الرئيسة \  واحة اللقاء  \  علاج الربيع العربي

علاج الربيع العربي

07.09.2014
محمود النوري



الحياة
الاربعاء 3/9/2014
تجذبني مقالات الكاتب السعودي جمال خاشقجي، ففي مقاله "الخلطة الأردنية - المغربية لعلاج الربيع العربي"، الذي نشر في جريدة "الحياة" (عدد السبت 30/8/2014)، رؤية واقعية، لكنني أود أن أعقب عليها مؤيداً ومستطرداً في الحديث.
الملاحظة الأولى: أتفق معه في أنه بعد ثلاث سنوات من "الربيع العربي" تتفق الغالبية أنه "شتاء قارس" جلب الجوع والموت والمرض للدول العربية التي "مر" عليها. وأنه درس أليم للمتطرفين الراديكاليين المؤمنين بالثورية، وأكد خطأ رؤيتهم بأن الصراع والموت يجلبان غداً أفضل.
الملاحظة الثانية: أن الدول العربية التي التزمت الديموقراطية الغربية مثل الكويت ولبنان لم تجلب لشعوبها سوى الحروب الأهلية في حالة لبنان، وفي حالة الكويت ترسخ الولاء لـ "القبلية والطائفة، بدلاً من الولاء للدولة، وهذا يتعارض مع أبسط مبادئ الديموقراطية. وزادت حدة الصراعات السياسية ما أدى إلى تخلف الكويت عن التطور الخليجي ليس في المجال الاقتصادي والسياسي، بل حتى في المجال الفني والرياضي، وانتشر الفساد، كل ذلك بسبب الصراعات السياسية بين الحكومة والمجلس.
يسعى العديد لإلقاء اللوم على الحكومة الكويتية، وفي رأيي ان المشكلة ليست في الحكومة، ولكن في البيئة السياسية وأسلوب الانتخاب الذي أفرز سرطانات سياسة انتشرت على مدى 50 عاماً، أدت إلى تشوهات في الحياة السياسية، من الصعب تجاوزها من دون تعديلات هيكلية في البنية السياسية وإدارة سياسية حكيمة وصبورة.
لذلك فإن تطبيق الديموقراطية بمفهومها الغربي في العالم العربي المتخلف حضارياً "الأنا" فيه عالية، سيقود هذه المجتمعات إما الى حالة التجربة اللبنانية، أو في حالة دولة نفطية غنية إلى التأخر والتجاذبات كما في حالة الكويت. وإصرار الرئيس الأميركي جورج بوش الابن على تطبيق الديموقراطية وفق مفهومه في العراق، يحصد نتيجتها الشعب العراقي الآن دماً وقتلاً وتشريداً وتصفيات عرقية وفكراً متطرفاً، وتنتشر نار هذه الحرب المستعرة في الدول المجاورة.
والخلاصة أن من يؤمن بالديموقراطية البرلمانية الغربية في العالم العربي، مثل الذي يحاول أن يلبس شخصاً عربياً ربطة عنق وقبعة فوق الثوب وغطاء الرأس، بهدف تطوير لباسه، ما سيخرج لنا نموذجاً مشوهاً مثل التجربة البرلمانية في العراق ولبنان والكويت.
الملاحظة الثالثة: تمتاز الأنظمة الوراثية بأنها أكثر حباً وعطفاً على شعوبها، كما أنها أكثر صبراً وتحملاً للانتقادات من الأنظمة الجمهورية، فسجون الأردن والمغرب والكويت وعمان والسعودية، روادها أقل بكثير من رواد سجون مصر وسورية وليبيا. وسعة صدر حكام الدول صاحبة الأنظمة الوراثية أكثر تقبلاً للنقد المبطن أو الصريح، وقنواتهم أكثر اتصالاً وانفتاحاً مع المعارضين أياً كانت مشاربهم وأصواتهم.
كذلك عملية التطور، سواء كانت في المجال السياسي أو الاقتصادي أو التعليمي أو الصحي، أو في مجال البنية التحتية مثل توفير المياه أو الطرق والمطارات والموانئ في الدول الوراثية سواء نفطية أو غير نفطية هي أكثر تطوراً من الأنظمة الجمهورية.
لذلك نرجو من شبابنا المتحمس يساراً ويميناً، وإخواننا في العروبة والإسلام أن يكونوا أكثر واقعية في نقدهم وطرح آرائهم لكي لا يدفعوا بأولادنا وأحفادنا إلى آتون النار، رأفة بهم وبمستقبلهم.
أود أن أختتم تعقيبي على أخي الفاضل جمال خاشقجي بوضع مزيد من النقاط على حروفه، بشأن الدفع بالمجتمعات العربية إلى إصلاح يشعر به المواطن العربي ويصل إليه، وهي كما يلي:
1- القضاء على الفساد:
من أكثر الأمور إثارة للرأي العام، الحديث عن فساد السلطة و "الهوامير" وتضخيم قصص العمولات التي يتقاضاها المتنفذون، والفساد الإداري بشأن التعيينات والواسطة والمحسوبية، وانعكاس ذلك على كل مستويات الإدارة الحكومية.
لذلك - من دون الحديث عن الديموقراطية - من أهم عناصر قوة الحكم وثباته هو القضاء على الفساد بكل أنواعه، فلن يكون هناك مجتمع قوي قادر على مقاومة سلبيات فكر "الربيع العربي" سواء كان يميناً أو يساراً إلا بالقضاء على الفساد، ولن تكون الأنظمة مستقرة إلا بمحاربة الفساد بكل أنواعه.
 
2- محاربة التطرف:
لا بد من نشر ثقافة التسامح وقبول الرأي الآخر، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرسل بشيراً ونذيراً، ولم يرسل وصياً على الناس. لذلك لا بد من نشر ثقافة التسامح لكي تقضي على التطرف السياسي.
 
3- خلق فرص عمل مستقرة للمواطنين:
البطالة مرتع خصب للمتطرفين أياً كان انتماؤهم، لذلك يجب تشجيع المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر وبشكل واسع، وأن تكون أحد أعمدة الإصلاح والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فهذا أمر حيوي وضروري لاستقرار المجتمعات، ومن المهم أن تخلق وتطور ثقافة العمل الحر للشباب. هذه المشاريع ستوسع قاعدة الاقتصاد وتخلق فرص عمل مهمة وتحد من العمالة الأجنبية، وتقلل من التحويلات الخارجية، ومن المحتمل أن تتطور بعض هذه المشاريع لكي تكون بعد عقود مشاريع متوسطة أو كبيرة أو عملاقة إذا توفر لها الدعم الكافي.
 
4- تطبيق الديموقراطية:
واضح تماماً أنني لا أؤيد تطبيق الأنظمة الديموقراطية بالمفهوم الغربي، لكن لا بد أن يعطى الشعب مجالاً للمشاركة في اتخاذ القرارات التي تهم معيشة المواطن، سواء كانت برامج تنمية بمفهومها الواسع، أو فرض ضرائب، أو اتخاذ قرارات مصيرية، لكن هذه المشاركة يجب أن لا تفسح مجالاً لتنمية التطرف الديني أو الطائفي أو القبلي، لأن ذلك سيقود المجتمع إما الى التخلف أو للصراع الدموي.