الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عقيدة عسكرية جديدة في روسيا

عقيدة عسكرية جديدة في روسيا

23.12.2014
بافل فلغنهاور



الحياة
الاثنين 22-12-2014
لا يعدو اللقاء السنوي لرئيس الأركان الروسية العامة مع الملحقين العسكريين الأجانب في موسكو أن يكون أكثر من حدثٍ رسمي مملٍ. ولكن، اليوم مع انقطاع قنوات الاتصال الأخرى مع الزملاء العسكريين الغربيين بسبب العقوبات، صار اللقاء هذا بمثابة فرصة سانحة. فاليوم، يتعذر على رئيس الأركان فاليري غيراسيموف ووزير الدفاع سيرغي شويغو لقاء نظرائهما الغربيين كما في السابق، بعد طي التعاون العسكري وإلغاء اللقاءات والمؤتمرات مع دول الناتو وفرض عقوبات وتقييد تأشيرات الدخول. وتسود في موسكو رغبة كبيرة في التعبير عن مشاعرها إزاء الأعداء، ومنها القلق من استخدام الصواريخ الراجمة "غراد" و"سميرتش" في الدونباس.
ويبدو أن الإعلام الروسي لم يسلط الأضواء على الانتهاكات هذه تسليطاً يلفت أنظار الغرب. لذا، بادر غيراسيموف إلى إبلاغ الملحقين العسكريين الغربيين الحقيقة: الأعداء يحاصرون روسيا من كل الجهات، وموسكو تطور أسلحة ترتقي بالجيش الروسي إلى مصاف قوة ضاربة.
ولا يخفى أن روسيا، كما الاتحاد السوفياتي في الماضي، بلد سلمي لا يهدد أحداً، ولا يتدخل في شؤون أي دولة، ولا ينحني أمام أحد. وأشار غيراسيموف إلى أن استطلاعات الرأي تفيد بأنّ الروس يعتقدون بأن جيشهم قادر على الدفاع عن البلاد إذا برز تهديد عسكري. لذلك، حري بنظرائه الأجانب أن يعيدوا النظر في مخططاتهم العدوانية قبل فوات الأوان.
وأعلن غيراسيموف أن روسيا، من اليوم إلى عام 2021، ستتسلح مجدداً، ويُخطط لشراء 100 طائرة مقاتلة، و120 طائرة مروحية و30 سفينة وغواصة، و600 مدرعة، وعدد كبير من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز الجديدة (مع رؤوس حربية نووية) كل سنة. وأوجه الشبه بين معدلات الإنتاج العسكري الموعودة وسباق التسلح في الحرب الباردة كثيرة.
ولكن يبدو أن العقوبات الغربية وتفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية في البلاد قد تحول دون إنجاز هذا البرنامج الحكومي الطموح في الوقت المحدد. فالأموال تنضب، وإذا لم تستعِن بمكونات أجنبية، لا يسع روسيا إنتاج أسلحة حديثة متطورة، وغابت عنها كيفية تصنيعها. وتُسرق الأموال المخصصة للدفاع، وهدد فلاديمير بوتين في خطابه الأخير بمساواة اختلاس عقود الدفاع بجريمة الإرهاب المالي، واشتكى من ارتفاع الأسعار النهائية للأنظمة المسلحة المعقدة 11 مرة. ويعلم غيراسيموف أن أميركا وحلف شمال الأطلسي يسعيان إلى إضعاف روسيا "في كل المجالات الحيوية"، "والانتشار عسكرياً على حدودنا".
وقال الجنرال إن روسيا تحاول التوفيق بين الأطراف المتنازعة في أوكرانيا، ولم ترسل لا قذائف ولا بنادق، ولا دبابات، أو حتى جنود عبر الحدود. ورأى غيراسيموف أن الغرب يريد أن يلصق بروسيا "صورة المعتدي على أوكرانيا"، وأنّ الوضع في العالم غير مستقر.
إلى هذه التحديات، تنتشر مجموعة "الدولة الإسلامية" المعادية في العراق وسورية، ويصل عدد مقاتليها إلى حوالى 70 ألفاً. واتهم غيراسيموف واشنطن بأنها رعت في البداية هذا التنظيم، والآن تقاتله وتلوح بـ"عملية برية". وتعتزم قوات التحالف الغربي مغادرة أفغانستان، ويتخوف غيراسيموف، من ظهور مقاتلي "داعش" وإرهابيين محليين هناك، فيزعزعوا استقرار المنطقة كلها. و "الدولة الإسلامية" هو أكثر منظمة إرهابية ثراء في العالم، ودخلها السنوي نحو بليون دولار. وإذا دعمت حركات إسلامية في آسيا الوسطى، وفي أوزبكستان تحديداً، قد تندلع "ثورة إسلامية" تجرّ عواقب وخيمة على المنطقة وروسيا. ويبعث على الحيرة والدهشة وضع غيراسيموف كل هؤلاء الأعداء في سلة واحدة تجمع أميركا ودول الناتو وأستراليا وأوكرانيا إلى متطرفي "داعش"! ولا شك في أن هيئة الأركان العامة الروسية تجني مكاسب من كثرة الأعداء، وتحصل على مزيد من الأموال العامة.
ويرى روس كثر وعسكريون أنهم في أزمة لا قاع لها. فالمدنيون يعانون التضخم المالي وانخفاض قيمة العملة، ويهدد العسكريين احتمال الموت الغامض في الدونباس، أو احتمال أسخف من الأول: التجمد لسنوات في قواعد القطب الشمالي التي لا ترتجى منها فائدة ليجدوا أنفسهم بعدها في حرب دموية في آسيا الوسطى من دون أسلحة حديثة ومن دون حلفاء. وإذا زعزع "داعش" استقرار آسيا الوسطى، لن يقبل أي برلمان غربي بمساعدة روسيا. وإثر سقوط الاتحاد السوفياتي، لم يُرسَ نظام فاعل ينقل مقاليد الجيش والقوات الأمنية إلى سلطة مدنية.
وانتهت المحاولة الفاترة الوحيدة للتغيير والتحديث المنظم في الجيش خلال عهد وزير الدفاع السابق اناتولي سيرديوكوف، إلى طريق مسدود. وانتصر "الرجال الخضر" (المقاتلون الروس في أوكرانيا) وأعادوا البلاد إلى عالمهم السوفياتي المألوف الذي يرص صفوفه بواسطة التهديد الداخلي والخارجي المزمن، ويحكم طوق العزلة على نفسه.
* معلّق عسكري، عن "نوفايا غازيتا" الروسية، 13/12/2014، إعداد علي شرف الدين