الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عملة دمشق - بغداد الباقية: "داعش" وخطره كبديل!

عملة دمشق - بغداد الباقية: "داعش" وخطره كبديل!

02.06.2015
محمد مشموشي



الحياة
الاثنين 1/6/2015
لم تتغير استراتيجية النظام السوري منذ بداية الثورة عليه عام 2011، بل وحتى قبلها منذ استيلاده "فتح الاسلام" و "جند الشام" وأشباههما في لبنان، للقول ان البديل عنه هنا وهناك لن تكون الا أسوأ منه. كما لم تتغير بدورها خطة ايران وربيباتها (حكومات ابراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي) في العراق، قبل انسحاب القوات الأميركية وبعده، أولاً عبر التسامح مع "الدولة الاسلامية في العراق" التي كان شعارها مقاومة الاحتلال، وتحولت أخيراً الى تنظيم "داعش"، ودائماً بذريعة أن البديل هو الأسوأ: اما الحرب الأهلية المديدة أو التقسيم أو الارهاب في المنطقة وفي العالم.
كيف ذلك؟ لم يجد نظام بشار الأسد ما يصف به أحداث درعا مطلع آذار (مارس) 2011 الا أنها "حرب كونية" تشن ضد سورية، وأطفالها المتظاهرين الا أنهم "تنظيمات ارهابية". ثم انه عمد الى اطلاق سراح بعض السجناء الاسلاميين المتطرفين الذين سارعوا الى تشكيل فصائل مسلحة، وصولاً في الفترة الأخيرة الى سحب قواته من مدينة تدمر وتسليمها الى "داعش" من دون مقاومة.
وليس من دون دلالة على الهدف المبيت هنا، أنه قبل ذلك بأيام، وعلى العكس مما حدث من تسليم لتدمر، كانت قوات الأسد قد استماتت (هكذا قال إعلامها على الأقل) في وجه تنظيمات مثل "جبهة النصرة" و "الجيش السوري الحر" و "جيش الفتح" وغيرها كانت تهاجم ثم تحتل كلاً من ادلب وجسر الشغور ومستشفاها شمال شرقي سورية، وقبلها عدداً من البلدات والمناطق في درعا.
والهدف، كما بات جلياً من كثرة الحديث عنه في دمشق وبغداد وطهران، هو تكبير حجم تنظيم "داعش" وتعظيم الخطر الذي يشكله، لكن دائماً للقول انه أسوأ ما يمكن تصوره كبديل للنظامين السوري والعراقي الآن وفي المستقبل.
في الوقت ذاته، وللهدف ذاته كذلك، كانت القوات العراقية تنسحب من مدينة الرمادي وتسلمها الى "داعش" نفسه، تماماً كما كانت الحال عندما انسحبت من الموصل قبل حوالى عامين تاركة وراءها ترسانة ضخمة من الأسلحة والدبابات والمدافع التي غنمها التنظيم واحتل بها أكثر من ثلث مساحة العراق أيام حكومة نوري المالكي. وعملياً، فعندما قال وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر تعليقاً على سقوط الرمادي في أيدي "داعش"، ثم تعليقاً على ما يقال عن التحضير لاستعادتها، ان "الجيش العراقي لم يبد عزماً على القتال ولا رغبة به"، فإنه كان يشيرالى واقعة تسليمها هذه تحديداً وليس الى أي شيء آخر.
والحال أن "داعش" الارهابي والتكفيري وقاطع الرؤوس لا يبخل على "محورالممانعة" بأفضاله في هذا السياق. أما اذا تأخر، ففي جعبة هذا المحور ما يعوض به النقص عبر التبرع بتزويد "داعش" بما يحتاج اليه من سم طائفي ومذهبي. ألم يكن استيلاد "فرقة الشبيحة" العلوية في سورية، و "الحشد الشعبي" الشيعي في العراق، فضلاً عن "حزب الله" الشيعي في لبنان و "أنصار الله" في اليمن، وبعد ذلك كله اطلاق تسمية "لبيك يا حسين" على الحملة الحالية لاستعادة الرمادي، قبل التراجع عنها حرَجاً، صباً للزيت على نار هذا التنظيم الموقدة أصلاً؟
بل، ولمجرد التذكير، ألم يبدأ نظام "الولي الفقيه" الايراني مباشرة بعد قيامه العام 1979 ما وصفه ب "حج البراءة من الكفر" (هل تحيل الكلمة الى التكفيريين الآن؟) في موسم الحج في مكة المكرمة، وكان يمكن أن يتحول الأمر الى فتنة منذ ذلك الوقت لولا حكمة القيادة السعودية وقرارها مواجهته بما يلزم من حزم؟
في حالنا الراهنة، لا سيما بعد وصول الهجمة الايرانية الى طريق مسدود، يبدو أنه لم يعد في يد طهران، ومعها النظامان التابعان في دمشق وبغداد، سوى ما يوفره لها تنظيم "داعش" من ارهاب وتكفير وقطع رؤوس بالخناجر للادعاء أمام شعوب المنطقة وأمام العالم الخارجي بأن هذا التنظيم هو البديل، وبأنه الأسوأ في كل حال. المهم أن تبقى وتيرة "النجاحات" الايرانية في الإقليم على زخمها، وأن يبقى معها نظاما "الممانعة" في سورية والعراق، ولا بأس من استخدام "داعش" وأمثاله (كما كانت الحال مع "القاعدة" بعد حرب أفغانستان) في هذا السبيل.
وعملياً، فإذا كان هناك من مسوغ للقول إن "داعش" هو الوجه الآخر للعملة التي تتداولها كل من طهران ودمشق وبغداد مع العالم، ومن حاجة للاعتراف بأن هذه العملة باتت مقبولة الى حد كبير من الغرب، ومن الولايات المتحدة بالذات، فلن يكون مستبعداً توقع المزيد من "عمليات المقاصة" في سوق النخاسة هذه، وبالتالي سقوط (أو تسليم) مدن ومناطق سورية وعراقية أخرى في أيدي هذا التنظيم في خلال الفترة المقبلة.