الرئيسة \  واحة اللقاء  \  على "داعش" الفعل وعلى الآخرين رد الفعل

على "داعش" الفعل وعلى الآخرين رد الفعل

21.08.2014
لؤي حسين



الحياة
الاربعاء 20/8/2014
أقرّت، منذ حين، غالبية الأطراف الدولية بعدم إمكانية الحسم العسكري لمصلحة أي من أطراف النزاع المسلح في سورية. لكن هذا الإقرار لم يغيّر شيئاً في مواقف أو ممارسات أطراف النزاع المسلح الرئيسة، أي النظام والمجموعات المناوئة له. إذ واصل جميع الأطراف القتال والتحشيد ولزومات ذلك، معتقدين أنهم قادرون على كسب انتصار صريح إذا ما توافرت لهم بعض الشروط الخارجية.
سياسياً، الموقف يختلف قليلاً. فما زالت جميع الأطراف الرئيسة، المحلية والدولية، ترى إمكانية انتصار طرف على الآخر (على رغم عدم تحديد من هو الطرف المعارض) حتى لو لم يكن انتصاراً "نظيفاً". ومع ذلك، فمن بين هذه الأطراف من يتحدث خلف الأبواب، وبشكل غير رسمي، عن قناعته بعدم وجود إمكانية للحسم السياسي في المدى المنظور. أي لا إمكانية، في الوقت الراهن، للإطاحة ببشار الأسد وفريق حكمه، وكذلك لا إمكانية لإنهاء حال الاعتراض والاحتجاج عليه.
بُنيت هذه المواقف واعتُمدت من جانب الأطراف مع احتدام النزاع المسلح في سورية، والذي مضى عليه أكثر من سنتين، أي قبل أن تدخل "داعش" (الدولة الإسلامية) بقوة في ميادين المعارك. والآن، ومع تنامي دور "داعش"، وتحولها أكبر قوة مسلحة، مقارنة بالمجموعات المسلحة الأخرى، من غير قوات النظام، بقيت تلك المواقف على حالها من دون أي تغيير.
ربما يكون عدم تغيّر مواقف الأطراف نتيجة سرعة المتغيرات التي تحدثها "داعش". فخلال أشهر قليلة تمكنت "داعش" من السيطرة على مناطق عدة شرقي البلاد وشمالها، مستمرة في التوسع في منطقة حلب وغيرها. لكن المرجّح أن بقاء هذه المواقف على حالها ناجم عن أن جميع الأطراف تنظر إلى "داعش" على أنها حال طارئة وعابرة لا تستدعي تغييراً في المواقف الاستراتيجية.
إضافة إلى أن كل طرف ينتظر، سراً، أن يستفيد من وجود "داعش" من خلال إضرارها بخصمه، ويراهن على أن تصيب من الخصم ضعفاً تجعله يأتي صاغراً إليه. فالمعارضة لا تجد في "داعش" مشكلة طالما أنها تقاتل النظام وتحقق انتصارات عليه. بل ترحب بانتصارات "داعش" على النظام، لأنه ما لم يسقط نتيجة ذلك، فسيطاوله من الضعف ما يجعله يأتي خاضعاً راضخاً (مع حلفائه الدوليين) لشروط المعارضة. أو يتم التضحية ببشار الأسد أسوة بنوري المالكي. وإن سقط النظام تحت ضربات "داعش" فسيكون هذا أمراً مباركاً. وحينها يتم التفكير بكيفية التعامل مع "داعش".
وفي المقابل، لم يقرب النظام "داعش" طالما هي تتحرك في المناطق الخارجة عن سيطرته وتقاتل المجموعات المسلحة الأخرى. بل يأمل أن يصيب الضعف واليأس المعارضة (وحلفاءها الدوليين) تحت ضربات "داعش" فتقبل بالاستسلام له، ولو تحت يافطة "المصالحات المناطقية"، ويتم تكليفه دولياً بمحاربة "داعش".
نلحظ من هذا العرض المبسط أن "داعش" هي الطرف الفاعل الوحيد، وأن أفعال بقية الأطراف هي مجرد رد على أفعالها؛ فوفق "داعش"، تكون خيارات الأطراف الأخرى. أي تحولت "داعش" في سورية لتكون المحور الرئيس الذي تدور في فلكه القوى الأخرى بما في ذلك النظام.
تحولت "داعش" بعد استيلائها على الموصل ومناطق عراقية كثيرة، وكذلك على مناطق ومساحات سورية واسعة، من مجرد تنظيم متطرف يمارس دوراً تخريبياً بطريقة "الهواية" إلى حال سياسية اجتماعية أقرب إلى "الحرفة"، لا يصلح النظر إليها بعد الآن على أنها حال طارئة أو عابرة يمكن ان تتلاشى مع مرور الزمن، أو تندثر بالمنافسة، أو تزول بقتل عدد من قياداتها وكوادرها.
إذاً، والحال هذه، تجد المعارضة السياسية السورية نفسها في حال ضياع تام، فلا هي لديها القدرة على تغيير استراتيجيتها، ولا طائل من ثباتها على مواقفها التقليدية التي لم تعد تمتّ إلى الواقع بأي صلة، بما في ذلك مناشدتها الأخيرة للمجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة (وفق تعابير الائتلاف) بالتدخل العسكري، أسوة بالعراق، لضرب قوات "داعش" وقوات النظام. فالمعارضة اعتادت ألا توفر فرصة من دون أن تدعو الولايات المتحدة للتدخل العسكري في سورية حتى لو كان ذلك لصيد العصافير.
لا بد الآن للمعارضة، ومع التغيرات التي تحدثها "داعش" على الأرض، من إعادة ترتيب الأولويات. على ألا يكون ذلك مجرد إدراج مواجهة "داعش" كقوة غاشمة هدّامة أو كتنظيم إرهابي. أو النظر إلى داعش من خلال منظار إسقاط النظام وتقويم دورها وكيفية التعامل معها وفقاً لما يخدم ذلك. بل لا بد من وضع الحفاظ على الكيان السياسي السوري على رأس قائمة الأولويات. هذا الكيان الآخذ بالتمزق والتفتت بين طرفين تفتيتيين: النظام و "داعش". فمن لازم الأمور أن يكون لدينا كيان سياسي واضح المعالم والحدود إذا ما كنا نطمح الى بناء وطن سوري ضمن حدوده.
الآن، الفرصة مناسبة جداً للانقضاض السياسي على النظام. إن كان ذلك على صعيد "الانتهازية" السياسية المشروعة، أو على صعيد العمل الوطني البالغ الضرورة. فحلفاء النظام الآن "لا بد" من أنهم يستشعرون خطر "داعش" الحقيقي على النظام وعلى مصالحهم التي باتت تضيق مع تنامي "داعش"، حتى لو لم يصرّحوا بذلك. وكذلك حال الدول التي "تعادي" النظام، "فلا بد" من أنها تشعر بفقدانها السيطرة الكلية على مسارات الواقع السوري أمام تنامي "داعش" وانتشارها على مساحات غير متوقعة، حتى لو لم تعلن ذلك رسمياً.
هذا الانقضاض على النظام لا يعني البتة العمل على إسقاطه، فهو أمر غير ممكن وغير مجدٍ أمام الحال "الداعشية". كما لا يعني في المقابل السير في ركب النظام أو التحالف البيني معه. وإنما يعني الضغط الممنهج لإنتاج سلطة انتقالية (مشكّلة من النظام والمعارضة وشخصيات عامة)، تقوم على تقويض أسس النظام الاستبدادي، ويشارك فيها جميع شرائح وقوى المجتمع السوري لتتمكن من المحافظة الحقيقية على وحدة الكيان السياسي السوري.
* رئيس تيار بناء الدولة السورية