 
أولا: رفض بيان جنيف 1 في عام 2011 عندما تمسّكت المعارضة السورية السياسية بسقف مرتفع من المطالب، رغم أنّ الولايات المتحدة كانت جادة في دعم تطبيق البيان الذي يتضمن خطوات واضحة للمرحلة الانتقالية. 
ثانيا: رفض بيان جنيف 2 في عام 2014 عندما قاطعت العديد من قوى المعارضة المشاركة في المؤتمر بدون ضمانات لخروج بشار الأسد من السلطة. 
ثالثا: رفض مكافحة الإرهاب، في عام 2015 عندما امتنعت فصائل المعارضة السورية محاربة تنظيم "داعش" والانخراط في برنامج التدريب والتسليح الذي خصصت فيه الولايات المتحدة مبلغ 500 مليون دولار، والذي كان مشروطاً بقتال تنظيم "داعش" لا النظام. وكذلك عدم محاربة جبهة النصرة لاحقاً. 
رابعا: رفض مقترح مقابل لنموذج خفض التصعيد في مدينة حلب عام 2016 قبل الانهيار، شريطة إخراج 300 مقاتل من جبهة النصرة. 
خامسا: رفض مسار أستانا، في عام 2017 عندما قاطعت العديد من قوى المعارضة السورية المشاركة في المباحثات التي رعتها تركيا وروسيا وإيران. 
سادسا: عدم تحويل الرقة لعاصمة مؤقتة، في عام 2013 بعدما رفضت الحكومة السورية المؤقتة إجراءات لإقامة مكاتب ومؤسسات تنفيذية فيها. 
 
حجاب والعودة إلى الواجهة 
شهدت الساحة السورية في الآونة الأخيرة تحركات سياسية وعسكرية، تمثلت بعودة العميد مناف طلاس إلى الواجهة العسكرية، وكذلك عودة رئيس الوزراء السوري الدكتور رياض حجاب، الذي يعتبر أعلى مسؤول سوري ينشق عن النظام السوري. 
حيث أكد حجاب خلال لقاء مع قناة "الجزيرة" إقبال سوريا على تحول كبير بسبب تفكك الدائرة الضيقة حول بشار الأسد، مضيفا "لا يمكن تعويم النظام السوري لا دوليًا ولا إقليميًا، وبشار الأسد لن يكون رجل المرحلة المقبلة". 
كما نوه رئيس الوزراء السوري المنشق، أن بشار الأسد يقترب من المحاسبة ولا يمكن إعادة إنتاجه، معتبرا أن الأمور تتسارع وهذا العام يحمل انفراجاً للسوريين، منوها إلى أن الإدارة الأمريكية الجديدة تعمل على مقاربة جديدة للتعامل مع الملف السوري. 
الدكتور رياض حجاب، كشف أن المملكة العربية السعودية دعمت الحكومة السورية بمئتي مليون دولار للإصلاح الاقتصادي وتلبية مطالب الشعب السوري مطلع الثورة السوري، إلا أن بشار الأسد أخذها لجيبه الخاص ولم يذهب أي شيء لخزينة الدولة، وذلك خلال وجوده على رأس عمله بالوزارة.