الرئيسة \  واحة اللقاء  \  فعلها الكرد..فهل سينجحون؟

فعلها الكرد..فهل سينجحون؟

20.03.2016
د. محمد مصطفى علوش


الشرق القطرية
السبت 19/3/2016
الثابت الوحيد الذي آن للعرب، حكامًا وشعوبًا، معرفته أنه لا توجد دولة كبرى تشاطر هذه المنطقة حقوقها التاريخية. الدول الكبرى ترى لنفسها الحق في احتلال أي بلد عربي بحجة الدفاع عن أمنها القومي على غرار أسلافهم الأوروبيين. دول أوروبا العجوز لم تنكفئ يومًا عن التمدد، ولو أتيحت لها الفرصة مرة أخرى لما ترددت وستخلق لنفسها الأعذار. الولايات المتحدة فعلتها حديثًا في العراق، وقد تفعلها في سوريا حاليًا. غنيّ عن الحديث تصريحات الروس حول الفدرالية كحلول للأزمة السورية.
ينتهي التدخل الدوليّ غالبًا، إما بالسكوت المريب أو التواطؤ على الفدرلة التي تعني التقسيم حتمًا في العقل الجمعي العربي الذي لم تؤهل شعوبه لمستوى أن تعيش الفيدرالية كما تعيشها الولايات المتحدة أو ألمانيا أو سويسرا.
لا توجد دولة استعمارية واحدة قالت إنها ضد إرادة الشعب الذي تستعمره. بل العكس تماما فهي تكيل لنفسها المديح كلما سنحت الفرصة، وتطلب من الشعوب المسلوبة الإرادة شكرًا مستمرًا لها، لأنها تضحي برجالها ومالها ووقتها من أجل تأهيل هذه الشعوب لتصبح لها دولًا قوية وذات حضور على الساحة الدولية.
في سوريا يموت القلب كمدًا. بلد يدمر منذ خمس سنوات، ولم يبق فيه حجر على حجر..أحيانًا لا يعرف المراقب من يقاتل من؟ وما الأهداف التي يصبو إليها المتقاتلون.. فقط بعض الكرد يعلم ماذا يريد من الحرب الطاحنة في سوريا والعراق.. فالمآسي العربية عند هؤلاء، الذين لا يمثلون كلّ الكرد قطعًا، فرص ساقها القدر إليهم. حلمٌ ببناء دولة كردية، ولو قامت على أشلاء العرب وجماجمهم.
صحيحٌ أن نُظمًا عربية أساءت إلى الكرد، لكنها لم تفعل ذلك لأنهم من غير العرب، بل لأنهم جزءٌ من الشعب المكلوم. آخر ما تفكر فيه النُّظم هو عرقية المواطن. سلوكه ودرجة خطورته على مصالحه هو المهمّ. ظُلم الكرد مع عامة الشعب، فهل جزاء العرب أن يظلموا من أخ شاركوه المظلومية؟
يعلم الكرد قبل غيرهم أن مشروع الاستقلال التام دونه خرط القتاد. لن يقبل به العرب المتناحرون بين نظم ومعارضة. كما لن تقبل به الدول الإقليمية المعنية إيران وتركيا.. وحدها الدول الكبرى وشبه الكبرى هي من لا تمانع في مزيد من تفتيت الشرق الأوسط وتطييفه مذهبيًا وعرقيًا ودينيًا..
قد يحلم الكرد بالكثير لكن الصراع لن تنهيه الفدرلة أو التقسيم. الأيديولوجية التي تحملها الميليشيات الكردية الداعية للانفصال لا تمثل كلّ الكرد الذين يربطهم تاريخ مشترك مع إخوانهم العرب والفرس والترك.
شاءت الأقدار أن يكون تاريخنا مشتركا ومصيرنا واحدا مهما تقاتلنا وتناحرنا وتخاصمنا. ولا حلّ لأزمات المنطقة ما لم تنجح العرقيات الأربع الأساسية في الشرق الأوسط في احترام حقوق بعضها البعض واحتضان ما تبقى من قوميات ومكونات عرقية وطائفية أخرى..
للكرد حقوق، لا يختلف على ذلك اثنان. لهم مظلومية تاريخية، وهو أمر مؤكد، لكن حقوقهم لا ينبغي أن تنال بظلم إخوانهم العرب. خيارات الفدرلة والتقسيم جلّ ما تقدمه للشعوب في بلادنا هو فتح فصل جديد من الصراعات الطويلة. الكرد يعلمون ذلك جيدا، ويعلمون أن الحفاوة الروسية الأمريكية بهم لدورهم في مواجهة تنظيم داعش لن تستمر طويلًا. فالدول الكبرى تأتي وتذهب، ولا يمكن أن تبقى إلى الأبد.. أمّا الدول الإقليمية التي تشاركنا الجغرافيا والتاريخ والموروث القيمي فهي التي تبقى مصالحها. وهذا يعني أن المراهنة على وافد من خارج المنطقة لخلق مظلمة جديدة وحمايتها هو رهان خاسر تماما.
على الكرد قبل غيرهم لفظ الميليشيات والأحزاب الانفصالية لأنها عقدت المسألة الكردية أكثر مما كانت عليه. فما الذي قدمه حزب العمال الكردستاني وتفرعاته للكرد في سوريا وتركيا والعراق؟ وما الذي قد يقدمه غدا للكرد في إيران غير الضغائن والأحقاد؟!.
الحلّ الأقرب والأقل كلفة والأكثر واقعية هو الذهاب إلى دولة وطنية تحترم حقوق شعبها السياسية دون تفرقة عنصرية أو دينية أو مذهبية. دولة فيها المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات. عندها سيتنافس المواطنون في بناء وطنهم دون ترف السؤال عن الخلفية العرقية أو الدينية أو المذهبية، لأن النفع سيعمّ الجميع. ما عدا ذلك، فمصيره التخاصم والتقاتل والمغالبة التي قد لا تنتهي أبدًا.